بدأ البرلمان التركي أمس، مناقشة تعديل دستوري يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة على حساب منصب رئاسة الوزراء، في خطوة تُحكم قبضة الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، على السلطة أكثر فأكثر، فيما تعيش البلاد وسط توترات أمنية، وسياسية، واقتصادية.
ويؤدي التعديل الدستوري المُقترح الذي يطاول 18 مادة في الدستور الحالي، إلى نقل السلطة التنفيذية من رئيس الحكومة إلى رئيس الدولة. وقد يتيح لأردوغان البقاء في السلطة حتى 2029 بعد ثلاث ولايات على رأس الحكومة (2003-2014)، إذ ينص التعديل على تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة في تشرين الثاني 2019، على أن يُنتخَب الرئيس لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد لمرة.
وتجري مناقشة نص التعديل الذي أقرته لجنة برلمانية قبيل نهاية 2016، على مرحلتين، وستستغرق نحو 15 يوماً. وعند إقراره في البرلمان، سيطرح التعديل الدستوري على استفتاء عام، من المرتقب أن يحصل في الأسبوع الأول من شهر نيسان المقبل. وتسمح التعديلات المطروحة لرئيس البلاد بالإبقاء على روابطه بحزبه السياسي عند انتخابه، وستشمل صلاحياته تعيين الوزراء وإقالتهم، وسيكون له نائب رئيس أو أكثر، كذلك سيكون بوسعه إصدار مراسيم. وينص المُقترح أيضاً على رفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 وخفض سنّ التأهل للترشح من 25 عاماً إلى 18 عاماً.

يُعَدّ التعديل الأكثر
جذرية منذ التحوّل إلى
الجمهورية عام 1923

وبينما يرى الحكم التركي القائم أن تحويل النظام إلى رئاسي ضرورة لضمان الاستقرار على رأس الدولة، على الرغم من وجود أصوات معارضة تخشى من تحول الحكم في تركيا إلى نظام استبدادي، فإنّ التعديلات المقترحة تشكّل «منعطفاً تاريخياً» في النظام السياسي، وفق رئيس تحرير صحيفة «حرييت دايلي نيوز»، مراد يتكين، الذي ذهب في قراءته للتعديلات إلى حد القول إنّها «الأكثر جذرية منذ التحول من سلطنة إلى جمهورية عام 1923 والتحول من حكم الحزب الواحد إلى ديموقراطية عام 1947».
ويحظى المقترح بدعم كل من «حزب العدالة والتنمية» وحزب «الحركة القومية» في البرلمان، أي بدعم 355 نائباً، ما يعني أن احتمال إقراره بالأغلبية كبير جداً، إذ يحتاج إلى موافقة 330 نائباً من أصل 500. ومع ذلك، توجد بعض الأصوات المعارضة بين نواب هذين الحزبين، لكن عددهم لا يتجاوز 15 نائباً، كذلك إن احتمال تصويتهم ضد التعديل في المرحلة الثانية ضئيل.
في السياق، رأى مراد يتكين في مقالته أنّ هذا المشروع يرمي إلى التسبب بانقسامات في صفوف الغالبية، بعدما عبّر عدد من نواب «العدالة والتنمية» عن «استيائهم وعدم ارتياحهم»، مضيفاً أنه «ليس سراً أيضاً أن يكون نواب حزب العدالة والتنمية من أصل كردي غاضبين من التحالف مع حزب الحركة القومية».
وضمن الجبهة المعارضة لمقترح التعديل، يُعَدّ «حزب الشعب الجمهوري» أبرز المعارضين. وقد قال رئيسه، كمال كيليتشدار أوغلو، أول من أمس، إن تركيا ستصبح «دولة حزب»، مضيفاً أنّ «الرأي العام لا يدرك التداعيات الخطرة للتعديلات، ومن واجبنا تحذيرهم». وتابع أن «العدالة والتنمية» قدّم المقترح «بأسلوب استبدادي»، ومن دون الاستماع إلى اقتراحات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، معتبراً أنه أُعدَّ في «مطبخ حزب العدالة والتنمية».
وكرر كيليتشدار أوغلو تذكيره بتحذير حزبه «للعدالة والتنمية من تسييس المساجد والثكنات والمحاكم، لكنهم سيسوا الجيش في آخر مرسوم طوارئ»، في إشارة إلى المرسوم الصادر في السادس من كانون الثاني الجاري، الذي يتيح لوزارة الدفاع القيام بجميع التعيينات العسكرية. وذهب رئيس «حزب الشعب الجمهوري» إلى التذكير أيضاً بأنّ «انقلاباً ثانياً حصل في 20 تموز الماضي»، إثر إعلان حالة الطوارئ مباشرة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. وأشار إلى أن مراسيم حالة الطوارئ «أسكتت البرلمان... وأسكتت وسائل الإعلام، وانزلق النضال ضد من حاولوا القيام بالانقلاب إلى خارج حدود القانون، فتم تسليم الأمر إلى غضب وحقد شخص واحد».
وفي السياق نفسه، رأى نائب رئيس «الشعب الجمهوري» بولنت تزجان، أنّ التعديل المقترح سيعيد إلى «القصر» الصلاحيات التي جُرّد منها السلطان العثماني قبل قرن، موضحاً أنّ «ذلك سيعني حلّ كل ما أنجزته جمهوريتنا»، وأن مشروع الإصلاح الدستوري يفتح الطريق لـ«ديكتاتورية رجل واحد».
أما زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين دميرتاش، الذي أودع السجن مع نحو 12 نائباً من حزبه، فقد أرسل عريضة إلى البرلمان تعارض المشروع، شدد فيها على أن غياب نواب حزبه الذين تحتجزهم السلطات يجعل النقاش البرلماني غير سليم.
ووسط رفض وازن ضمن المجتمع التركي لمشروع أردوغان بالتوجه نحو نظام رئاسي، فإنّ ما قد يزيد من حدة المواجهة في الأيام المقبلة أنّ تركيا تعيش منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، في ظل حالة الطوارئ التي ساعدت مقتضياتها السلطات على ملاحقة واعتقال وتجميد عمل الآلاف من الموظفين. وفيما تحاول أنقرة تهدئة علاقاتها بمحيطها، فإنها تذهب نحو مزيد من التشدد في الداخل، في وقت تعيش فيه البلاد ظروفاً سيئة على الصعيد الأمني وتدهوراً على الصعيد الاقتصادي، إذ سجلت الليرة التركية، أمس، أدنى مستوياتها بـ3.68 للدولار الواحد.
(الأخبار)