نيويورك ــ نزار عبود
المقرّر الدولي لحق الإنسان في الغذاء ناقم على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي... ومعجب بـ«المقاومة»


يُحدّثك مقرر اللجنة الدولية لحق الإنسان في الغذاء، جان زيغلر، بحرقة وامتعاض عن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان سواء في فلسطين أو لبنان أو الجولان السوري المحتل. وزيغلر، الذي التقته «الأخبار» أمس، يحدثك من دون وثائق أو ملفات. إنه يعرف كل شيء على الأرض عن ظهر قلب. وينتفض هذا المفكر السويسري ساخطاً على أوروبا لمواقفها المنحرفة عندما يتعلق الأمر بحق الإنسان في فلسطين أو لبنان. ويهاجم الأمم المتحدة التي يطالبها والاتحاد الأوروبي بالانسحاب من اللجنة الرباعية، التي لا تتجاوز كونها «واجهة» لتغطية عيوب الاستعمار الإسرائيلي، «أسوأ استعمار في التاريخ المعاصر». ويهزأ من الحديث عن دولة فلسطينية بالقول «لم يعد هناك دولة يمكن أن تقام على ما بقي من أرض».
من موقعه مقرّراً لحق الإنسان في الغذاء، يقول زيغلر إن «الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة مأساوي. الأرقام تتحدث عن نفسها. هنالك 65 في المئة من السكان يعانون سوء تغذية دائماً، وهناك 15.2 في المئة من الأطفال دون سن العاشرة يعانون تشوهات عصبية نتيجة سوء التغذية. الماء مشكلة كبيرة جداً. نحو 80 في المئة من المياه الجوفية سواء في الضفة أو في القطاع تصب إما في إسرائيل أو في المستعمرات»، هكذا يسمي المستوطنات الجاثمة على أراضي الضفة الغربية.
ويمضي المسؤول الدولي واصفاً الحقيقة من دون تردد أو تلعثم قائلاً «هناك 285 من المدن والقرى الفلسطينية معزولة بالكامل نتيجة حصار الجيش الإسرائيلي. لذا النشاط الزراعي محدود للغاية على رغم أن الأرض شديدة الخصوبة. والأسواق ليست مفتوحة لكي يبيع الفلسطينيون منتجاتهم بسبب الاحتلال».
وعندما نتحدث عن قطاع غزة، الممتد على مساحة 352 كيلومتراً مربعاً يعيش فيها 1.5 مليون نسمة، يقول زيغلر إن هذا المكان «أكثر مكان مكتظ بالسكان في الكوكب. وإسرائيل تحتجز سكانه مثل حيوانات في قفص».
وعن مقارنته ما يجري للفلسطيني مع أي واقع مشابه جرى من قبل في التاريخ، يجيب أنه لا يحب المقارنة. ويقول «إنه استعمار. إنه نظام استعماري. احتلال عسكري غير شرعي بالكامل من وجهة نظر الأمم المتحدة. عندما كنت في مهمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تأثّرتُ كثيراً بروح المقاومة العالية لدى النساء والأطفال والرجال. إنهم من دون سلاح، يعيشون كل يوم بيومه. لا يعرفون ما سيأكلون في اليوم التالي. أراضيهم تُقضم بشكل دائم. والاحتلال يستمر في ضم الأراضي. لا أعتقد أنه يمكن إقامة دولة فلسطينية هناك. لم تعد هناك حدود يمكن التفاوض عليها. الكثير من القرى ينبغي لها أن تشتري الماء من شركات إسرائيلية خاصة. إنه أحد أسوأ أشكال الاحتلال التي عرفناها في الأزمنة الحديثة. الاحتلال مسؤول عن الجوع والقهر الجسدي والنفسي».
ويستطرد المقرّر الدولي متفائلاً «لكن هناك مقاومة. وبصفتي أوروبياً لا أستطيع تقبل تواطؤ الاتحاد الأوروبي مع قوى الاحتلال. أميركا تحمي الاحتلال وتموّله، ولكن ينبغي أن يكون لدى الأوروبيين حد أدنى من المبادئ. حماس فازت في انتخابات ديموقراطية أشرفت أوروبا عليها. ومع إعلان فوز حماس، قالت أوروبا، كلا لن نتحدث إليكم بعد الآن. هذا رياء تام. إنه المكر بعينه. لقد ألغت أوروبا ذاتها».
لا يحب زيغلر أن يُربط بمعاداة السامية. ويريد أن يعطي حركات التعايش اليهودية حقّها من الاعتراف، فيصف الحركات الشعبية الإسرائيلية لمناصرة حقوق الفلسطينيين بأنها أيضاً «حركات مقاومة». ويقول «هناك أيضاً مقاومة المجتمع المدني في إسرائيل من أمثال ميشال فارشافسكي، ولام بابيه، وليا تسيميل. هناك منظمات تحارب الاحتلال متضامنةً مع الفلسطينيين. هناك قوى للسلام. وينبغي أن يرتبط السلام بالعدالة وإنهاء الاحتلال. قوى السلام موجودة، لكنها لا تلقى المساعدة من الخارج، لأن أوروبا تعاني فقراً مدقعاً في الاستقلال والتضامن».
ويبدو زيغلر ناقماً على دور الأمم المتحدة في التعاطي مع القضيّة الفلسطينية، فالمنظمة الدولية «تبدو من دون حول ولا قوة في التعاطي مع الشأن الفلسطيني». ويتساءل عن معنى وجودها في اللجنة الرباعية «ما دامت لا تقوى سوى على الكلام». ويقول «إنني لست أميناً عاماً للأمم المتحدة، إنني مجرّد مقرر. إنسان مستقل ولديّ هذه الولاية. وبصفتي مواطناً أعتقد أن هذه الرباعية لا تعدو كونها واجهة محل تجاري. إنه وهم يُراد منه التعمية على الوضع وإبقاء الأمور على حالها. ومن الطبيعي أن على الأمم المتحدة أن تنسحب من اللجنة الرباعية، وهذا ما يتعين أيضاً على الاتحاد الأوروبي فعله. ينبغي أن تتّبع الأمم المتحدة سياسة هجومية ديناميكية فعالة لإجبار إسرائيل على احترام حقوق الإنسان ومعاهدة جنيف. إنها الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض أي التزام بالقانون الدولي».
الوقت يداهم المسؤول الدولي لإنهاء المقابلة، لكنّه يشدّد على أنه «يحمل همّ الجياع والأكثر تأثّراً بمأساة الفلسطينيين اللاجئين في أرضهم وخارجها»، ويرى أن «المقاومة التي تجلّت في المنطقة تبعث على التفاؤل». وكرّر أن «حزب الله مقاومة شرعية وليس إرهاباً»، معرباً عن إعجابه الشديد بالتصدي الذي أبداه في حرب تموز 2006.

لست أميناً عاماً للأمم المتحدة، إنني مجرّد مقرر. إنسان مستقل ولديّ هذه الولاية. وبصفتي مواطناً أعتقد أن هذه الرباعية لا تعدو كونها واجهة محل تجاري. إنه وهم يراد منه التعمية على الوضع وإبقاء الأمور على حالها. ومن الطبيعي أن على الأمم المتحدة أن تنسحب من الرباعية، وهذا ما يتعين على الاتحاد الأوروبي فعله