خلال أيّام، ستقدّم روسيا، في الساحة الحمراء وفي حضور عددٍ كبير من رؤساء الدول، أكبر عرضٍ عسكري تقيمه منذ عقود، وأهمّ استعراضٍ علني للقوة منذ أيام الحرب الباردة. هذه السنة، وفي ذكرى الانتصار على النازية، سيكون لروسيا الكثير لتريه للعالم: أجيال جديدة من الدبابات والمدرعات والمدفعية، طائرات خفية، وصواريخ استراتيجية؛ أغلبها لم يسدل الستار عنه بعد وظلّ، الى أيامٍ قليلة، رهناً بتكهنات المحللين والمعلومات الشحيحة التي سربتها القيادة الروسية.
الّا انّه، وفي سياق التحضير للاستعراض العسكري، استدعت روسيا العشرات من العربات الجديدة للتمرين على السير في الساحة الحمراء. ظهور هذه المعدات في الشوارع سمح بخروج عددٍ كبير من الصور عالية الدقة للجيل الجديد من المدرّعات الروسية، التي يتعرّف الجمهور العالمي إليها للمرّة الأولى عن قرب.
أصرّ الجيش الروسي على تغطية أبراج الدبابات والمدافع، لحجب مجساتها الحساسة وملامحها الكاملة حتّى يوم العرض، في 9 أيار؛ ولكن الصور المتوافرة تسمح لنا بإلقاء نظرة «من خلف الكواليس» على أهم عناصر جيش البر الروسي الجديد.


«الأرماتا»

على عكس ما يعتقد الكثيرون، «الارماتا» هي ليست الدبابة المستقبلية للجيش الروسي فحسب، بل هي – كأخوتها الأصغر حجماً الذين سنعرضهم أدناه – عبارة عن «منصة قتال» متعددة الاستعمالات، يمكن لها أن تجهّز كدبابة أو كناقلة جند أو كمدفع ذاتي الحركة، الخ... والارماتا ستكون، ضمن هذه المنظومة، «منصة القتال الثقيلة» بوزنٍ يفوق الخمسين طناً ومحرّك بقوة 1500 حصان. لحسن الحظّ، لن يكتفي الجيش الروسي بعرض نموذج الأرماتا - الدبابة (يُرمز لها باسم تي-14)، بل سيقدّمها أيضاً بنسخة ناقلة الجند الثقيلة (تي-15- الصورة) التي قد تكون، حالياً، أحصن ناقلات الجند في العالم وأكثرها تدريعاً. تُظهر صور «الأرماتا» موقع السائق والقائد فيها، ولهما كوّتان أمام البرج في كبسولة مدرّعة، معزولة عن الذخيرة والوقود (على عكس الدبابات الروسية السابقة)، فيما البرج أوتوماتيكي بالكامل وغير مأهول. مقدار التدريع الذي تتمتّع به «الأرماتا» يبدو جليّاً من حجم وثخن القوس الأمامي، الذي يحمي الطاقم من الضربات المباشرة. الا أن «الأرماتا» لا تحمي طاقمها عبر التدريع فحسب، بل هي تعتمد أيضاً على طبقات عدة من وسائط الحماية «النشطة» (أي تلك التي تمنع الصاروخ من الوصول الى الدبابة، إما عبر التشويش عليه أو تدميره وهو في طريقه الى الهدف) التي كان الروس السباقون الى تطويرها منذ السبعينيات. اضافة الى نظام «شتورا» الذي يقوم برصد أجهزة التصويب اللايزرية والبصرية والتشويش عليها، ستجهّز الدبابة ايضاً بنظام «افغانيت» الجديد، الذي يستعمل راداراً لكشف القواذف التي تتجه صوب الدبابة، واعتراضها وتدميرها وهي في الجوّ. يُقال أيضاً إن الدبابة ستكون الأولى في العالم التي يمكن، عند الضرورة، تشغيلها عبر طاقمٍ من اثنين فقط، السائق والقائد؛ اذ أن أنظمة التوجيه الحديثة، حيث تجرى كل الحسابات على الكمبيوتر وبشكل فوري، تسمح بالاستغناء عن الرامي، الذي يمكن أن يحلّ القائد مكانه (طالما أن التصويب أصبح ببساطة أن تعيّن هدفاً وتضغط على الزر)؛ هذا بعد أن كان الملقّم الآلي قد ألغى (منذ أيام التي-72) مركز الملقّم.

