لم يعد سرّاً أن الهدف الانتخابي الرئيسي لحزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية التي تحدّدت في حزيران المقبل، هو العبور نحو نظام رئاسي. الهدف واضح، وهو منح صلاحيات موسعة للرئيس رجب طيب أردوغان، لكن بخلاف النظام الأميركي، من دون دائرة ثانية مثل مجلس الشيوخ الأميركي. يحتاج أردوغان إذاً إلى الحزب الذي شارك في تأسيسه، وترأسه حتى انتخابه رئيساً للبلاد في آب الماضي. هو يريد الفوز على الأقل بأغلبية الثلثين في البرلمان، حتى تتسنى له صياغة دستور جديد، ثم إجراء استفتاء عليه، من دون دعم من الأطراف التركية الأخرى.
هذا «الطموح» كان واضحاً، في خطاب ألقاه أردوغان أمام حشد من أنصاره في الأناضول الوسطى، يوم 30 كانون الثاني الماضي، وفي لقائه مع أعضاء جمعية «الصناعيين ورجال الأعمال» (توسياد)، اليوم التالي، حين شجعهم على «إظهار موقفهم في السابع من حزيران»، موعد الانتخابات النيابية، و«عرض القوة اللازمة لوضع دستور جديد وضرورة التحرك بسرعة لأنهم بذلك سيضعون الحجر الأساس لتركيا الجديدة».
ورغم أنّ من المفترض ألا يكون الرئيس متحيزاً، وفقاً للدستور الذي ينص على عدم مشاركة رئيس الجمهورية في الحملات الانتخابية، إلا أن أردوغان أعلن أنه بلّغ رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو ـ الذي أكد أن «لا مشاكل» بينهما ـ بأن هدف الانتخابات هو «توفير أغلبية كبيرة بما يكفي لكتابة دستور جديد، والوصول إلى نظام رئاسي قوي».
أوضح أردوغان ما كان غامضاً. هو أكد أنه إذا تمكن «العدالة والتنمية» من تحقيق أغلبية كبيرة بما يكفي لتغيير الدستور، فذلك سيكون لمصلحة نظام رئاسي قوي، حيث الرئيس هو السلطة الوحيدة في ما يتعلق بالسلطة التنفيذية، (خلافاً للدستور الحالي، الذي يقسم السلطة بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء). وبموجب هذا التغيير، سيرأس أردوغان مجلس الوزراء، وهو ما بدأه عملياً، حين التأم مجلس الوزراء برئاسته قبل أسبوعين، في مخالفة واضحة للدستور، وفي استباقٍ لتغيير الحكم الذي ينتظره.
وفيما بدأت البلاد تستعد جديّاً للانتخابات البرلمانية، قدّمت الحكومة التركية، من ضمن التجهيزات الأمنية للانتخابات، مشروع قانون «الحزمة الأمنية»، الذي يقضي بمضاعفة مدة الاحتجاز في عهدة الشرطة من دون حكم قضائي لمدة 48 ساعة، بالإضافة إلى تفعيل سلطة تفريق التظاهرات. ولمناقشة مشروع القانون الجديد، تداعت أحزاب المعارضة الثلاث، حزب «الشعب الجمهوري» وحزب «الحركة القومية» وحزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي، متجاوزين خطوطهم السياسية المختلفة. واعترضت المعارضة على المشروع، مشيرةً إلى أن التدابير التي خططت لها الحكومة تحول تركيا إلى «دولة بوليسية». وهو الأمر الذي يُعدّ بمثابة العودة إلى أيام النظام العسكري بعد انقلاب عام 1980. وبناءً عليه، طلب رئيس «الشعوب الديموقراطي»، صلاح ديمرتاش، من الأحزاب، عقد جمعيات عامة من أجل إلغاء هذا المشروع. ويأتي هذا القانون بعد تعهد أردوغان ـ عقب انتخابه رئيساً ـ لمجموعة من التجار، اقتلاعَ «المخربين من الشوارع»، في إشارة إلى المتظاهرين، منذ موجة احتجاجات حديقة غيزي في حزيران عام 2013.
من جهته، قال داوود أوغلو إن الحكومة تخطط، بعد مرور المشروع من «لجنة الشؤون الداخلية» في البرلمان، لوضعه موضع التنفيذ في غضون شهر. هذا التصلّب في موقف الحكومة إزاء «الحزمة الأمنية»، يمكن ربطه بتحركات 6-8 تشرين الأول الماضي، دعماً للأكراد في مدينة عين العرب السورية (كوباني)، حيث تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف، لقي فيها 40 شخصاً على الأقل مصرعهم، ولم تتمكن الحكومة حينها، من وقف العنف إلا بعد طلب داوود أوغلو من زعيم «العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، من إصدار رسالة يدعو فيها إلى الهدوء. لذلك، يبدو أن «النظام العام» يتصدّر أولويات حكومة داوود أوغلو التي ستتمكن بذلك أيضاً من اقتلاع المتعاطفين مع حليفها السابق، الداعية الإسلامي، فتح الله غولن، من الأجهزة الأمنية كافة.
تعطي «الحزمة الأمنية» قوة إضافية للشرطة وقوات الدرك للقيام بأوسع نشاط استخباري، مثل التنصت على الهواتف والاتصالات الإلكترونية الأخرى، ضد من يُشتبه فيهم من المواطنين، وسيكون ممكناً أيضاً تفتيش منازل أو مكاتب من دون حكم محكمة، ما تراه أحزاب المعارضة أنه سينتهك الحقوق الفردية للمواطنين، مقابل ما يؤكده داوود أوغلو، أن هذه الحزمة «تتماشى مع الممارسات المتبعة في الاتحاد الأوروبي».
تحت هذا العنوان يُعقد اجتماع بين مسؤولي الحكومة التركية وعبد الله أوجلان، في سجنه في جزيرة إيمرلي، للتوصل إلى تسوية سياسية للقضية الكردية. ومن المتوقع أن يضم الاجتماع، فضلاً عن مديرية الأمن، الاستخبارات الوطنية التركية، ووفداً من حزب «الشعوب الديمقراطي». الاجتماع أكثر أهمية من سابقيه، ويريد أردوغان وداوود أوغلو من أوجلان، أن يعلن «نزع الألغام» من الطريق نحو السلام، وأن يعلن تسليم سلاح حزبه في أقرب وقت ممكن، لـ«ضمان إجراء انتخابات سلمية». في هذا السياق، توقع نائب رئيس الوزراء، الشين أكدوغان، إعلاناً قبل 21 آذار المقبل، أي يوم عيد النيروز الكردي، في هذا المجال. وترى مصادر حكومية أن الكردستاني استخدم موضوع «داعش» ذريعةً للمماطلة في انسحاب المقاتلين، بينما يتهم الحزب الحكومة بأنها لا تريد الحوار في العمق، بل تسعى إلى كسب الوقت حتى الانتخابات المقبلة.