بول الأشقر
نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في البرازيل باتت محسومة سلفاً، بعدما أشارت استطلاعات إلى تصدّر الرئيس لويس ايغناسيو لولا دا سيلفا السباق إلى الرئاسة، بعدما نجح في تفادي «أخطاء» الدورة الأولى

تنطلق غداً الأحد الدورة الثانية للانتخابات في البرازيل وأيضاً الدورة الثانية لانتخابات الحاكميات في عشر ولايات برازيلية. وتدل كل استطلاعات الرأي على أن لولا سيفوز بفارق كبير على خصمه حاكم ولاية ساو باولو السابق جيرالدو ألكمين، الذي حصل على المركز الثاني في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
ولم يكن لولا مجهّزاً للدورة الثانية من الانتخابات، وكان كل رهانه أنه سيفوز من الدورة الأولى. إلا أن «الملف الفضائحي» ضد معاونيه وغيابه عن المناظرة المتلفزة عشية الدورة الأولى من الانتخابات، أوقعا حملته بشيء من الحيرة، فلم يحصل إلا على 48.5 في المئة من الأصوات، فيما حقق خصمه جيرالدو ألكمين نتيجة تخطت حتى توقعاته فحصل على 41.5 في المئة من الأصوات. وبدا للوهلة الأولى أن ألكمين، ابن عائلة مهاجرين إسبانيين من أصل عربي، قادر على إكمال المفاجأة في الدورة الثانية.
ومع بداية حملة الدورة الثانية، نُظمت أربع مناظرات بين المرشحين: في الأولى، التي شارك فيها رئيس جمهورية للمرة الأولى كمرشح، تميّز الخصم الباهت عادة بعدوانية فائقة وتحول إلى مدّع عام يسأل ولا يجيب، فيما لولا يتلقى الضربة تلو الأخرى في موضوع أوحد هو الفساد.
وفيما رأت غالبية المعلقين في تلك الليلة أن لولا خسر بالضربة القاضية، أظهرت استطلاعات الرأي بعد أيام أن المشاهدين نفروا مما عدّوه «تخطياً للحدود» من مرشح المعارضة، وبدأ الفارق يتسع.
ونجحت حملة لولا في نقل مركز اهتمام الحملة من موضوع أوحد هو الفساد و«الملف الفضائحي» إلى اهتمامات أخرى، فوصفت برنامج ألكمين بأنه غامض بشأن خصخصة القطاع العام، وهو موضوع تعترض عليه أكثرية البرازيليين، فراح ألكمين ينفي ويبرر، وهو ما نقل الحيرة إلى معسكره، وجعل أيضاً ناخبي المرشحَين اليساريين الآخرين ينتقلون لمصلحة لولا بعدما كانت مشاريع قيادتهما تستعدّ لحملهم على الاقتراع لمصلحة ألكمين.
أخيراً وليس آخراً، خرج لولا من قصره ونزل إلى الساحة وخاض الحملة الانتخابية، التي لا يتقنها أحد مثله، فيما ضاعت حملة ألكمين وراوحت مكانها، كأنه أضاع اللحظة الملائمة التي كانت تواكبه قبل أربعة أسابيع.
بعد المناظرة الأولى ونتائجها الانتخابية السلبية عليه، عاد صوت ألكمين إلى نبرته الطبيعية، فصارت المناظرة، أسوة بالمناظرات التلفزيونية، مقارنة بين رجلين ومشروعين، وهو ما سمح للولا، الأقرب إلى الناس، بشرح إنجازاته ومقارنتها مع نتائج ولايتي سلفه الرئيس فرناندو انريكي كاردوزو، الذي ينتمي وألكمين إلى حزبه.
