قبل اتضاح المفاعيل السياسية لنتائج الانتخابات التشريعية التركية على المستويين الداخلي والخارجي، ينصب التركيز اليوم على مصير الحكومة التي ستكون أول تطبيق عملي لصورة المستقبل في تركيا. وفيما تزداد التأويلات بشأن انعكاسات هزيمة حزب «العدالة والتنمية» على ملفات عدّة، يبدو أن أول تداعيات هذه الخسارة ستكون على هيكلية الحزب نفسه، في ظلّ إمكانية جنوح الرئيس رجب طيب أردوغان نحو خيارات انتقامية في «بيته الداخلي»، بعدما عزز الاستحقاق الاخير من مخاوف أفول نجمه نهائياً.وفي وقتٍ تسري فيه مهلة الـ 45 يوماً لتأليف حكومةٍ جديدة لم يتضح شكلها بعد، أعلن زعيم حزب «الشعوب الديموقراطي»، صلاح الدين دميرتاش، رفضه المشاركة في حكومةٍ ائتلافية، وذلك برغم دعوته البلاد إلى عدم خشية الائتلافات الحكومية، «لأن الدول تدار بهذه الطريقة»، مطالباً «العدالة والتنمية» بالتعامل مع حزبه بـ «ندّية». ويبدو موقف أردوغان في مسألة تأليف الحكومة الأكثر إحراجاً، إذ يمكن القول إن الرجل الذي وصل إلى سدة الرئاسة في آب الماضي، أحرق جميع مراكبه على الساحة الداخلية، بعدما كان يكرّس نفسه حاكماً مطلقاً للبلاد.

سيكون
أحمد داوود أوغلو «كبش الفداء»
فكيف سيشهد بنفسه اليوم ولادة حكومة مكوّنة من قوى اتهمها سابقاً بالخيانة والعمالة والإرهاب؟ وكيف لمن أسبغ على حكمه «شرعيةً» شبه مقدّسة، ملغياً آخرين في المشهد السياسي الداخلي، أن يقبل «التنازل» والجلوس معهم على طاولةٍ واحدة؟ هذه الأسئلة تنتظر إجابات حاسمة في الأيام المقبلة، بينما يقف احتمال إجراء انتخابات مبكرة بالمرصاد لأي إخفاق في تأليف الحكومة، برغم صعوبة اللجوء إلى هذا الخيار.
في هذا الوقت، وبعدما استفاق من هول الصدمة، ينهمك أردوغان اليوم في ترتيب أوراقه الداخلية، تحت عنوان «تقييم» النتائج الانتخابية. وتزداد المخاوف في هذا الصدد، من أن يتجه الرئيس الغاضب إلى تدابير حزبية، يكون أحمد داوود أوغلو «كبش الفداء» فيها، ليحمّل زعيم الحزب مسؤولية الخسارة الفادحة. وفي وقتٍ تزداد فيه الأقاويل بشأن إمكانية عودة رئيس الجمهورية السابق عبدالله غول إلى زعامة الحزب وإلى الحياة السياسية عموماً، يعتزم "العدالة والتنمية» عقد اجتماعين حزبيين بغية «رسم خريطة طريق بشأن الفترة المقبلة»، وفقاً لإعلان نائب رئيس الحزب محمد علي شاهين. وكان داوود أوغلو قد قدم استقالة حكومته عصر أمس إلى أردوغان الذي كلّفه تأليف الحكومة الجديدة.
وقال مسؤولون من "الشعب الجمهوري" انهم سيبحثون مع حزب "الحركة القومية" تأليف حكومة ائتلافية بين الحزبين، على ان يدعم حزب "الشعوب الديمقراطي" هذه الحكومة من الخارج، كما ان الحزب على استعداد لتأليف حكومة ائتلافية مع حزب "الشعوب الديمقراطي" على ان يدعم حزب "الحركة القومية" هذه الحكومة من الخارج، في مقابل تصويت الحزبين لمرشح "الحركة القومية" لرئاسة البرلمان طالما ان الأحزاب الثلاثة متفقة في موضوع اعادة فتح ملفات الفساد، التي تورط فيها وزراء أردوغان الأربعة، وبالتالي الحد من دور اردوغان في الحياة السياسة، وأخيرا تغيير السياسة الخارجية بأكملها وإغلاق الحدود مع سوريا في وجه الجماعات الارهابية وإيقاف كافة انواع الدعم لها.
