يمضي القادة الغربيون قدماً في محاولة إيجاد حلّ سياسي للأزمة الأوكرانية، رغم العنف الميداني في الجانب الشرقي من أوكرانيا والاستنفار العسكري الذي انتهجه حلف «شمال الأطسي» بإرسال تعزيزات غير مسبوقة لقواته، إلى شرق أوروبا.ووصل أمس كل من الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى روسيا، بعدما كانا قد زارا أوكرانيا، حيث التقيا الرئيس بيترو بوروشينكو بهدف المضي قدماً بخطة سلام.
وفي علامة على توتر الأجواء ذهب الزعيمان إلى الكرملين مباشرة لإجراء المحادثات، من دون التدابير الدبلوماسية المعتادة مثل المصافحة أمام الكاميرات التلفزيونية. وخرجا لبرهة، بعد عشاء عمل استغرق 75 دقيقة لالتقاط الصور في بهو الكرملين، ثم استأنفا المحادثات مع بوتين.

وفيما لم يُعرف بعد ما إذا كان الزعيمان الغربيان سينجحان في الاستحقاق الذي ارتضيا الخوض فيه، وما إذا كانا سيتمكنان من إحداث أي ثغرة في جدار التوترات المتصاعدة، من أجل التوصل إلى خطوة مبدئية بوقف إطلاق النار، فقد عمدا قبل لقاء الرئيس الروسي، إلى الإيحاء بعدم توقّع الكثير وبالتالي عدم بناء الكثير من الآمال على عمليّتهما السياسية.
وقبل توجهه إلى موسكو مع المستشارة الألمانية قال الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إنه سيجري محادثات مع الرئيس الروسي، بهدف التوصل إلى اتفاق لإنهاء العنف في أوكرانيا، مؤكداً أن وقف إطلاق النار ما هو إلا خطوة أولى.
وأضاف هولاند: «بعدما قضينا عدة ساعات في كييف (فإننا نسعى) في الحقيقة للتوصل إلى اتفاق». وأضاف: «يعرف الجميع أن الخطوة الأولى يجب أن تكون وقف إطلاق النار لكن هذا ليس كافياً. يجب أن نتوصل لاتفاق شامل».
لكن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، رأت أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستتمكن هي والرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، من تحقيق انفراجة خلال المحادثات المقرّرة مع بوتين، بهدف حلّ الأزمة في أوكرانيا.
وفي مؤتمر صحافي في برلين مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قبل أن تتوجّه إلى موسكو، قالت: «قررنا أن نبذل ما في وسعنا من خلال زيارات مباشرة، في كييف واليوم (أمس الجمعة) في موسكو، للحث على وضع نهاية لإراقة الدماء في أقرب وقت ممكن. وثانياً أن يعاد تفعيل اتفاق مينسك». لكنها أضافت في الوقت ذاته: «لا نعرف ما إذا كان هذا الأمر سيتحقق اليوم، ربما ستكون هناك حاجة لمزيد من المحادثات».
وبرغم أنها أكدت أنها وهولاند سيبذلان ما في وسعهما لإنهاء إراقة الدماء، نفت أن تحاول التأثير في قرارات تتعلق بالأراضي خلال المحادثات. وفي السياق قالت: «أحب أن أقول إنني باعتباري المستشارة الألمانية لن أشغل نفسي بالقضايا المتعلقة بالأراضي بدلاً من دولة أخرى هي في هذه الحالة أوكرانيا. هذا أمر غير مطروح»، مشيرة الى أن «مهمة كل دولة أن تدير مثل هذه المفاوضات بنفسها وأحب أن أضيف أنني وفرنسوا هولاند لا نسافر باعتبارنا وسطاء محايدين. إنها مسألة تتعلق بمصالح فرنسا وألمانيا، وقبل كل شيء مصلحة الاتحاد الأوروبي».
من الجانب «الأطلسي»، أعلن الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أمس، «دعمه الكامل» لمبادرة السلام في أوكرانيا التي قدمتها ميركل وهولاند، لأن الوضع في شرق هذا البلد «خطير جداً»، بحسب قوله. وعند وصوله إلى مؤتمر للأمن في ميونيخ قال ستولتنبرغ: «أقدم دعمي الكامل للمحاولات الجديدة للمستشارة ميركل والرئيس هولاند لإيجاد حلّ سياسي»، للنزاع الذي أودى بحياة 5300 شخص خلال عشرة أشهر.
أما أميركياً، فقد كانت النبرة والتصريحات أكثر حدة، حيث رأى نائب الرئيس، جو بايدن، أن الولايات المتحدة وأوروبا بحاجة إلى الوقوف معاً في أزمة أوكرانيا، متهماً الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه يدعو للسلام بينما هو يدفع بقواته إلى الأراضي الأوكرانية.