التحوّل إلى هذا النوع من المناظرات كان كل ما يريده لولا، فعمد إلى إيقاف نزف شعبيته في استطلاعات الرأي، ثم أخذ يوسع الفارق بشكل لا يقاوم، لدرجة أن بعض أوساط حملة ألكمين استسلمت لنتيجة الصناديق حتى قبل ملئها، فيما أوساط اخرى تعد بجولة ثالثة قضائية، في اعتراف ضمني بأنها خسرت الثانية.
وتجري فجر اليوم السبت المناظرة التلفزيونية الأخيرة، التي ينظمها تلفزيون «غلوبو»، وهو مؤسسة ذات سلطة رهيبة في بلد بمساحة البرازيل.
وكرّست حملة الدورة الثانية «التي أرادوها نقمة علي فتحولت إلى نعمة لي»، كما قال الرئيس البرازيلي، دخول الطبقات الفقيرة لاعباً أساسياً في المشهد السياسي البرازيلي لا كهامش مناورة.
فقبل لولا، كانت المناطق الشمالية الشرقية والشمالية خزّان احتياط القوى اليمينية، فيما الولايات الجنوبية والجنوبية الشرقية، الأكثر حداثة في نمط إنتاجها، مركز استقطاب بين القوى اليسارية واليمينية. وكان لولا يقاسم تقليدياً الأصوات في المناطق الأكثر جنوباً ويتفوق بين الطبقات الوسطى ويخسر بين فقراء الشمال.
هذه المرة، في الدورة الأولى، كانت القصة معكوسة، إذ فاز لولا بكل ولايات الشمال والشمال الشرقي، التي تحوّلت إليها أولويات السياسات العامة بسبب الغبن التي عانته تقليدياً، وخسر في الوسط الزراعي وفي الجنوب وفي ساو باولو، أكبر تجمع سكاني جنوب شرق البرازيل.
وإذ نال أكثرية كاسحة بين الفقراء للمرة الأولى بعدما ذاقوا فوائد ولايته، خسر هيمنته التقليدية على الطبقات الوسطى وخسر كالعادة في قمة الهرم.
الفارق بين هذه الانتخابات، وكل التي سبقتها، أن الناخبين الفقراء صاروا يقوّمونها وفق مصالحهم الطبقية، وهو ما قد يعد بحصول تغييرات أساسية في طبيعة جميع الأحزاب من الآن وصاعداً.
من جهة أخرى، تدل التغييرات التي حصلت بعد انتهاء الجولة الأولى، على أن لولا استعاد تقدّمه بين الطبقات الوسطى، وقلّص الفارق بين الطبقات الميسورة.
وبعد الدورة الأولى، خرجت البرازيل مقسومة بين الجنوب المتقدم والشمال المتخلف، وأيضاً بين الفقراء والطبقات الوسطى. وستكون الدورة الثانية فرصة لتخطّي هذا الانقسام مع فارق أساسي: للمرة الأولى في تاريخ البرازيل، بما فيه خلال انتخاب لولا قبل أربع سنوات، ستلتحق الطبقات الوسطى في الدورة الثانية بنغمة الفقراء، فيما كانت القاعدة حتى اليوم العكس: الطبقات الوسطى تحدد النغمة، والفقراء يرقصون عليها.

البرازيل تغيّرت بعد دورتين انتخابيتين

صورة الدورة الأولى أظهرت البرازيل منقسمة إلى بلدين: يفوز لولا في شمال شرق البرازيل والشمال إضافة إلى ولايتي ريو دي جانيرو وميناس جيرايس. يفوز الكمين في الوسط والجنوب إضافة إلى سان بولو، أكبر تجمع سكاني حيث تقدم ألكمين بحوالي أربعة ملايين من الأصوات... في الدورة الثانية، قد يفوز لولا في بعض ولايات الوسط بعد أن إستعاد تفوقه بين الطبقات الوسطى الفقيرة وعادل خصمه بين الطبقات الوسطى الغنية. أما ألكمين، فيحافظ على تقدمه في سان بولو وعلى الأرجح في ولايات الجنوب الثلاث في أسفل الخريطة...