وبدأ الحديث عن خسارة "العدالة والتنمية" في حال بقائه خارج السلطة لعدد كبير من المواقع السياسة المحسوبة على اردوغان مباشرة. ومن هذه المواقع رئاسة المخابرات ومدراء الامن والمجلس الاعلى للقضاء والمجلس الاعلى للتعليم، والمجلس الاعلى للإعلام، وكلها اجهزة مهمة جدا يسيطر اردوغان من خلالها على جميع مرافق ومؤسسات الدولة، كما ستسيطر احزاب المعارضة إن اتفقت فيما بينها على جميع اللجان المهمة في البرلمان، إضافة الى تغيير المحافظين ورؤساء ومدراء جميع اجهزة ومرافق الدولة المحسوبين على اردوغان، وذلك في حال تأليف حكومة ائتلافية بين احزاب المعارضة واستبعاد "العدالة والتنمية" من الحكم.
من جهةٍ أخرى، ركزت المواقف الدولية من نتائج الانتخابات التشريعة، يوم أمس، ولا سيما الغربية منها على أهمية الديموقراطية في تركيا، فيما لم يلحظ حلفاء أنقرة في الدول العربية، الذين هنأوا «العدالة والتنمية»، بحلوله في المرتبة الاولى، تغييرات كبرى. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جيف راثكي، إن المؤشرات الأولية تكشف عن مشاركة أكثر من 50 مليون مواطن تركي في التصويت، «وتظهر الفعالية الدائمة للديمقراطية التركية». وعبّر راثكي عن تطلّع بلاده إلى «العمل مع البرلمان الجديد المنتخب والحكومة المستقبلية»، مشدداً على أن بلاده «ملتزمة باستمرار التعاون السياسي والاقتصادي، والأمني مع تركيا كصديق وحليف في الناتو (حلف شمال الأطلسي)».
أوروبياً، قال الأمين العام للمفوضية الأوروبية، ثوربويورن جاغلاند، إن هذه الانتخابات «أظهرت مدى ارتباط الشعب التركي بالديمقراطية، وتصميمه على إسماع صوته بالطرق الديموقراطية»، مشيراً إلى أن «تركيا عضو مهم في المفوضية».
ومن جهته، أكد رئيس البرلمان الأوروبي، ماتن شولتز «أن نتائج الانتخابات في تركيا ستمثّل فرصة للانتقال من الاستقطاب للحوار، وستعزز نظام التوازنات في تركيا، التي تواجه العديد من التحديات، في مجال السياسة الاقتصادية، والخارجية للبلاد». ورحب شولتز بدخول حزب «الشعوب الديمقراطي» البرلمان التركي، مشيراً إلى أن ذلك «اثراء للمشهد السياسي التركي، الأمر الذي يوفر فرصة لتنشيط عملية السلام، يجب اغتنامها».
ومن المواقف الاقليمية اللافتة من الانتخابات التشريعية الاخيرة، كان تعليق رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، الذي عبر عن «سعادته» لتمكن حزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي من دخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية، متمنياً أن يساهم دخول الاكراد البرلمان في تعزيز الاستقرار والسلام في البلاد.
وكانت حركة «حماس» الفلسطينية، قد هنّأت الشعب التركي بـ»نجاح الانتخابات البرلمانية الحرة والديموقراطية، التي عكست الوجه الحضاري لهذا الشعب»، كما خصّت الحركة حزب «الشعوب الديموقراطي» بالتهنئة أيضاً على تمكنه من دخول البرلمان للمرة الأولى.
بدوره، هنّأ نائب رئيس الجمهورية العراقية، أسامة النجيفي، أردوغان وداوود أوغلو، بـ «نجاح الانتخابات التركية الأخيرة».
على المستوى الأمني، اندلعت اشتباكات في مدينة ديار بكر (جنوب شرق) يوم أمس، بين مناصري «الشعوب الديموقراطي» و»إسلاميين»، أدت إلى وقوع 4 ضحايا، بعد مقتل رئيس جمعية يني إحيا دير الإغاثية الاسلامية، أيتاك باران، بالرصاص أثناء مغادرته مكتبه في المدينة. كذلك، ارتفع عدد قتلى الانفجارين اللذين استهدفا، يوم الجمعة الماضية، تجمعاً لأنصار «الشعوب الديموقراطي»، إلى ثلاثة أشخاص، بعدما فارق أحد الجرحى الحياة في المستشفى أول من أمس.

(الأخبار، الأناضول، أ ف ب، رويترز)