مع عودة لغة التصعيد الكلامي تجاه روسيا، برز موقف ألمانيا التي أكدت أن الدول السبع تحتاج إلى روسيا بصورة ماسة، مشددةً على ضرورة العودة إلى صيغة «الثماني الكبار» في أقرب وقت لبحث أهم القضايا الدولية.وأوضح وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، أنه ليس من مصلحة الدول السبع (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا واليابان) أن تعقد القمم بصيغة «السبع الكبار» إلى أبد الأبدين. وأضاف في مقابلة مع صحيفة «نويه أوسنابروكر تسايتونغ» الألمانية نشرت أمس: «على العكس، نحن بحاجة إلى مساعدة روسيا في جهود تسوية الصراعات المجمدة في أوروبا وسوريا والعراق وليبيا وفي المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني».

في هذا السياق، أعرب الوزير عن أمله بأن تساعد «الضغوط السياسية والاقتصادية» على روسيا من جهة، والمساعي لإقامة حوار مع موسكو من جهة أخرى، في «إيجاد مخرج من هذا الوضع في أوكرانيا الذي يهدد أوروبا برمتها». وأشار إلى أن برلين تتواصل حالياً مع موسكو لاستئناف نظام وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
كذلك شدد شتاينماير على أنه يجب الاستمرار في التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية برغم صعوبة تنفيذ اتفاق مينسك، قائلاً: «هناك صعوبة في تنفيذ اتفاق مينسك... الشك له ما يبرره، ولذلك الأهم أثناء ظهور تصعيد جديد، الاستمرار في عملية التسوية السياسية».
حمّل لافروف كييف مسؤولية مصير اتفاقات مينسك بسبب تجاهل التزاماتها

من جهة أخرى، عادت لغة التصعيد حيال روسيا مع تجدد الاشتباكات في الشرق الأوكراني، إذ دعا الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو الجيش للاستعداد لاحتمال قيام روسيا «بغزو كامل» على طول الحدود المشتركة بين البلدين.
بوروشينكو استخدم كلمة «غزو» للمرة الأولى في خطابه أمام البرلمان ليصف سلوك روسيا منذ بدء «تمرد» للانفصاليين في الشرق تقول الأمم المتحدة إنه أودى بحياة أكثر من 6400 شخص. وفي إشارة إلى اشباك استمر 12 ساعة أول من أمس، استخدم فيه الجانبان المدفعية، قال بوروشينكو: «هناك تهديد خطير بتجدد العمليات العسكرية الواسعة النطاق من جانب الجماعات الإرهابية الروسية». وأضاف: «يجب أن يكون الجيش مستعداً لتجدد هجوم العدو في دونباس ومستعداً أيضاً لغزو شامل على طول الحدود مع روسيا. يجب أن نكون مستعدين بحق لهذا».
وادعى بوروشينكو أن هناك تسعة آلاف جندي روسي في الأراضي الأوكرانية، مضيفاً إن «حشد القوات الروسية قرب حدود الدولة أكبر مرة ونصف مما كان عليه قبل عام».
في غضون ذلك، قال متحدث باسم الجيش الأوكراني إن الوضع قرب مارينكا لا يزال «متوتراً، لكنه مستقر»، في وقت قال فيه المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، للصحافيين: «اتخذ الجانب الأوكراني قبل ذلك مراراً خطوات لتصعيد حدة التوتر قبل أحداث دولية كبيرة... حدث هذا من قبل، ونحن قلقون بشدة من مظاهر هذا النشاط في الآونة الأخيرة».
في هذا الإطار، حمّل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في تصريح لوكالة «أنباء انترفاكس» حكومة كييف مسؤولية ما يحصل من خرق لاتفاقات مينسك بسبب أعمال سلطات كييف، التي تتجاهل التزاماتها. وقال لافروف: «اتفاقات مينسك، منذ يوم 12 شباط، تحت تهديد دائم بالفشل بسبب أعمال سلطات كييف التي تحاول تجاهل مسؤولياتها في ما يخص إقامة الحوار السياسي المباشر مع دونباس».
