السلطات التركية عازمة على قمع التحركات العمالية. فقد استبقت محافظة إسطنبول يوم أمس التظاهرات المقرر إجراؤها في ميدان «تقسيم» اليوم في ذكرى «يوم العمل والتضامن» (عيد العمال) بقرار بالمنع، بحجة عدم ملاءمة المكان لهذا النوع من النشاطات، وإشغال فعاليات لأحزاب تركية سائر الساحات الكبرى في إسطنبول؛ كذلك نُشر 10 آلاف شرطي على الأقل في المدينة، وسيوقَف خط قطارات المترو المؤدي إلى ساحة تقسيم التي نُصبت فيها الحواجز الحديدية، وذلك تحسباً لاندلاع اشتباكات مع المتظاهرين اليوم، فيما أكدت النقابات وناشطون أنهم يعتزمون الخروج الى الشوارع، في تحدٍّ للقيود المفروضة.
«لن نتهاون مع أي شخص يسعى إلى استغلال ذكرى مواطنينا الذين قُتلوا في (تظاهرات) 1 أيار 1977 لدفع البلاد الى الفوضى، ومع من يريدون التسبب بالعنف بالقنابل الحارقة»، قال رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو، محذراً النقابات والنشطاء من "التورط في لعبة الجماعات الهامشية ومجموعات إثارة الاضطرابات". وكان قد أُصيب نحو 90 شخصاً بجروح واعتقل 142 آخرون في اشتباكات الاول من أيار من العام الماضي في اسطنبول؛ وتأتي التظاهرات التي تستعد النقابات لإجرائها اليوم بعد شهرين فقط من إقرار البرلمان مشروع قانون يطلق يد الشرطة في قمع المتظاهرين.
وكانت محافظة اسطنبول قد أعلنت في بيان أصدرته يوم أمس منعها للتظاهرات وسط المدينة، قائلة إنّ من غير المناسب إقامة احتفالات في ساحة «تقسيم» والمناطق المحيطة به، بسبب الأعداد الكبيرة من المارة والسيارات التي تستخدمه، وكونه مكان جذب سياحي، ما يجعل من الصعب إخلاء الميدان من المتظاهرين والمارة في حال خروج التظاهرات أو التجمعات عن السيطرة، بحسب البيان. وأشارت المحافظة في بيانها إلى أنه في الوقت الذي تكفل فيه المادة 34 من الدستور التركي، والمادة 11 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، حق التجمع والتظاهر للجميع، فإنهما يتضمنان أيضاً عدداً من الشروط والإجراءات التي يفصلها القانون التركي رقم 2911. وأضاف البيان أنه استناداً إلى القانون المذكور، حُدِّدت 8 أماكن في اسطنبول يمكن فيها ممارسة حق التجمع والتظاهر. وفي هذا الإطار، ضمن احتفالات عيد العمال، خُصِّص ميدان الجمهورية في منطقة بكركوي بالقسم الأوروبي من اسطنبول لفاعليات حزب "وطن" في إسطنبول، ومنطقة "يني صالى بازارى" في قاضي كوي بالقسم الآسيوي من المدينة لفاعليات نقابة الموظفين المدنيين. وبالتالي، يبقى ميدان تقسيم «غير المناسب للتجمعات والتظاهرات التي تشارك فيها أعداد كبيرة من الأشخاص»، ما يعني أنّ على الاتحادات والنقابات والأحزاب السياسية والغرف المهنية الاكتفاء بوضع أكاليل ورود في الميدان والإدلاء ببيانات صحافية في إطار فعاليات «بمشاركة رمزية»!
وفي سياق متصل، أكد مجلس الأمن القومي التركي استمرار السلطات بالتصدي لما يُعرف بـ«الكيان الموازي»، أي شبكة أنصار فتح الله غولن المتغلغلة في أجهزة الدولة، وذلك عقب انتهاء اجتماعه مساء أول من أمس، الذي ترأسه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. وبحسب البيان الرسمي، تناول الاجتماع جهود مكافحة «الكيانات غير القانونية والهياكل الموازية، وآخر التطورات (الأمنية)... وشدد على عزم الدولة على مواصلة مكافحة هذه الكيانات بكافة الطرق». وتناول الاجتماع «التطورات المتعلقة بمسيرة السلام الداخلي الرامية إلى إنهاء الإرهاب وتسوية القضية الكردية»، فضلاً عن التدابير المنوي اتخاذها لتأمين الانتخابات النيابية التي من المنتظر أن تجري في شهر حزيران المقبل. وبحسب البيان، "تناول المجتمعون بشكل مفصل تداعيات التهديدات الناجمة عن الأزمتين السورية والعراقية، على استقرار كل من تركيا والمنطقة وأمنهما". وحول القرارات التي صدرت أخيراً عن البرلمان الأوروبي وبعض البلدان الأوروبية، التي دعمت الموقف الأرميني من أحداث عام 1915، قال البيان إن "المجلس يرى أن كل هذه القرارات والتصريحات التي أدلى بها رؤساء العديد من الدول حول تلك الأحداث، في حكم العدم بالنسبة إلى تركيا، وذلك لمغالطتها الحقائق التاريخية، ولأنها تحمل صبغة سياسية".

(أ ف ب، الأناضول)