«إن لم نضع نحن القواعد في ذلك الإقليم (شرق آسيا)، فستفعل ذلك الصين»، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما لصحيفة «وول ستريت جورنال» بداية الأسبوع، في حديث تناول زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للولايات المتحدة، حيث اتُّفق على التخفيف من القيود المفروضة أميركياً على القوات العسكرية اليابانية بقصد وضعها في مواجهة الصين، وإعطاء الدفع للمشروع الأميركي للتجارة الحرة، «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، المنافس لمشاريع الصين الاقتصادية لربط اقتصادات شرق آسيا بعضها ببعض وبـ"طريق الحرير الجديدة" التي تنشئ «حزاماً اقتصادياً واحداً» من الشرق الأقصى إلى أوروبا.
لم يبذل الأميركيون كبير الجهد لتمويه حقيقة مشاريعهم لتطويق الصين عسكرياً واقتصادياً، وبدت «التطمينات» في المؤتمر الصحفي المشترك لأوباما وآبي يوم الأول من أمس أشبه بورقة التين التي بالكاد تغطي النيات الأميركية الحقيقية. «يجب ألا يُنظر إلى حلف أميركي-ياباني قوي كاستفزاز (للصين خصوصاً)»، قال أوباما، مضيفاً أن «الصعود الصيني السلمي مرحب به»!
وفي الوقت نفسه، اتهم أوباما الصين "بعرض عضلاتها" لتعزيز مطالبتها بحقها في السيادة على مناطق بحرية، في مواجهة اليابان والفيليبين وفييتنام، مؤكداً لرئيس الوزراء الياباني «التزام الولايات المتحدة المطلق أمن اليابان»، بما يشمل جزر «سينكاكو» المتنازع عليها مع الصين. وأعلن الجانبان تحقيق تقدم مهم على طريق توقيع اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، رغم الفشل في وضع اللمسات النهائية عليها (بسبب الخلاف القائم حوله في الكونغرس الأميركي)؛ وقال أوباما، "رئيس الوزراء آبي ملتزم بقوة، مثلي، بإنجاز (الاتفاق)، وأنا واثق من أننا سنُنجزه".
وحاول أوباما وآبي ألا يظهرا كمعاديين لمشاريع الصين الاقتصادية، فقالا إنهما لا يعارضان البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية الذي أنشأته الصين، لكنهما شددا على أن البنك يحتاج «للمعايير العالية وللشفافية». «آسيا تحتاج للبنى التحتية... إلى درجة أن الصين تريد أن توظف رأس المال بمشاريع التنمية حول الإقليم؛ وهذا أمر إيجابي»، قال أوباما، مضيفاً أن «مؤسسة تمويل متعددة الأطراف تحتاج لخطوط توجيهية لعملها».
لكن لا يمكن النقد الهادئ هذا أن يخفي الهستيريا التي انتابت الإدارة الأميركية في تعاملها مع البنك المذكور، والذي بدأ بالسعي المحموم لإقناع الدول بعدم الانضمام إلى البنك. وكانت الذروة العلنية للهستيريا الأميركية تحذير وزير الدفاع آشتون كارتر مطلع الشهر الحالي بأن «الوقت ينفد... نحن نرى منذ الآن دولاً في الإقليم (شرق آسيا) تحاول (ابتلاع) هذه الأسواق». ربط كارتر على نحو مباشر وصريح بين توقيع اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ» المنافِسة للمشاريع الاقتصادية الصينية بـ«الأمن القومي» للولايات المتحدة، قائلاً إن فشل الولايات المتحدة بتنفيذ مشروعها لـ«التجارة الحرة» مع الإقليم «يخرجنا من اللعبة»، وأن المشروع «بالنسبة إلي بأهمية حاملة طائرات أخرى»! وفي مقابلته مع «وول ستريت جورنال» الاثنين الماضي، أدلى أوباما بكلام مشابه، فحذر من أن عدم إقرار اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ سيُخرج أميركا من الأسواق، ويسبب خسارة الأميركيين للوظائف، قائلاً إن «ما لا يمكننا فعله هو الانسحاب»!
ورغم حاجة الولايات المتحدة الماسّة لليابان في مساعيها لتطويق الصين والحفاظ على نفوذها في شرق آسيا، أصرت الإدارة الأميركية على إذلال آبي (واليابان) خلال «تكريمه» بمنحه امتياز إلقاء خطاب أمام الكونغرس، حيث وقف آبي يوم أمس ليقول: «باسم اليابان والشعب الياباني، أقدم، باحترام عميق، التعازي الحارة لأرواح كل أولئك الأميركيين الذين قضوا خلال الحرب العالمية الثانية»، بعد أن كان قد وضع إكليلاً من الزهر على النصب التذكاري للقتلى الأميركيين في تلك الحرب. ورغم أن الولايات المتحدة كانت قد ارتكبت حينها إبادة غير مسبوقة في التاريخ لسكان كبرى المدن اليابانية، هيروشيما وناغازاكي، بتدميرهما وإحراق كل من فيهما بالقنابل الذرية، لم يُرض اعتذار آبي (وعدم تطرقه لما تعرض له الشعب الياباني من إبادة) بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، الذين رأى أحدهم أنّ من «الصادم والمخزي» أن آبي «يستمر بتجنب تحمل حكومته المسؤولية عن الفظاعات الممنهجة التي ارتكبها الجيش الإمبراطوري الياباني» في حينه!

(الأخبار، رويترز، أ ف ب)