strong> طوني صغبيني
لم يكد المسؤولون الصينيون واليابانيون يكملون إشادتهم بالزيارة الرسمية الأولى لسفينة حربية صينية إلى الموانئ اليابانية كعلامة على تحسّن العلاقات، حتى جاء الطلب الأميركي إلى طوكيو بمنع بحارة الصين من دخول المدمرات اليابانية، ليذكّر بأن ظلّ واشنطن لا يزال قادراً على طبع تطور العلاقات بين الدولتين الآسيويتين.
قد يكون للرفض الأميركي ما يبرره؛ فالمدمرة اليابانية «كيرشيما» مزودة بتقنيات أميركية متطوّرة لاعتراض الصواريخ (الكورية الشمالية المحتملة)، والصين هي «الأخ الأكبر» لبيونغ يانغ وتاريخها التجسسي غني عن التعريف. لكن توقيت الحادثة والاستجابة اليابانية السريعة تدلّان أيضاً على أن شدّ الحبال الثلاثي لا يزال نشطاً.
الاستجابة اليابانية تعكس التزام طوكيو بمراعاة التوازن الدقيق بين العملاقين الآسيوي والأميركي، الذي تضاعفت حساسيته في الأعوام القليلة الماضية، وزادت صعوبة الإبقاء عليه على وقع النمو الصيني من جهة والرغبة الأميركية في إعطاء اليابان دوراً إقليمياً جديداً في آسيا الشرقية من الجهة الأخرى.
وكانت العلاقات الصينية ـــــ اليابانية قد شهدت تطوراً ملحوظاً العام الماضي بعد حسم القضية الكورية الشمالية إيجابياً وانتهاء مرحلة الفتور خلال ولاية رئيس الوزراء جونيشيرو كويزومي المتعاطف مع تايوان والمؤيّد لإعادة تسلّح بلاده. وتوّج التحسن بالإعلان الشهر الماضي عن زيارة دولة للرئيس الصيني هيو جنتاو مطلع العام المقبل إلى طوكيو.
ورغم ذلك، لا يزال شبح الخوف التاريخي المتبادل يظهر من وقت لآخر ويعكّر الأجواء بين البلدين؛ فالارتياب التاريخي للساموراي من الصين، تحوّل اليوم إلى ارتياب اقتصادي من سيطرة الاستثمارات الصينية الهائلة على الاقتصاد الياباني وانتزاع الريادة الاقتصادية في شرق آسيا. تُضاف إلى ذلك مخاوف عسكرية تنبع من إسراع «التنين الأصفر» إلى إعادة هيكلة قواته المسلحة وتطويرها.
وتشارك الولايات المتحدة في هذه المخاوف، ولا سيما أنها تبنّت منذ عام 1992 رؤيتها الخاصة للدور الياباني في شرق آسيا، ودعت طوكيو أكثر من مرة إلى مراجعة البند التاسع من دستورها، الذي يقضي بمنع استخدام القوة إلا للدفاع المباشر عن النفس، والتحوّل إلى «دولة طبيعية»، بهدف إسناد دور إعادة التوازن المفقود في مضيق تايوان إلى اليابان، ومجاراة عملية بدء تحوّل الجيش الصيني للحفاظ على «الستاتيكو الأميركي» في شرق آسيا.
وذلك ما دفع اليابان منذ العقد الماضي إلى تعديل سلوكها الدفاعي، حيث أصدرت خلال عشر سنوات أكثر من 20 تشريعاً مرتبطاً بالمسائل الأمنية والعسكرية، أهم ما ورد فيها هو السماح للقوات اليابانية بالذهاب إلى مناطق الحروب كالعراق وأفغانستان.
ويبدو أن الحلّ المستجد للقضية النووية لبيونغ يانغ قد يكون ذا نتائج عكسية على التسلح في شرق آسيا، إذ ما إن بدأت القوات الأميركية بسحب بعض الألوية من كوريا الجنوبية حتى عاد الكلام عن قواعد أميركية جديدة في اليابان، كما أجرت طوكيو اختباراً لصواريخ اعتراضية متطورة وأعادت النظر بمنظوماتها الدفاعية.
هذا الكمّ من الحذر الثلاثي المتبادل ظهر بوضوح خلال الأسبوع الماضي، إذ إن منع الصينيين من دخول «كيرشيما»، هو بطريقة أو بأخرى، الردّ الأميركي على منع بكين الأسبوع الماضي أيضاً، حاملة طائرات أميركية من دخول مرفأ هونغ كونغ بهدف قضاء عطلة عيد الشكر في المدينة. والتصرّف الصيني الأخير كان بدوره احتجاجاً على بيع أسلحة أميركية إلى تايوان بقيمة مليار دولار الشهر الماضي.
وفي ظلّ تحسّن العلاقات المستمرّ بين الدول الثلاث، جاءت حوادث «سوء التفاهم» هذه كتبادل حاد للرسائل يذكّر بالتوازن القائم في المنطقة، وكأن بكين قالت للأميركيين «ليس مرحّباً بكم في مجالنا الإقليمي»، فردّ الأميركيون من اليابان «تذكّروا نحن هنا».