مدفع 2S35 «كواليتسيا»

سيستبدل المدفع الجديد ذاتي الحركة مدفع الـ«ميستا» الكلاسيكي في فئة الـ152 ملم. الـ»ميستا» كان يقام على شاسيه دبابة ت-80، أمّا الكواليتسيا، فهو سيبنى على شاسيه «أرماتا»، ومع برجٍ جديدٍ بالكامل.
الـ«كواليتسيا» صمّم لجيلٍ جديد من الحرب المدفعية، حيث التركيز هو ليس على الاشباع الناري أو ضرب منطقة الهدف بعددٍ كبير من القذائف املاً بإحراز اصابات. الـ«كواليتسيا» يخرج الى الانتاج مع جيلٍ جديد من القذائف المدفعية، أشهرها الـ«كراسنوبول» مصمّمة لتحقيق إصابات دقيقة ونقطوية عن مسافات بعيدة.
قذيفة الـ«كراسنوبول» يتمّ توجيهها عبر عنصر استطلاع، يحمل محدداً ليزرياً ويصوبه على الهدف المراد، فيلتقط الرأس الباحث للقذيفة الشعاع اللايزري وهو في الجوّ، ويوجّه نفسه الى مصدره، أي الهدف الذي يسلّط عليه الشعاع. سيكون هناك، اضافة الى قذائف الـ«كراسنوبول» باهظة الثمن، جيل من القذائف التي تصحح مسارها أوتوماتيكياً ما يزيد دقّتها الى حدّ كبير وإن بمستوى أقلّ من الـ«كراسنوبول» (القادرة على ضرب هدفٍ متحرّك مثلاً).
في ميدان المعركة المستقبلي، يحتاج المدفع الى وتيرة نارية عالية لضرب عددٍ كبير من الأهداف المتوافرة في أقصر وقت ومن مسافة آمنة (الـ«كواليتسيا» قادر على رمي قذائفه العادية الى مدى 48 كيلومتراً، امّا تلك المجهّزة بدفع صاروخي، فمداها يفوق الـ70 كيلومتراً). وقد ظهرت النماذج الأولى للمدفع مع سبطانة مزدوجة، لأجل زيادة وتيرة النيران، ولكن ألغيت الفكرة لتعقيدها واعتماد سبطانة واحدة. ومن أهم ميزات المدفع الجديد أنّه لن يستعمل حشوات دافعة ذات حجمٍ واحد لقذائفه، بل يقوم جهاز التلقيم – أوتوماتيكياً – بحساب مسافة الهدف و»قصّ» الحشوة الدافعة الى الحجم اللازم قبل ايداعها السبطانة، خلف القذيفة.

الكورغانتس

أجمل العربات التي ظهرت في شوارع موسكو أخيراً قد تكون مدرّعة الـ«كورغانتس»، الأخ المتوسّط للـ«أرماتا»، والتي سيُعرَض منها أيضاً نموذجان: ناقلة جند وعربة مدرعة مقاتلة.
تصميمياً، تتابع الـ«كورغانتس» مسيرة سابقاتها، مدرّعات البي أم بي، باعتماد هيكلٍ منخفضٍ قدر الإمكان، حتى يشكّل هدفاً صغيراً وصعباً للعدوّ عن بعد. وسطح المدرّعة أملسٌ ومستقيم بحيث لا يمكن ضربها، من الأمام، الا في قوسها الجبهي، وهو أكثف نقاط المصفحة تدريعاً وحماية. جوانب الـ«كورغانتس» تغطيها، على الطريقة الحديثة، الدروع الاضافية التي تصمّم مع مساحات فراغ بين طبقاتها، لتشتيت النفاث (أو قذيفة اليورانيوم) قبل أن يصطدم بالدرع الأساسي للمدرّعة، وهو مكوّن من خليط سرّيّ من المعادن والمواد المركّبة، صمّمه العلماء الروس خصيصاً لتجهيز الجيل الجديد من المدرّعات.
في الـ«كورغانتس» يوضع المحرّك في مقدّمة المدرّعة (وهو تعديلٌ أُدخل أيضاً على النسخة الناقلة للجند من الـ«ارماتا») لمزيدٍ من حماية الطاقم. فيما يجلس أغلب الجنود تحت البرج، وهو ايضاً أوتوماتيكي وغير مأهول، ويدخلون ويخرجون من بابٍ خلفيّ.
الميزة الأساس في تصميم الـ «كورغانتس» هي في القدرة على انتاج مدرّعة متوسّطة، ذات حماية عالية بمقاييس الحرب الحديثة، وتشكيلة واسعة من الأسلحة، مع ابقاء وزنها دون الثلاثين طنّاً – وهو تحدٍّ لم تتجاوزه صناعة السلاح في الغرب بعد، ويعدّ من الأسباب التي منعت انتخاب تصاميم للجيل الثالث من الدبابات والمصفحات في اميركا.

