شكّل رفع روسيا الحظر عن بيع منظومات الدفاع الجوي «أس 300» لإيران، منذ يومين، سيلاً من ردود الفعل، في ظلّ أجواء سياسية واستراتيجية متوترة حول العالم.محللون رأوا أن إعلان موسكو هذا يشكّل رسالةً تجاريةً وسياسيةً متعددة الأوجه، موجّهة إلى طهران والغربيين على حدّ سواء، خاصةً أن القرار الروسي أثار انتقادات وتساؤلات في المنطقة التي تشهد أزمات متشابكة ترتبط فيها إيران وسوريا والعراق واليمن، وتتزامن مع دخول المفاوضات حول الملف النووي الإيراني مرحلتها النهائية.

وكانت إسرائيل أبرز المندّدين بالإعلان الروسي، عبّرت عن قلقها بأن تزويد إيران بالمنظومة الدفاعية «سيزيد من عدوانيتها ويقوّض الأمن في الشرق الأوسط»، فيما انتقدت الولايات المتحدة القرار ورأت أنه «غير بنّاء» لموسكو. ولكن «الإعلان عن رفع الحظر على تسليم الشحنة يختلف عن تسليمها فعلياً»، بحسب المحلل في القضايا الجيوسياسية الدولية فرنسوا هايسبورغ، خاصة مع عدم تحديد موسكو موعداً لتسليم هذه الصواريخ وتأكيدها أنها بحاجة إلى ستة أشهر على الأقلّ لإنجاز إنتاجها.
وأضاف أن العلاقات الروسية الإيرانية «معقدة»، وهما «ليسا بلدين يتبادلان الثقة بشكل طبيعي وعفوي».
إعلان روسيا يسمح لها بتأمين موقع في السوق الإيراني

ولعبت قضية الصواريخ «أس300» دوراً سلبياً في العلاقات الروسية ـ الإيرانية منذ عام 2010، أي تاريخ حظر موسكو تسليمها المنظومة لطهران تطبيقاً لقرار الأمم المتحدة الذي فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي. وطالبت طهران حينها موسكو بتعويضات مالية قدرها 4 مليارات دولار بسبب فسخ موسكو للعقد الموقّع بينهما عام 2007.
وقال هايسبورغ إن «قصة هذه الصواريخ، أس300، تشبه إلى حدّ ما قضية ميسترال»، في إشارة إلى السفينتين الحربيتين الفرنسيتين اللتين تم بيعهما لموسكو، وعلقت باريس تسليمهما بسبب النزاع الأوكراني.
وأكد الباحث نفسه، الذي يعمل مستشاراً في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، أنه «موضوع ساخن، والروس يبحثون عن باب للخروج».
ومن حيث الأهمية التجارية، يسمح هذا الإعلان لروسيا، التي تقوم بإنشاء المفاعل النووي الإيراني الوحيد في بوشهر، بتأمين موقع لها في السوق الإيراني، خاصةً مع وجود احتمال انفتاح إيران تجارياً بعد توقيع الاتفاق النهائي حول البرنامج النووي. وفي هذا السياق، كانت روسيا قد سارعت إلى الإعلان أنها ستزوّد إيران بالحبوب والمعدات ومواد البناء في مقابل إمدادات من النفط الخام، وذلك في إطار اتفاق مقايضة بين البلدين، ما يعزّز أمل روسيا في الاستفادة من رفع العقوبات لتحسين علاقتها بإيران، وشرعت موسكو بالفعل في مقايضة النفط بالغذاء.
لكن بمعزل عن الجانب التجاري، تحمل هذه المنظومات التي تعادل صواريخ باتريوت الأميركية القادرة على إسقاط طائرات واعتراض صواريخ، رسائل سياسية واستراتيجية، لأنها تجعل «المعتدين المحتملين يفكرون»، بحسب المحلل الروسي اندري باكليتسكي من المركز الفكري بير، كما تؤمن «مساواةً في الفرص» بين إيران والقوى الإقليمية الأخرى الأفضل تجهيزاً، خاصة السعودية ومصر وإسرائيل، في ظلّ التوتّر في اليمن.
ويأتي الإعلان عن تسليم «أس 300» بشكل متوافق مع المصالح الإيرانية التي رأت أنه سيشكّل «مؤشراً إلى استقرار المنطقة»، خاصة أن إسرائيل، المعارضة لأي تسوية مع إيران بشأن ملفها النووي، لم تتوان عن التأكيد أن الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية لا يزال مطروحاً.
وأوضح اندري باكليتسكي أن نماذج الصواريخ التي يمكن أن تسلم إلى إيران «قديمة لكنها فعالة بدرجة كافية لحماية المواقع الإيرانية، وخصوصاً النووية، من ضربات جوية محتملة».
كذلك يمكن أن يشكّل الإعلان الروسي عامل تشجيع لإيران لاستكمال المفاوضات مع الدول الكبرى للتوصل إلى الاتفاق النهائي حول ملفها النووي بحلول 30 حزيران المقبل.
وقال جيريمي بيني إن إمكانية تسليم صواريخ «أس300»، «جزرة لتشجيع الإيرانيين على استكمال الاتفاق».
بدوره، رأى هايسبورغ أن «هدف الروس في الحياة ليس خدمة الغربيين ولا رؤية إيران تمتلك قنبلة ذرية».
(أ ف ب)