سادت حالة من التوتر مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند الأميركية شرقي البلاد، بعد مواجهات عنيفة بين شرطة مكافحة الشغب وعدد من المتظاهرين، خلال احتجاجات اندلعت على خلفية وفاة الشاب الأسود فريدي غراي (25 عاماً)، بينما كان محتجزاً لدى الشرطة. أحداث أدت إلى إعلان حاكم ميرلاند حالة الطوارئ وإرسال الحرس الوطني، وفرض حظر تجوال في المدينة ــ التي تقطنها غالبية من السود ــ اعتباراً من مساء أمس.وفق الرواية الرسمية، فقد اعتُقل غراي، في 12 نيسان، بعد مطاردة على الأقدام من قبل الشرطة، ثم نقل إلى مركز الشرطة في سيارة فان، من دون حزام أمان، ما أدى إلى إصابته في الحبل الشوكي، ووفاته بعد ذلك، بأسبوع.

اشتعلت بالتيمور، أول من أمس، غضباً على مقتل غراي. أعمال الشغب تفجرت على مسافة غير بعيدة من موقع جنازته، لتمتد إلى مناطق كثيرة في غرب بالتيمور، ولتتحول بعدها مظاهر الاحتجاج الغاضبة إلى أعمال عنف ونهب للمتاجر وإحراق للمباني، كانت حصيلتها اعتقال الشرطة أكثر من 200 شخص، وإغلاق المدارس، وتوقف الأعمال ومحطات القطارات في المدينة التي يقطنها 620 ألفاً، والواقعة على بعد 64 كيلومتراً من العاصمة، فيما أصيب ستة ضباط بجروح بالغة إثر رمي الحجارة عليهم من قبل المحتجين.
رغم الأحداث المتتالية التي شهدتها عدة مدن أميركية، إلا أن ما حصل في بالتيمور هو الأعنف في سياق الاحتجاجات ضد معاملة الشرطة للأميركيين من أصل أفريقي، منذ اندلاع حرائق وإطلاق نار في فيرغسون في ميزوري، العام الماضي.
لكن مقتل غراي يبقى جزءاً من لوحة قاتمة يغطيها الإحباط، حيث خط الأحداث العرضية يبدو مثيراً للتساؤلات على نحو متزايد. منذ مقتل ترايفون مارتين في سانفورد ـ فلوريدا، قبل ثلاث سنوات، توجّه اهتمام الرأي العام مباشرة إلى هذه المآسي، خصوصاً إذا ما التُفت إلى حوادث أخرى حصلت في جاكسونفيل ـ فلوريدا، حيث قتل جوردن دايفس، في فرغيسون حيث قتل مايكل براون، العام الماضي، في كليفلاند ـ أوهايو حيث قتل الطفل تامير رايس، وأيضاً في شيكاغو مكان مقتل ريكيا بويد، إضافة إلى نيويورك حيث قتلت الشرطة إريك غارنر، وساوث كارولينا حيث قتل والتر سكوت.
أحداث تتكرر على نحو مرعب، فمثلاً الطفل رايس الذي لم يتعدّ عمره 12 عاماً، كان يلعب بلعبة مسدس في حديقة عامة، عندما أطلق عليه شرطي النار، أما بويد فخطأها أنها كانت موجودة في المكان ذاته حيث أطلقت الشرطة النار على رجل غير مسلّح. أضف إلى ذلك، أن أسباب ملاحقة فريدي غراي الذي توفي في الحادث الأخير في بالتيمور، لا تزال غير واضحة.
المسؤولون حاولوا تجنّب أعمال الاحتجاج الأخيرة من خلال إيقاف ستة من رجال الشرطة عن العمل. كذلك، فتحت وزارة العدل الأميركية تحقيقاً في الواقعة، لبحث أي انتهاكات محتملة للحقوق المدنية.
ولكن بعد أيام من الاحتجاجات السلمية، تحوّلت الأحداث إلى العنف يوم الاثنين، الأمر الذي أدى إلى وصف رئيسة بلدية بالتيمور ستيفاني رولينغز بليك، المشاغبين بأنهم «قطاع طرق»، مضيفة أن ليس لهم أي علاقة بالاحتجاجات.
من جهتها، أدانت وزيرة العدل لوريتا لينش أحداث العنف، موضحة أن الوزارة ستقدم أي مساعدة مطلوبة.
وقالت لينش، التي كانت تتحدث بعد ساعات من أدائها اليمين: «إنني أدين أعمال العنف الحمقاء من بعض الأفراد في بالتيمور والتي نتج منها إلحاق الأذى بسلطات إنفاذ القانون وتدمير ممتلكات وتقويض السلام في مدينة بالتيمور».
كذلك أضافت في بيان: «سأضع كل موارد وزارة العدل لدعم الجهود لحماية أولئك الذين يتعرضون للتهديد والتحقيق في المخالفات وتأمين نهاية للعنف».
لكن في ظل هذه التصريحات وغيرها، وفي الوقت الذي قامت فيه معظم وسائل الإعلام بتسليط الضوء على السرقات التي قام بها المحتجون وتكسير السيارات وواجهات المحلات، التفتت وسائل إعلامية أخرى إلى جانب آخر من الأحداث، آخذة في الاعتبار الأسباب التي أدت إليها.
دان دايموند لخص هذا الأمر في مجلة «فوربس» بالقول إن الحياة في بالتيمور هي «قصة مدينتين». استناداً إلى سكنه هناك، أشار دايموند إلى أن المدينة الأولى هي «الساحرة، التي تمتد على طول الشوارع حيث تصطف الأشجار قرب جامعة جونز هوبكنز، ومتحف الفن، والمدارس الخاصة»، مضيفاً أن «في هذا الجزء من المدينة، لم نجرؤ فقط على الحلم، ولكن كنا نؤمن بأننا يمكن أن نحقق هذه الأحلام».
«فريدي غراي مات في المدينة الأخرى»، قال دايموند، فهناك «نحو ربع السكان يعيش تحت خط الفقر... حيث نسبة البطالة في عام 2011 وصلت إلى 19.1 في المئة». علاوة على ذلك، وفق دايموند، فإن «أقل من 60 في المئة من طلاب المدارس الثانوية يتخرجون».
الإهمال يظهر، بشكل صارخ، في الإحصائيات المتعلقة بالنظام الصحي في بالتيمور. فبحسب دان دايموند «الأطفال السود في في المدينة، معرّضون 9 مرات أكثر للموت، قبل عمر السنة، من الأطفال البيض. كذلك حالات الإصابة بمرض الإيدز موجودة خمس مرات أكثر في المجتمع الأميركي من أصول أفريقية».
وما يُسهم في إبراز عدم المساواة، بشكل جلي، هو إذا ما أُخذ في الاعتبار، أن أفضل الأنظمة الصحية في العالم ــ مركز جونز هوبكنز الطبي ــ موجود في بالتيمور. «رغم ذلك، إن نسبة وفيات الأطفال في المدينة تساوي تلك في مولدوفا وبيليز».
(الأخبار، رويترز)