الـ«بومرانغ»

الـ»بومرانغ» هي العربة المدولبة التي ستستعملها قوات المظليين والانزال والتدخل السريع، وبعض التشكيلات الخاصة في الجيش الروسي، وهي مصممة كي يُتاح نقلها في أصغر طائرات الشحن، وليتمّ انزالها – بسهولة نسبياَ – بالمظلات من الجو لدعم وحدات الانزال.
لا يوجد في العالم، اليوم، عربة خفيفة بتدريع الـ»بومرانغ» وتسليحها؛ وهي استفادت من تطوير الـ»ارماتا» عبر استيراد الأنظمة البصرية والتكنولوجية نفسها (كأنظمة الحماية، والبرج الآلي، ونظام الكاميرات الذي يسمح برؤية كاملة في كل الاتجاهات للطاقم من داخل المدرّعة).
ولأنّ الـ»بومرانغ»، كـ»الارماتا» والـ»كورغانتس» هي «منصة قتال» مطواعة، فإنها تسمح للمظليين الروس لأوّل مرّة بأن ترافقهم – عبر الوسائط اللوجستية نفسها – عربات دفاع جوي، وقانصات دبابات، ومدافع هاون، الى جانب ناقلات الجنود، مبنية كلّها على شاسيه الـ»بومرانغ» الموحّد.


الكورنت - د

من الأنظمة التي أبقاها الرّوس مغطّاة خلال تمارين العرض العسكري كان النسخة الجديدة من الكورنت، الكورنت-د، وهو محمولٌ على عربات «تيغر» (المقابل الروسي للـ«هامفي»).
المنظومة الجديدة لا يمكن الاستهانة بها، وهي مؤشر على نوعية التسليح الذي ستحظى به مدرعات الـ«كورغانتس» وغيرها. فمدى الصاروخ يبلغ عشرة كيلومترات، ورأسه الحربي قادر على اختراق ما يوازي المتر وثلث المتر من الصلّب، أي ما يجعله قادراً على تدمير أي دبابة في العالم أينما أصابها. الكورنت-د يعمل ضمن منظومة متكاملة، قادرة على توجيه صاروخين في الوقت نفسه، ومن دون تدخّل من المشغّل البشري. بمعنى آخر، يمكن اطلاق صاروخين متتابعين على الهدف لابطال مفعول وسائل الدفاع «النشطة» التي بدأت تنتشر في العالم (أغلب هذه الأنظمة يحتاج الى فترة زمنية بين اعتراض وآخر)، أو لضرب عددٍ كبير من الأهداف في وقتٍ قصير. واذا اخذنا في الاعتبار أن المنظومة، على عربة «تيغر»، تحوي 16 صاروخاً، نفهم القوة النارية التي يمنحها هكذا سلاح، ولو على «جيب» روسي صغير.





في انتظار الاستعراض

حين تُعرض هذه «الألعاب» بكامل حلّتها، في التاسع من أيار، سيُكشف المزيد. سنرى الرادار الذي هو محور نظام الـ«ارماتا» الدفاعي (يُقال انه يستعمل العناصر نفسها لرادار المقاتلة الروسية الشبح، باك-فا)، سنكتشف الأبراج الآلية الجديدة لمختلف المدرّعات والأسلحة التي تحويها، سنرى مدفع الـ125 ملم الجديد للـ«ارماتا» (وهي سيكون فعلاً مدفع 125 ملم؟)، وقد تكون هناك مفاجآت لا نعرفها بعد.
القادة الروس يعرضون هذه الأسلحة في الساحة الحمراء، في رسالة الى أكثر من متلقٍّ. يقولون لشعبهم شيئاً، ولأعدائهم شيئاً، وللعالم انّهم قد «عادوا»، ويعطون الرّهاب الغربي من الروس أسماءً جديدة، مناسبة، لتستبدل رموز الحرب الباردة، أبرزها سيكون «الارماتا». هم ايضاً، وهذا قد يكون أهم، يقيمون معرضاً للسلاح في الهواء الطلق، ليقولوا لكلّ مستوردي السلاح في العالم، من الممالك النفطية الى الصين والهند، أنّ لديهم ما قد يثير اهتمامهم.