وفي برلين، أعرب فرانك فالتر شتاينماير عن «قلقه الشديد» بعد تجدد أعمال العنف في شرق أوكرانيا ودعا إلى منع تصعيد عسكري جديد. كما عبرت وزارة الخارجية الفرنسية عن قلقها إزاء «المعلومات التي أشارت إلى معارك أمس (الأربعاء) في مارينكا»، ودعت إلى وقفها فوراً.
أما الاتحاد الأوروبي، فندد أمس، بـ«تصعيد» المعارك في شرق أوكرانيا، معتبراً أنه يشكل «أخطر انتهاك» لوقف إطلاق النار المعلن في شباط الماضي، ويمكن أن يشعل «دوامة عنف جديدة».
وقالت متحدثة باسم المكتب الإعلامي لدى الاتحاد الأوروبي إن «التصعيد أمس (الأربعاء) جاء بعد تحرك كمية كبرى من الأسلحة الثقيلة نحو خطة الجبهة من قبل الانفصاليين» الموالين لروسيا بموجب ما جاء في تقرير مراقبي منظمة «الأمن والتعاون في أوروبا» ليلاً.
وأشارت المتحدثة إلى أن قادة الاتحاد ليسوا مستعدين فقط لتمديد العقوبات القائمة على روسيا، بل هم مستعدون لتشديدها.
وفي واشنطن، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن على موسكو ممارسة الضغط على الانفصاليين لوقف القتال. وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف مساء الأربعاء، إن «أي هجوم جديد أو عمل عدواني من جانب القوات الروسية الانفصالية غير مقبول».
في سياق متصل، أعلن مسؤولون أميركيون أن الرئيس باراك أوباما سيحث زعماء الاتحاد الأوروبي على إبقاء العقوبات المفروضة على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا خلال الاجتماع المقبل لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى.
وفي الوقت نفسه، كرر حلف «شمالي الأطلسي» اتهاماته لروسيا بمدّ المتمردين في شرق أوكرانيا بأسلحة متطورة. وكشف الأمين العام للحلف ينس شتولتنبرغ في حديث إلى الصحافيين أن لدى الحلف «معلومات دقيقة تفيد بأن روسيا موجودة في شرق أوكرانيا وأنها سلمت الانفصاليين كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتطورة». وأضاف: «هناك مدفعية وأنظمة مضادة للطائرات وأنظمة أسلحة متطورة... زوّدوا الانفصاليين بأكثر من 1000 وحدة من هذا النوع».
وشدد شتولتنبرغ على أن «على روسيا مسؤولية كبيرة (لإنهاء الصراع) لأنها تدعم الانفصاليين وتمدهم بأسلحة ثقيلة. لديها أيضا قوات في شرق أوكرانيا». كما حث طرفي الصراع على سحب أسلحتهما الثقيلة من خط الجبهة والمساعدة في تنفيذ اتفاق مينسك.
ورداً على سؤال طرحته عليه «الإذاعة النروجية أن ار كبي» إن كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشكل تهديداً للسلام، قال شتولتنبرغ: «لا نرى أي تهديد مباشر آت من الشرق لأي من دول الحلف الأطلسي». لكنه لفت إلى إعادة عسكرة روسيا بشكل كبير، قائلاً إنها باتت «للأسف أكثر عدوانية مما كانت عليه قبل بضع سنوات»، ولا تتوانى في «اللجوء إلى القوة العسكرية لتغيير الحدود في أوروبا»، مشيراً إلى القرم وأوكرانيا وجورجيا.
إلى ذلك، يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً، اليوم، يبحث فيه تجدد أعمال العنف في أوكرانيا، بناء على طلب ليتوانيا.
(الأخبار، أ ف ب)