strong> تغذي عوامل مثل غياب العدالة والأمن وانتشار الفساد مقرونة بالعادات القبلية المتجذرة، ظاهرة «ثقافة حمل السلاح» في اليمن، بالرغم من محاولات الحكومة الحد منها، والتي لا تزال تصطدم بعقبات الطبع«ثقافة حمل السلاح» متجذرة جداً في محافظة مأرب، شرقي صنعاء، لدرجة أن إحدى القبائل قاطعت أحد أبنائها بسبب تخليه عن حمل السلاح. ويقول أحمد (36 عاماً)، وهو طبيب من محافظة مأرب الأكثر قبلية في اليمن: «بعد تخرجي من الجامعة (في العراق) شعرت بأن العلم الذي أحمله هو سلاحي الحقيقي، لا الرشاش الآلي الذي يتمنطق به رجال القبائل ويرونه جزءاً من شخصيتهم ومن علامات رجولتهم».
إلا أن قرار أحمد لم يرُق قبيلته وأهل منطقته، فانتقل للعيش في محافظة تعز (جنوبي صنعاء)، حيث المظاهر القبلية أقل حدة، وذلك ليعيش «حراً من ثقافة السلاح»، وإن كان القرار قد أفقده الصلة القريبة بأهله والامتيازات القبلية في منطقته.
ويقدَّر عدد قطع السلاح الفردي الموجودة في اليمن بستين مليون قطعة، أي نحو ثلاثة قطع لكل مواطن. ويقوم قبليون مسلحون دورياً باختطاف سياح أجانب للضغط على الحكومة من أجل الحصول على مطالب لقبيلتهم، غالباً ما تنتهي بالإفراج عن الرهائن. إلا أن هذه الظاهرة تصعِّب مهمة الحكومة في تعقُّب أعضاء تنظيم «القاعدة» ومواجهتهم، وكذلك مواجهة التمرد في شمال غرب البلاد.
وأشار تقرير لوزارة الداخلية اليمنية إلى تسجيل 24 ألفاً و623 جريمة باستخدام الأسلحة النارية الفردية بين 2004 و2006. ويمثل هذا الرقم 87 في المئة من إجمالي الجرائم التي سجلت خلال هذه الفترة. وأدت جرائم الأسلحة الفردية إلى مقتل 23 ألفاً و577 شخصاً.
وفي آب الماضي، بدأت وزارة الداخلية حملة لحظر حمل السلاح في العاصمة صنعاء وبعض المدن الرئيسية. ومنذ ذلك الحين، صادرت السلطات أكثر من تسعين ألف قطعة سلاح من أيادي مدنيين كانوا يحملونها في الشوارع أو عند محاولتهم دخول العاصمة، وذلك بحسب مصادر رسمية.
إلا أن قدرة الحكومة على تطبيق هذا القرار تبدو محدودة. فقد حاول الشيخ القبلي الشاب حسين عبد الله الأحمر، وهو من قبائل حاشد الأكثر نفوذاً في اليمن، دخول العاصمة صنعاء في تشرين الثاني الماضي بصحبة العشرات من مرافقيه المسلحين، غير أن نقطة تفتيش أمنية منعته من ذلك، وأبلغته بوجود «توجيهات عليا» بمنعه من دخول صنعاء بمرافقيه المسلحين، فعاد أدراجه.
إلا أنه بعد أقل من شهر، دخل حسين الأحمر العاصمة اليمنية برفقة مرافقيه المدجَّجين بالسلاح، بعدما اضطرت السلطات للتراجع، خشية أن يعلن تمرداً قبلياً ضد سلطة الدولة في أوساط قبائل حاشد.
لكن شقيقه حميد الأحمر، نجل رئيس البرلمان الراحل عبد الله الأحمر، قال لوكالة «فرانس برس» إن «حمل السلاح ضرورة وليس ترفاً اجتماعياً، لأنه جزء من الشخصية القبلية اليمنية». وأقرّ بأن لحمل السلاح سلبيات، إلا أنه رأى أن السلبيات «لا تنبع من حمل السلاح بحد ذاته، بل من الأسباب التي تؤدي إلى حمل السلاح، مثل غياب المنظومة القضائية ذات الكفاءة وغياب الأمن القادر على حماية المواطن لا قمعه».
إلى ذلك، شكك النائب المعارض شوقي القاضي (حزب الإصلاح الإسلامي) في فرص نجاح حملة تنظيم حمل السلاح، مشيراً إلى أن من يديرون الحملة أنفسهم ينتمون إلى قبائل وعشائر «لأن الدولة حتى الآن لم تتحول إلى مؤسسة».
ورأى القاضي أن من أسباب ميل اليمنيين إلى حمل السلاح «غياب الدولة وغياب سيادة القانون وضعف القضاء، بالإضافة إلى ارتباط السلاح بالعادات والتقاليد اليمنية».
وكانت الحكومة اليمنية قد أصدرت قانوناً في أيار 1992 لـ«تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها»، غير أن هذا القانون لا يمنع حيازة السلاح. وعمدت وزارة الداخلية في منتصف التسعينيات إلى تقديم مشروع تعديل يشدد هذا القانون، غير أنه جوبه في البرلمان برفض قاطع.
وقال القاضي: «لدي تخوف كبير في أن يكون قرار حملة مكافحة السلاح التي بدأت في آب اتخذ خلال تخزينة (جلسة) قات أو بضغط دولي للحصول على قرض، وبمجرد الحصول على القرض ستنتهي الحماسة لتطبيق ذلك».
(أ ف ب)