يتناوب المسؤولون الفرنسيون على تطمين اليهود بأن فرنسا هي وطنهم، في سبيل إقناعهم وثنيهم عن الهجرة إلى دول أخرى، خصوصاً منها إسرائيل، على خلفية الهجمات التي استهدفت باريس مؤخراً، وآخر التصريحات التي تصب في هذا الهدف، كان تأكيد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أمس، ليهود فرنسا أن «فرنسا هي وطنكم»، فيما أفاد تقرير لـ«مجلس المؤسسات اليهودية» عن «تزايد الأعمال المعادية للسامية»، في عام 2014، في هذا البلد. ويأتي تصريح هولاند في وقت أفاد فيه تقرير نشر في صحيفة «فايننشل تايمز» البريطانية بأن السجون الفرنسية «تحوّلت إلى مراكز للجهاديين».
وأشار التقرير إلى أن «المسلمين يشكّلون أكثر من نصف عدد المساجين في السجون الفرنسية»، مضيفاً أنه منذ «الهجوم الإرهابي في باريس، تتعالى المطالب بإيجاد سبل جديدة لمنع تحوّل السجون إلى مراكز لتجنيد الإسلاميين».
وأضافت الصحيفة أن أحد الاقتراحات المطروحة هو «فصل المساجين المتطرفين عن باقي السجناء في محاولة لحمايتهم من مجاراتهم والغرق في التطرف»، إلا أن بعض الخبراء ما زالوا غير متفقين بفعالية هذا القرار.
فقد أشار رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفرنسي السابق، لويس كابرويلي، إلى أن «عزل الإرهابيين (السجناء الإسلاميين) يعدّ مشكلة، لأنهم سيشكّلون خلية داخل السجن»، لافتاً إلى أنهم « سيخرجون من السجن وقد أضحوا متطرفين أكثر من قبل».
في هذه الأثناء، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في خطاب في نصب ضحايا محرقة اليهود في باريس، إن «تصاعد الأعمال المعادية للسامية أمر واقع لا يحتمل»، معلناً في الوقت ذاته تعزيز العقوبات ضد العنصرية ومعاداة اليهود في فرنسا التي تضمّ أكبر مجموعة لليهود في أوروبا والثالثة في العالم، بعد إسرائيل والولايات المتحدة. ورأى أن «آفة» معاداة السامية «تدفع بعض اليهود إلى التساؤل عن وجودهم في فرنسا. أنتم فرنسيون تعتنقون اليهودية ومكانكم هنا. فرنسا هي وطنكم».
من جهة أخرى، أكد هولاند أن فرنسا «لن تنسى أبداً» ضحايا محرقة اليهود، كما أشاد بـ«76 ألف يهودي تم ترحيلهم بالقوة في عهد نظام فيشي المتعاون مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. وشدد على أن «تاريخ المحرقة يجب أن يدرّس في كل مكان ومن دون أي قيود».
وقبيل زيارة هولاند لنصب ضحايا محرقة اليهود، أعلن «المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا» أن «عدد الأعمال المعادية للسامية تضاعف في فرنسا في عام 2014 بالمقارنة مع عام 2013، مع ارتفاع عدد الأعمال التي شملت عنفاً جسدياً بنسبة بلغت 130 في المئة».
وأشار إلى «تزايد كبير جداً ومثير للقلق لعنف الأعمال المعادية للسامية». وقال إن ذلك يؤكد «استمرار، إن لم يكن تزايد، الأحكام المسبقة المعادية للسامية في فرنسا وفي بعض الأحيان تطرّفها المتنامي الذي يسمح بالانتقال من الإهانة إلى العنف ومن العنف إلى الإرهاب».
في الإطار ذاته، حذّر رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي، موشيه كانتور، من تعرّض الجالية اليهودية في أوروبا لموجة «هجرة جماعية جديدة» إلى إسرائيل، بسبب تصاعد ما سمّاه «الإسلام الراديكالي» تجاههم. وقال كانتور، في افتتاح منتدى «اتركوا شعبي يعيش» الذي ينظمه المؤتمر اليهودي الأوروبي في العاصمة التشيكية براغ لمناسبة الذكرى الـ70 للمحرقة النازية «الهولوكوست»، إن «يهود أوروبا على وشك التعرض لهجرة جماعية جديدة إلى إسرائيل»، مضيفاً أن «اليهود يعانون رهبة بسبب الضغط الاقتصادي والإسلام الراديكالي».
ودعا رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي إلى «حلّ مؤسسي يضم تعديلات جذرية للقوانين»، لمواجهة خطر الهجرة الجماعية ليهود أوروبا. ورأى أن أوروبا بحاجة إلى «مفاوض خاص لمكافحة معاداة السامية»، لافتاً الانتباه إلى أن «الأقلية اليهودية التي هي أقدم جالية في أوروبا، أصبحت اليوم الوحيدة المهدّدة بخطر الموت أو الترحيل».
في هذه الأثناء، ألقت الشرطة في فرنسا وبلجيكا القبض على ثمانية يشتبه في أنهم إسلاميّون متشدّدون في عمليات دهم، فجر أمس. وقال وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، إنه «تم تفكيك شبكة شديدة الخطورة وعالية التنظيم اليوم».
وألقت القوات الخاصة التابعة للشرطة القبض على خمسة أشخاص، تتراوح أعمارهم بين 26 و44 عاماً، في عملية دهم في لونيل، وهي بلدة صغيرة تقع قرب ساحل البحر المتوسط في فرنسا. وقال مصدر في الشرطة إن اثنين ممن ألقي القبض عليهم عائدون من سوريا.
وفي بلجيكا حيث قتلت الشرطة، في وقت سابق من الشهر، مسلّحين اثنين في واحدة من عدة عمليات دهم، أعلن الادعاء أنه تمّ إلقاء القبض على ثلاثة رجال في كورتريك التي تقع على بعد عشرة كيلومترات من الحدود الفرنسية. وخلال التفتيش، عثرت الشرطة على أسلحة في منازل الرجال المشتبه في صلاتهم «بجماعات متشدّدة».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)