حققت الرسالة التي وجهها 47 عضواً جمهورياً في الكونغرس الأميركي إلى طهران، تأثيرها أميركياً، فيما بدت أيضاً كأنها وصلت إلى جزء من مبتغاها إيرانياً، في ظل إعلان وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، أنها تقوّض ثقة إيران بالولايات المتحدة.ووفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الطلابية، قال ظريف إن «هذا النوع من الرسائل غير مسبوق وغير دبلوماسي. في الحقيقة، يقولون لنا إنه لا يمكن الوثوق بأميركا».
واتهم ظريف، خلال خطاب أمام مجلس خبراء القيادة، «المتطرفين في الكونغرس» الأميركي بخلق «مشاكل» في المفاوضات مع واشنطن، معتبراً أن التحذير الذي وجهه جمهوريو الكونغرس لا ينطوي «على قيمة قانونية».

على الجانب الآخر، تخطّت هذه الرسالة فحواها الدستوري لتصبح مادّة دسمة تلقفتها الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية، ولتشكل أساساً لنقاش جديد أسهم في تنامي التوتّر بين البيت الأبيض والكونغرس. فقد ووجهت «مبادرة» الأعضاء الجمهوريين، بتنديد من قبل الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، الذي عبّر عن «دور» الرسالة بالقول إنه على مدى 36 عاماً أمضاها في الكونغرس لم يشهد مثل هذه «المبادرة» المتمثلة بقيام أعضاء في مجلس الشيوخ «بتوجيه رسالة إلى قائد أجنبي لتحذيره من أن الرئيس الأميركي ليس لديه سلطة إبرام اتفاق». فوفق بايدن، هي «توجه رسالة مضللة جداً. رسالة خاطئة بقدر ما هي خطيرة»، مضيفاً أنها «تهدّد بتقويض قدرة أي رئيس أميركي مقبل، أكان ديموقراطياً أم جمهورياً، على التفاوض مع دول أخرى باسم الولايات المتحدة».
من جهته، بدا الرئيس الأميركي أقل حدّة في رده، معرباً عن اعتقاده أنّ «من المثير للسخرية إلى حدّ ما أن نرى بعض أعضاء الكونغرس يرغبون في أن يدافعوا عن قضية مشتركة مع المتشدّدين في إيران»، الأمر الذي وصفه بـ«تحالف غير معتاد».
وأثارت الرسالة ضجة أيضاً بين الديموقراطيين، مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ هاري ريد، الذي وصفها بأنها هجوم «سياسي صبياني»، فيما قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، إنها «خارجة» عن المألوف. وأضافت أن أعضاء مجلس الشيوخ كانوا يحاولون إما مساعدة ايران وإما الإضرار بالرئيس باراك أوباما، أثناء المفاوضات.
بالنسبة إلى معظم وسائل الإعلام الأميركية أيضاً، لا تعدو هذه الخطوة كونها مناورة ومحاولة لتخريب المفاوضات بين الإدارة الأميركية وطهران، خصوصاً أن الجمهوريين لم يخفوا يوماً رغبتهم في القضاء على المفاوضات ومنع أي اتفاق محتمل. وبحسب ما رأى المراقبون المهتمون بهذا الموضوع، فإن الرسالة التي يقف وراء كتابتها السيناتور الشاب توم كوتون والتي وقعها غالبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ، من بينهم المرشحون المحتملون لانتخابات الرئاسة لعام 2016، مثل ماركو روبيو وتيد كروز وراند بول، «ليس هدفها فقط إحباط عزيمة النظام الإيراني عن توقيع الاتفاق، ولكن أيضاً الضغط على البيت الأبيض من أجل إعطاء الكونغرس بعض الصلاحيات»، في سياق العملية التفاوضية.
برايان بوتلير قال في مجلة «نيو ريبابليك» إن الرسالة سيكون لها نتائج عكسية، ذلك أنها «مبنية على تقديرات بأن المفاوضين الإيرانيين لا يفهمون بشكل كامل نظامنا الدستوري». لكنه أشار إلى أن «طبيعة المفاوضات تشير إلى العكس، وهي مستندة إلى اعتقاد مشترك بأن الإدارة المقبلة لن تقبل بسهولة الانخراط الدبلوماسي، ما أدى إلى العمل على التوصل إلى اتفاق بشكل طارئ».
أما بول وولدمان، فقد رأى، في سياق مقال في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، أن الجمهوريين «بدأوا يتصرّفون كأن باراك أوباما ليس حتى رئيساً». بالنسبة إليه «من الآمن القول إنه لا يوجد رئيس، في أيامنا الحالية، قد تعرّض للمسّ بشرعيته من قبل الحزب المعارض، كما حصل مع باراك أوباما».
وتحديداً عن توم كوتون، كان ديفيد رامسي قد كتب في مجلة «نيو ريبابليك»، في كانون الثاني الماضي، قائلاً: «اختر أي عنوان ــ سوريا، إيران، روسيا، داعش، طائرات من دون طيار، تجسس وكالة الأمن القومي ــ وسيكون كوتون موجوداً للنقاش»، ذلك أن له تاريخاً حافلاً بالتهويل في سبيل الارتقاء بسرعة أكبر على سلّم أولويات الحزب الجمهوري. وبناءً عليه، ارتأت بعض الوسائل الإعلامية التذكير بأن كوتون كان قد قال، خلال حملته الانتخابية، إن «داعش وعصابات المخدرات المكسيكية تتضافر لمهاجمة أركنساس»، معتبراً أن ذلك «يشكل مشكلة كبيرة».
(الأخبار)