بدأت أجواء التحشيد الانتخابي تطغى على المشهد السياسي في تركيا، قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية التي ستجري في السابع من حزيران المقبل. لا توفر سلطات أنقرة جبهةً من الهجوم الحاد، مصورةً نفسها وحيدة وسط أعداء يريدون الانقضاض عليها. فمن الهجوم المعتاد، وشبه اليومي على جماعة فتح الله غولن، انتقلت حكومة «العدالة والتنمية»، لتركّز تصريحاتها النارية هذه الأيام على المعارضة العلمانية، وفي مقدمتها حزب «الشعب الجمهوري»، الذي باتت أفضل «تهمة» توجّه إليه، بنظر حكام أنقرة، هي التحالف مع دمشق، حتى وإن كان هجومها رداً على دعوة الحزب إلى التظاهر ضد قانون «الحزمة الأمنية» الذي يعزز القبضة الأمنية في البلاد.
في هذا الوقت، يبدو أن الحكومة التركية تستثني حالياً حزب «العمال الكردستاني» من «البارانويا» المصابة بها، حيث بدأت ترسل إشارات بشأن المحادثات معه في إطار عملية السلام. وأكد رئيس الوزراء التركي، في معرض الحديث عن هذه القضية، أن «الربيع سيكون جميلاً»، في إشارةٍ إلى إمكانية التوصل إلى تسويةٍ مع زعيم الحزب المحظور، عبدالله أوجلان، بحلول الربيع المقبل.
وشنّ داوود أوغلو، هجوماً على حزب «الشعب الجمهوري»، قائلاً إن نواب الحزب العلماني المعارض، «ذهبوا وصافحوا ذلك الظالم (في إشارة إلى الرئيس السوري بشار الأسد)، عندما كانت دمشق وحلب الجميلة، ودرعا واللاذقية تُقصف». وانتقد داوود أوغلو، في كلمته خلال مؤتمر لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في ولاية غيرسون (شمال تركيا)، زعيم «حزب أتاتورك»، كمال كليتشدار أوغلو، لافتاً إلى أن الأخير يدعو الشعب في تركيا إلى المقاومة (في إشارة إلى دعوته إلى التظاهر ضد مشروع قانون «الحزمة الأمنية»)، ولكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإنه يضع يديه بيد «نظام الأسد».
وقال داوود أوغلو: «إن كليتشدار أوغلو أكد أنه سيقول للسوريين اذهبوا، في حال وصول حزبه إلى السلطة»، مضيفاً: «هذا هو ضميرهم، ولكننا كدولة تركيا وشعبها العزيز، استضفنا لعصور القادمين من البلقان والقوقاز، وأواسط آسيا، ولم نترك الأبرياء والنساء والأيتام في أيدي الظالمين ولن نتركهم».
كذلك، تطرّق داوود أوغلو إلى مشروع قانون «الحزمة الأمنية» الذي يعزز صلاحيات قوات الأمن الداخلي في تركيا قبيل الانتخابات البرلمانية، وسيبدأ البرلمان مناقشته الأسبوع المقبل، قائلاً إن الهدف منه هو «حماية الحريات في تركيا وتفويت الفرصة على كل محرّض يرمي إلى زعزعة الاستقرار».
من جهةٍ أخرى، قررت محكمة الجزاء في إسطنبول، يوم أمس، استمرار اعتقال 17 شخصاً، وإخلاء سبيل 4 آخرين، من المشتبه فيهم الموقوفين الأسبوع الماضي، على خلفية الانتماء إلى جماعة «الخدمة» لفتح الله غولن، وجملة من الاتهامات الأخرى، منها «التجسس»، و«محاولة إطاحة الحكوة التركية، أو منعها من أداء مهماتها».
وكان نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية»، محمد علي شاهين، قد عقد مقارنةً بين «الكيان الموازي»، الاسم الذي تطلقه الحكومة على جماعة غولن، وبين حركة «الشباب» الصومالية، المصنفة دولياً بالارهاب، قائلاً إن «حركة الشباب الصومالية، مثل الكيان الموازي في تركيا، كلاهما يعملان من الباطن لمصلحة وكالات استخبارات أجنبية». التصريح الذي أدلى به شاهين خلال مشاركته في فعالية للجالية التركية في غرب ألمانيا، يأتي بعد أيامٍ من مقارنة أخرى قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أكد أن «الكيان الموازي» أخطر من منظمة «بي كا كا» التابعة لحزب «العمال الكردستاني»، المصنف إرهابياً في تركيا.
إلى ذلك، شهدت مدن جنوب شرق تركيا اشتباكات بين مواطنين أكراد وبين الشرطة، خلال احتشاد الآلاف للمطالبة بالإفراج عن زعيم حزب «العمال الكردستاني»، عبدالله أوجلان، في ذكرى مرور 16 عاماً على اعتقاله.
وفي هذا السياق، أعلنت جمعية «المجتمعات في كردستان»، المرتبطة بـ«الكردستاني»، أن نضال كردستان من أجل الحرية سيهدف من الآن فصاعداً إلى حرية الزعيم «آبو» (أوجلان)، وسنصعد النضال من أجل حرية كردستان».
ومن المتوقع أن تصل عملية السلام بين أنقرة والحزب المحظور في تركيا إلى تسوية قريبة تفضي إلى الإفراج عن أوجلان مقابل دعوة الأخير إلى إنهاء الكفاح المسلّح، وذلك بحلول آذار المقبل. وما زال المشاركون في المحادثات بين الطرفين، يلزمون الصمت بشأن تفاصيلها، خوفاً من تقويض احتمالات التوصل إلى تفاق نهائي. وفيما عمّت المواجهات شوارع سيرناك ودياربكر حيث الأغلبية كردية، في اليومين الماضيين، قال رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، إن «عملية السلام وصلت إلى مرحلة حساسة»، متوقعاً «ربيعاً جميلاً». واشترط يوم أمس استبعاد السلاح تماماً، «بعدها ستتخذ خطوات جميلة وستمر البلاد في أجواء ربيعية».

(أ ف ب، الأناضول، رويترز)