لمرة قد تكون الأولى، يعيش الاتحاد الأوروبي على وقع ما يشبه «ثورة انتخابية» تحققت في اليونان، بفوز حزب «سيريزا» ذي التوجهات اليسارية في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم أمس. الحدث اقتصادي بدرجة أولى، ويندرج في سياق رفض اليونانيين ما أنتجته سياسات «ترويكا» الدائنين (الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي) تجاه بلادهم، وتداعياتها على اقتصادهم. وهو حدث سياسي بدرجة ثانية، وذلك لسبيين رئيسيين، الأول، لأن النتيجة تكشف عن إخفاق مؤسسات الاتحاد الأوروبي المالية في التعامل مع بلد عضو كان يواجه خطر الإفلاس، والثاني، لأن ما يمكن وصفها بـ«الثورة الانتخابية» تتضمن رسالة مباشرة إلى ألمانيا ودورها المركزي أوروبياً. هي رسالة لم تفلح سابقاً مثيلاتها في الانتخابات الإيطالية، والفرنسية، خاصة، في تحقيق ما كانتا تطمحان إليه، لناحية التأثير على دور برلين ضمن مؤسسات الاتحاد.
وبعد يوم انتخابي طويل، أشار استطلاع أجري عند خروج الناخبين اليونانيين من مراكز الاقتراع إلى أن حزب «سيريزا» اليساري، المناهض لسياسة التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي، يتقدم بأكثر من ثماني نقاط على حزب «الديموقراطية الجديدة» بزعامة رئيس الوزراء، أنطونيس ساماراس، الذي اتصل بمنافسه ألكسيس تسيبراس (الصورة) مهنئاً مساء.

وأشارت التقديرات إلى أن الفارق يتراوح بين 8.5 إلى 16.5 نقطة. وكان من المتوقع أن يحصل حزب «سيريزا» على ما بين 146 و158 مقعداً في البرلمان الذي تبلغ الأغلبية المطلقة فيه 151 مقعداً. وللإشارة، فقد كانت هذه الأغلبية سهلة المنال قبل سنوات في عهد التداول على الحكم بين أكبر حزبين خصمين، «الديموقراطية الجديدة» اليميني و«باسوك» الاشتراكي، مع نتائج تدور عموماً حول الأربعين في المئة لهذا الحزب أو ذاك، إضافة إلى المقاعد التي يحصلان عليها بالامتياز.
وفي تعليق أول، قال المتحدث باسم «سيريزا»، بانوس سكورليتيس، إنه «يبدو أننا أحرزنا نصراً تاريخياً»، وهي «رسالة لا تؤثر في اليونانيين فحسب، بل يتردد صداها في أوروبا بأسرها».
وكان رد فعل أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين في «سيريزا»، يانيس ميليوس، واضحاً، إذ قال إن «البرنامج (الذي عرضه وزير المال) مات».
ومع انتهاء الانتخابات اليونانية التشريعية، وانطلاق الطرح الجدي لمعرفة هل ستعمل الحكومة اليونانية المقبلة برئاسة «سيريزا» للخروج من منطقة اليورو، حثّ رئيس المصرف المركزي الألماني، ينس وايدمن، في حديث متلفز مساء أمس، الحزب الفائز على عدم «إعطاء وعود وهمية» لمواطنيه. ويأتي حديث المسؤول الألماني، بعدما نقلت مجلة «در شبيغل» في بداية الشهر الجاري، عن مصادر قريبة من الحكومة الألمانية، تأكيد المستشارة، أنجيلا ميركل، عدم ممانعتها خروج أثينا من منطقة العملة الموحدة في حال فوز «سيريزا» وتنفيذ سياساته الاقتصادية.
وإذا جرى التوصل إلى تشكيل حكومة، فإن من الجيد تذكر أن زعيم «سيريزا» أعلن أنه سيتخذ إجراءات فورية، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور من 580 إلى 751 يورو، كما حذّر من أنه لن يكتفي بالتصدي للدين الذي تجاوز 300 مليار يورو (يمثل 175% من إجمالي الناتج الداخلي، فيما لا يجب أن يتعدى 60% وفق المعايير الأوروبية)، وذلك بخفض نسبة الفائدة، أو تمديد مدة السداد. لكن تسيبراس يريد خفضاً كبيراً وفعلياً لمجمل هذا الدين، مشيراً، كمثال، إلى التنازلات التي قدمت بعد الحرب لألمانيا، التي تدعو اليوم إلى انتهاج سياسة مالية متشددة في القارة.
وبرغم أن قراراً بشطب قسم من الديون غير وارد في الوقت الراهن، فإن كثيرين من الخبراء الاقتصاديين يدعون إلى ترتيبٍ ما على الأقل، لأن «الديون مرتفعة إلى حد أنه لن يكون في وسع الحكومة المقبلة مواصلة التسديد»، كما قال بول دو غروي، وهو أستاذ في «لندن سكول أوف إيكونوميكس». ورأى أن رفض تخفيف حجم الديون سيكون خطأ، لأن ذلك «سيحكم على اليونان بسنوات عديدة من الصعوبات، وسيشجع الحركات السياسية المتطرفة»، الأمر الذي «سيربك بقوة منطقة اليورو بأسرها».
ومع أن مسألة خفض الديون ليست مستجدة، فإنه «لا يوجد هامش كبير آخر من المناورة» لإعادة التفاوض حول الديون، كما قال مصدر دبلوماسي أوروبي. وكان صندوق النقد الدولي، من جهته، قد رفض على الدوام القيام بالمزيد، فيما يدعي البنك المركزي الأوروبي، الذي اشترى الديون اليونانية في السوق، أنه لا يمكنه التدخل لأسباب قانونية.
عموماً، وفي الخلاصة، فقد عاقب الناخبون حكومة المحافظ، أنطونيس ساماراس، لمحاولتها تلبية مطالب «ترويكا» الدائنين لأثينا إلى الحد الأقصى مقابل حصول اليونان على قرض بقيمة 240 مليار يورو منذ 2010. وبالفعل، فإن الفاتورة عبء ثقيل للغاية على السكان الذين وقعوا ضحية معدل بطالة من 25 في المئة، أو تخفيضات كبيرة على الرواتب.
الواضح أنّ تسيبراس ماضٍ في تنفيذ وعوده، فهو قال في كلمته، بعد انتصار حزبه، إن «الشعب اليوناني كتب التاريخ»، وهو «يترك التقشف وراءه»، مضيفاً أمام الآلاف من أنصاره: «إنها إشارة مهمة لأوروبا التي تتغير... حكم الشعب اليوناني يعني نهاية الترويكا».
أوروبياً، نجاح «سيريزا» قد يعطي أملاً كبيراً لأحزاب ما يوصف باليسار الراديكالي، مثل «حزب اليسار» بزعامة جان لوك ميلينشون في فرنسا، الذي تحدث مساء عن «صفحة جديدة لأوروبا». وفي إسبانيا، أعلن زعيم حزب «بوديموس»، بابلو إيغليزياس، أن «الأمل يصل، والخوف يتلاشى. سيريزا. بوديموس: سننتصر».
(الأخبار، وكالات)