يلحظ البنك الدولي، بالأرقام، الصعود التاريخي لاقتصادات «الدول النامية»، متوقعاً أن يزيد ناتجها الإجمالي عن ذلك «للدول المتقدمة» في العقد المقبل. كذلك، يلحظ البنك الدولي التفاوت الكبير في النمو بين اقتصادات الدول النامية، عازياً تأخر أقاليم «جنوبية» عن اللحاق بشرق آسيا إلى ضعف انخراطها في الاندماج الإقليمي و«سلاسل الإنتاج العالمية»، وأيضاً، وبالأساس، إلى ضعف معدلات الادخار لديها، وعدم تطويرها للقدرات التكنولوجية المحلية.
وشهد الاقتصاد العالمي في العقود الأربعة الماضية تحولات دراماتيكية غيرت تراتبية «شمال ــ جنوب» التي سادت لعقود من الزمن، إذ تضاعف الناتج المحلي لدول الجنوب (الدول النامية)، ليصل إلى حوالى 40% من الناتج العالمي؛ كما تضاعفت حصة دول الجنوب من التجارة العالمية لتصل إلى 51% منها، وتضاعفت حصتها من الرساميل الواردة ثلاث مرات لتصل إلى 50% من الإجمالي العالمي.
إنسرت: حصة الدول النامية 55% من الناتج العالمي في العقد المقبل
وذلك وفقاً لتقرير صدر الشهر الجاري عن البنك الدولي، بعنوان «أميركا اللاتينية والجنوب الصاعد: عالم متغير، أولويات متغيرة»، يتوقع أن تزيد حصة الدول النامية من الناتج العالمي خلال العقد المقبل عن حصة الدول المتقدمة (الشمال)، لتبلغ 55% من الناتج العالمي.
ولكن الأرقام تلك تخفي فوارق كبيرة في النمو بين مختلف دول الجنوب، يلفت اغوستو دي لا تور، كبير اقتصاديي البنك الدولي لمنطقة أميركا اللاتينية والكاريبي، عازياً الأمر إلى عوامل عدة، أبرزها عدم استفادة (مناطق جنوبية مثل) أميركا اللاتينية من منافع الاندماج الإقليمي، «ثم الاندماج مع العالم»، على غرار آسيا. وبحسب التقرير، فإن الفضل في زيادة حصة الجنوب من الصادرات الصناعية من 32% عام 2000 إلى 48% عام 2012، يعود بمعظمه إلى الصين التي زادت حصتها من الصادرات الصناعية بأكثر من 10%، بينما زادت حصة المصدرين الـ20 الأوائل، عدا الصين، بـ8% فقط في الفترة نفسها، بل انخفضت حصة بعض الدول، كالمكسيك مثلاً.
في هذا السياق، يشير التقرير إلى أن العلاقات التجارية في أميركا اللاتينية والكاريبي كانت شبيهة جداً بتلك في شرق آسيا في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت العلاقات تلك «محصورة ومرتبطة بلاعب واحد من الشمال، أي الولايات المتحدة واليابان، على التوالي». أما اليوم، فباتت شبكة التجارة في شرق آسيا «أكثر كثافة وإنتاجية بكثير، وتتقاطع مساراتها في ما بين دول المنطقة، وتمتد إلى الشمال»، بينما تظل شبكة التجارة في أميركا اللاتينية «ضيقة وتهيمن عليها الولايات المتحدة، ومن بعدها بأشواط البرازيل». ويشير التقرير أيضاً في السياق نفسه إلى ما يعتبره أفضلية لدول شرق آسيا على دول أميركا اللاتينية والكاريبي، أي مشاركتها الكثيفة بشبكات أو سلاسل الإنتاج العابرة للدول (حيث تنتج كل دولة جزءاً من السلعة النهائية، أو تقوم بمرحلة من مراحل تصنيعها)، بينما تكتفي الأخيرة بدور المصدر للمواد الأولية في منظومات الإنتاج تلك (وبالتالي تجني النزر اليسير فقط من القيمة المضافة).

«ما تعلمناه حتى الآن هو أن التجارة الدولية أو تلقي الاستثمارات الأجنبية المباشرة غير كافٍ»، يقول دي لا تور، مشيراً إلى حاجة أميركا اللاتينية والكاريبي (كغيرها من أقاليم الجنوب التي لم تحقق المعدلات المطلوبة من التنمية بعد) إلى إيجاد سبلها الخاصة لتطوير رأسمالها المادي والبشري، وتطوير قدراتها التكنولوجية المحلية، وتحسين «مناخ الأعمال». ولهذا الغرض، يوصي التقرير، إلى جانب وصفات البنك الدولي المعروفة النتائج كـ«تحرير سوق العمل» وإطلاق حرية حركة الرساميل، برفع معدلات الادخار (وبالتالي الإنتاج) وعدم نفخ سعر صرف العملة، لدعم تنافسية السلع والخدمات المنتجة؛ كما يوصي بـ«التعلم» من التجارة والاستثمار الدوليين، وذلك لبناء شبكة علاقات تجارية كفؤة مع الدول المجاورة والشريكة.