أنقرة ــ طهران | تكتسب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإيران، أهمية بالغة، على كافة الصعد التي ترسم شكل العلاقة بين البلدين. ولكنها تأتي، حالياً، بعد الانتقادات العنيفة التي وجهها هذا الأخير إلى طهران، متهماً إياها بالتدخل السافر في اليمن وسوريا والعراق، قبل أن يدعوها إلى «سحب قواتها من هذه الدول». ورغم أن دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني له، جاءت قبل التصريحات التي أطلقها، الشهر الماضي، إلا أن هذا الأمر وضع رئاسة الجمهورية الإيرانية أمام أصوات منتقدة خرجت من داخل البرلمان والنخب السياسية والشارع، مطالبة بضرورة اعتذار الرئيس التركي عن تصريحاته، التي اعتبروها «إهانة» للجمهورية الإسلامية.
ولكن الكلمة الأخيرة في ذلك، حددها البروتوكول الدبلوماسي الذي منع الرئاسة الإيرانية من سحب دعوتها، رغم الانتقادات الكثيرة وتهديد عدد من اللجان الطالبية في الجامعات بالاعتراض خلال الزيارة.
وكان أردوغان قد اتهم إيران، أيضاً، وبنحو غير مباشر، بالتنسيق والتعاون مع تنظيم «داعش» في العراق، قائلاً إن التنظيم ينسحب من منطقة، فيما يدخل الإيرانيون إليها.
أردوغان سيستمع
في الغرف المغلقة إلى مطالبات بتبرير مواقفه الأخيرة من إيران
وردّ الإعلام الإيراني وبعض المسؤولين الإيرانيين، على هذه التصريحات بشدة، فيما طالب ٦٥ من أعضاء البرلمان الإيراني روحاني بإلغاء الزيارة. واختار الرئيس روحاني السكوت عن تصريحات أردوغان، وسط معلومات تتوقع أن يتجاهلها، للتهرّب من أي توتّر مع تركيا، خصوصاً في هذه المرحلة التي تنتهج فيها طهران سياسات الانفراج مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، لضمان نجاح الاتفاق النووي، وبالتالي دعم الموقف الإيراني الإقليمي والدولي، بعد الاتفاق النهائي في حزيران المقبل.
في مقابل ذلك، شنّ الإعلام الموالي لأردوغان، خلال الأيام الماضية، حملة عنيفة على إيران، واتهمها بـ«انتهاج سياسات طائفية توسعية خطيرة في المنطقة». كذلك رأى بعض المحلّلين المقرّبين من الحكومة الاتفاق النووي، «مصدر قلق» بالنسبة إلى تركيا، التي قد تفقد أهمّيتها في الحسابات الغربية، بسبب الانفتاح الغربي المحتمل على إيران اقتصادياً وسياسياً.
إلا أن الخلاف في وجهات النظر كان قد ظهر إلى العلن، قبل أشهر، خلال زيارة وزير الخارجية التركي جاويش مولود أوغلو لإيران، حيث عقد مؤتمراً صحافياً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. يومها سُئل الطرفان عن العلاقات الإيرانية – التركية، فكلّ يدعم خيارات مناقضة للجانب الآخر في ملفات المنطقة، وخصوصاً في سوريا والعراق. كان الجواب أن الخلاف السياسي لا يفسد في الود قضية، ويمكن تسويته عبر التواصل في نقاط الخلاف وعدم السعي إلى الاصطفافات والقطيعة، التي من شأنها أن تزيد من تأزّم الوضع في المنطقة. وتحدث الجانبان عن ضرورة التواصل، ولا سيما أن ما يجمع طهران بأنقرة في المجالات الأخرى، تحديداً من الناحية الاقتصادية والتجارية، كبير، ذلك أنّ من المتوقع أن يرتفع التبادل التجاري بين إيران وتركيا إلى ثلاثين مليار دولار، خلال السنوات المقبلة، ولا يمكن قطع العلاقات الدبلوماسية.
مع ذلك، تتوقع مصادر دبلوماسية أن يعتذر أردوغان، بنحو غير مباشر، من المسؤولين الإيرانيين بسبب تصريحاته. وتقول المصادر إن الزيارة بحدّ ذاتها تحمل في طيّاتها اعتذاراً، وإلا ما قام بها أردوغان، بعدما قال عن إيران إنها دولة «تحتل سوريا والعراق واليمن». في مقابل ذلك، هناك أوساط سياسية أخرى تتوقع أن يستغل الرئيس التركي هذه الزيارة، من أجل حساباته الداخلية، وليقول لأنصاره وأتباعه إنه «هاجم إيران، ثم ذهب إليها ليكرر على مسامع المسؤولين الإيرانيين في طهران ما قاله سابقاً».
مصدر دبلوماسي إيراني شرح التباين بين البلدين، بالقول إن العلاقات السياسية تشوبها الخلافات، ولكنه نوّه بأن إيران تعتمد سياسة الاحتواء والحوار مع الطرف الآخر، فهي تواصلت مع معارضين سوريين سابقاً لإيجاد حلول للأزمة، ولم تغلق سفارات دول خليجية بعد إرسال «درع الجزيرة» إلى البحرين. كذلك، هي حافظت على الارتباط الدبلوماسي مع دول تخاصمها في السياسة، وعلى رأسها السعودية. هذا الأمر يبرّر الإبقاء على العلاقات مفتوحة مع الجانب التركي، رغم الخلافات الجوهرية، وفق المصدر، الذي أضاف أنه حتى مع الولايات المتحدة، التي تعادي إيران، تطلّب الأمر الجلوس والاستماع إلى ما تريده في المجال النووي، وجرى تذليل العقبات، فالقطيعة لا تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد.
لذا، بالاعتماد على سياسة الاحتواء والنفس الطويل، يمكن التوصل إلى نقاط مشتركة قد تؤسّس لحل الخلافات في ملفات المنطقة بهدوء، بحسب المصدر الدبلوماسي الإيراني.
من هذا المنطلق، لن تمرّ طهران على كلام الرئيس التركي، بنحو عابر، فهو سيستمع في الغرف المغلقة إلى وجهة النظر الإيرانية، وقد يُطالَب بتبرير تصريحاته. بناءً عليه، سيكون للقائه مع المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي ــ في حال حصوله ــ أهمية كبيرة لما سيسمعه منه، خصوصاً أنه معروف بمواقفه الصريحة والخالية من المجاملات السياسية، ما قد يحيي التجربة، خلال اللقاء بين الرجلين، إلى الوقت الذي كان فيه أردوغان رئيساً للوزراء، حينها انزعج من تأكيد خامنئي أن سوريا ورئيسها خط أحمر.