إسطنبول | بات واضحاً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مصمّم على تغيير النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي مطلق. لا يتكتم أردوغان على رغبته هذه. يتحدّث عنها في كل مناسبة، داعياً المواطنين إلى دعم «مشروعه» عبر التصويت لحزب «العدالة والتنمية» في انتخابات ٧ حزيران المقبل. ورغم أن الدستور يمنع رئيس الجمهورية من الانحياز إلى أي حزب سياسي، فارضاً عليه أن يكون مستقلاً وعلى مسافة متساوية من القوى السياسية كافة. لكن يبدو أن أردوغان، لن يلتزم هذا المنع، حيث لا يتردد في مهاجمة حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، وكأنه لا يزال زعيماً لحزب «العدالة والتنمية»، أو رئيساً للوزراء. أصبح يفرض أمراً واقعاً في تركيا. يتصرّف كأنه حاكم مطلق، ويمتلك كل صلاحيات السلطات دفعةً واحدة، بالإضافة إلى التحكم بشؤون الحزب الحاكم أيضاً.
مصادر من «العدالة والتنمية»، تتوقع أن يحدد أردوغان بنفسه أسماء مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وليس أحمد داوود أوغلو زعيم الحزب. على أن يكون من بين المرشحين، رئيس جهاز الاستخبارات الحالي، حقان فيدان، المتوقع له أن يكون وزيراً للخارجية، وربما رئيساً للوزراء، بعد انتخابات حزيران. وتحدّثت معلومات عن ارتياب أردوغان من أداء داوود أوغلو الذي قد يتخلص منه بعد الانتخابات. كذلك، أثيرت أنباء عن ترشح ابنة أردوغان، سمية، قبل أن تصبح عضواً في الحكومة المقبلة، كما يرى عدد من قيادات «العدالة والتنمية» الحاكم. وكل ذلك من دون أن يكون واضحاً حتى الآن، مستقبل الواقع السياسي، حيث ما زال الوقت مبكراً للحديث عن احتمالات فوز «العدالة والتنمية» أو هزيمته في الانتخابات القادمة.
الرهان على موقف حزب حرية الشعوب الكردي، وهو الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجالان. فإذا قرر هذا الحزب المشاركة في الانتخابات المقبلة كحزب سياسي، فالرهان حينها على نسبة الأصوات التي سيحصل عليها. إن فاز بـ١٠٪ من مجموع أصوات الناخبين على مستوى تركيا، فحينها قد يفوز بنحو ٧٠-٧٥ مقعداً في البرلمان. وأما إذا لم يحصل على الـ ٪١٠ على مستوى تركيا، فحينها لن يدخل الندوة البرلمانية، حتى ولو حصل على جميع الأصوات في الولايات الكردية. في هذه الحالة، ووفقاً للدستور وقانون الانتخابات، فإن المقاعد التي يفوز فيها الحزب في الولايات دون الحصول على ١٠٪ من مجموع أصوات الناخبين على مستوى البلاد، فإن هذه المقاعد تعطي للحزب الثاني أي العدالة والتنمية، ما سيساعد هذا الأخير في الحصول على الأغلبية الكافية أولاً لتشكيل الحكومة (٢٧٦ مقعداً)، ومن ثم لتغيير الدستور (٣٣٠ مقعداً) وتحويل النظام السياسي إلى رئاسي مع صلاحيات مطلقة للرئيس في مجمل الأمور، بما في ذلك فرض قوانين استبدادية تضع حداً نهائياً لكل الحريات الديموقراطية، خاصة بعد سيطرة أتباع أردوغان على المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي القوانين التي منحت جهاز المخابرات وقوات الأمن صلاحيات مطلقة.
وكانت هذه الإجراءات وتلك المتوقعة في حال انتصار العدالة والتنمية محور المقالة التي كتبها الحليف السابق لأردوغان وعدوه اللدود الحالي الداعية فتح الله غولن، في «نيويورك تايمز» ليرد عليه الرئيس التركي بعد يوم واحد بمصادرة «بنك آسيا» الذي يملكه أنصار غولن وأتباعه. وأثارت هذه المصادرة جملة من النقاشات في الأوساط المالية الداخلية والخارجية التي اعتبرته ذا طابع سياسي، باعتبار أن البنك ليس عليه أي ملاحظة من كافة الجهات الرسمية، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن أردوغان مصمم على القضاء على أي وجود لأنصار غولن وأتباعه داخل مؤسسات الدولة ومرافقها، وخاصة الأمن والمخابرات والقضاء، كذلك فإنه مصمم على القضاء على أي قوى أو فعاليات اقتصادية لهؤلاء الأتباع والأنصار.
ودفع هذا الصراع بين أردوغان وغولن بعض الأوساط الصحافية إلى الحديث عن انعكاسات محتملة لهذا الصراع على القيادات العسكرية الشابة، وقيل إن البعض منها موالية لغولن وقد تتحالف مع القيادات العسكرية العلمانية المعادية لأردوغان للتفكير بعد ذلك بانقلاب عسكري يطيح الرئيس الحالي وحزبه الحاكم، وذلك في حال انتصار العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة ودخوله في تحالفات خطيرة مع حزب حرية الشعوب الكردي الذي يطالب بإخلاء سبيل أوجلان والاعتراف بالحكم الذاتي للأكراد في ١١ ولاية جنوب شرق البلاد، وهو الموضوع الذي يثير ردود فعل عنيفة لدى المؤسسة العسكرية والقوى القومية التي يعرف الجميع أنها في نهاية المطاف ستنتظر الضوء الأخضر الأميركي قبل التفكير بأي عمل ما للتخلص من أردوغان وحزبه.