وقال بايدن، لدى وصوله إلى بروكسل للاجتماع مع رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، إن «هذه هي اللحظة التي يجب فيها أن تقف الولايات المتحدة وأوروبا معاً بقوة. يجب عدم السماح لروسيا بإعادة رسم خريطة أوروبا لأن هذا ما يفعلونه بالضبط»، مضيفاً أنه «لذلك علينا أن نقف نحن الولايات المتحدة وأوربا ككل، أن نقف مع أوكرانيا في هذه اللحظة. أوكرانيا تحتاج إلى مساعدتنا المالية ودعمنا وهي تطبق إصلاحات. حتى برغم هذا الهجوم العسكري يحاولون المضي قدماً في الإصلاحات».
وتأتي تصريحات بايدن غداة حثّ أعضاء جمهوريين وديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، الرئيس باراك أوباما، على إمداد أوكرانيا بالسلاح، منتقدين الموقف الأوروبي من الأزمة. فقد صرّح رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، السناتور جون ماكين، أمام صحافيين، بأن مثل هذه المساعدة «لا تتعارض مع المساعي من أجل حلّ سياسي سلمي».
وأعرب ماكين عن أمله في أن يغيّر الأوروبيون موقفهم، لكنه أضاف في الوقت ذاته: «بصراحة لست متفائلاً جداً ما داموا لا يزالون يعتمدون على الطاقة من روسيا».
وانضم إلى ماكين 11 عضواً من الكونغرس بعضهم من حزب الرئيس الديموقراطي. ومن هؤلاء السناتور الديموقراطي، ريتشارد بلومنتال، الذي قال إن «بوتين لا يفهم سوى لغة القوة. والعقوبات لم تعطِ نتيجة».
أما السناتور جاك ريد، فقد رأى أن «الولايات المتحدة يجب ألا تتحرك وحدها لمساعدة أوكرانيا، بل إلى جانب حلفاء وشركاء». كذلك، كتب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، لأوباما، الخميس، لمناشدته تطبيق التشريع الذي ينص على تسليح أوكرانيا.
ورداً على تعزيزات قدرات حلف «شمال الأطلسي» على الحدود مع روسيا، أعلن المندوب الروسي الدائم لدى حلف «شمال الأطلسي»، ألكسندر غروشكو، أن هذه الخطوة تمثل محاولة للضغط على موسكو، مؤكداً أن الرّد الروسي سيكون مناسباً.
وقال غروشكو للصحافيين إنه لا آفاق لمثل هذا الضغط على روسيا، مشيراً الى أن القرارات التي اتخذها وزراء دفاع دول الحلف في اجتماعهم، الخميس، تخلق توجهاً سلبياً جداً في مجال الأمن، وأن الحلف سيمارس سياسة المواجهة في المستقبل القريب. وأوضح أنه سيصعب تجاوز التداعيات السلبية لهذه القرارات وهذه السياسة.
إلا أن غروشكو أكد في الوقت نفسه أن تزويد دول «الأطلسي» أوكرانيا السلاح أمر مرفوض، قد يؤدي إلى عواقب خطيرة لا يمكن التنبؤ بها. وقال إن الحلف يؤدي دوراً مضراً جدا بالأزمة الأوكرانية من خلال موقفه السياسي ودعمه العسكري التقني لكييف ومحاولاته تحميل روسيا المسؤولية عن تفاقم الوضع، مشيراً إلى أن ذلك يؤدي إلى تأجيل إيجاد حل سياسي للأزمة.
ولكن رفض عدد من الدول الغربية تسليح أوكرانيا، دفع ببعض المراقبين إلى اعتبار أن الرئيس الروسي أصبح على حافة الانتصار في أوكرانيا. ومن هؤلاء الكاتب، جيفري سميث، الذي ذكر في مقال في مجلة «تايم» الأميركية أن «الجيش الأوكراني يخسر وينهار اقتصادياً، والرد الغربي على ذلك أكثر انقساماً من أي وقت».
وفيما لفت سميث، إلى أن بعض المتفائلين قد يرون في هذا الأمر جزءاً من استراتيجية الشرطي السيّئ والشرطي الجيّد التي تتبعها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاحتواء طموحات بوتين في أوكرانيا، إلا أنه أكد أن «الحقيقة أكثر قساوة من ذلك». وقال إن ميركل وهولاند توجها إلى موسكو، مسلّحين بموقف ضعيف: «فالشيء الوحيد الذي يشهد انهياراً أسرع من انهيار الجبهة في شرق أوكرانيا هو اقتصادها، والقوى الأوروبية الكبرى ليست في عجلة من أمرها من أجل دعم»، هذا الاقتصاد.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)