تبدو الحكومة النمساوية جادة في نيّتها الانسحاب من «مركز الملك عبد الله للحوار بين الأديان والحضارات». فعلى الرغم من تحذيرات رئيس الجمهورية هاينز فيشر، ورئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في فيينا الكاردينال كريستوف شونبورن، وتريّث وزير الخارجية سباستيان كورس، يظهر أن ثمة توجهاً متزايداً نحو سحب البساط من تحت دعائم المركز. وهذا التوجّه أكده رئيس الحكومة النمساوية فيرنر فايمن، في حديثه إلى صحيفة «دير ستاندارد». رأى أن المركز لا يفي بتاتاً بمهمة الحوار، متهماً إياه بالصمت إزاء القضايا الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان. وقال «إننا لن نطيق هذا»، مضيفاً أنه من «الواضح بالنسبة إلي أننا يجب أن ننسحب من المركز».
سبق لوزير االثقافة النمساوي، جوزيف اوسترماير، أن دعا علناً إلى الانسحاب من المركز، معتبراً أنه على الرغم من مرور ثلاث سنوات على تأسيسه، إلا أن شيئاً من الحوار لم يتغيّر، ومطالباً في الوقت ذاته بإغلاقه في أسرع وقت ممكن. ولكن في مقابل ذلك، شدّد وزير الخارجية، سيباستيان كورتس، على ضرورة التريّث في تلبية هذه الدعوة، داعياً إلى الانتظار حتى تقوم وزارته بإعداد تقرير حول فاعليّة المركز ومدى التزامه بمهمته. ومع أن تصاعد التوتر في القارة العجوز على خلفية هجمات فرنسا يستدعي الحذر من الإقدام على أي إجراء متعجّل، بحسب الرئيس النمساوي وكاردينال الكاثوليك، إلا أن تورّط المركز على نحو ما في انتهاك حقوق الإنسان، يستدعي خطوات مستعجلة، لم يأتِ جلد الناشط السعودي، رائف بدوي، إلا ليزيد الدعوات إليها حدّة واضطراماً.
على المقلب السعودي، لا يرى المدافعون عن عمل المركز مبرراً لهذه الدعوات، إذ يؤكد الأمين العام لمبادرة مسلمي النمسا، مضر خوجة، أن «مركز الملك عبدالله» قام بعمل رائع في مجال الحوار بين الديانات.
ورغم اندراج المركز تحت معاهدة دولية وقّعتها النمسا وإسبانيا والسعودية، إضافة إلى اشتراك الفاتيكان في تأسيسه ومراقبة عمله، الساعي إلى تحقيق أهداف عالمية، من قبيل التفاعل الإيجابي وتعزيز المشتركات الإنسانية والانتصار لقيم التفاهم والتعايش، لكنّه لم يتمكن من التقدم ولو خطوات محدودة على هذا الطريق، بحسب ما يقول المراقبون. وهم يربطون سبب ذلك بالهيمنة السعودية على تمويل المركز وحفظ استمراريته، وتوجيهه لأهداف سياسية أكثر منها ثقافية وحضارية.
بالتالي، قد تكون الأهداف المشبوهة هي السبب الحقيقي خلف القرار الذي اتخذته السلطات النمساوية، منذ أيام. فالإدارة التعليمية في العاصمة النمساوية فيينا قررت إغلاق المدرسة السعودية، بحلول نهاية عام 2015، موضحة أن السبب وراء ذلك هو مخالفة القوانين المعمول بها في البلاد وعدم تزويد الإدارة التعليمية بقائمة المدرسين والمديرين المسؤولين عن سير العملية التعليمية.
في خلاصة المشهد، يَظهر أن ثمة تمرداً نمساوياً حقيقياً ومتعاظماً على المؤسسات السعودية الفاعلة في البلاد، تمرّد قد لا يصل إلى حدّ المقاطعة والخروج النهائي من عباءة الشراكة الأوروبية ـ الملكية، لكن الجدل بشأن «مركز الملك عبدالله»، وعدد من المدارس والمعاهد والمراكز الثقافية السعودية في الغرب، يشي بأن القلق من التمدّد الوهابي في أوروبا بدأ يتعاظم.