موسكو | لم تجرؤ صحيفة روسيّة أو مجلة واحدة على إعادة نشر رسوم صحيفة «شارلي إيبدو» المسيئة للنبي، فالمصلحة الفدرالية الروسية للرقابة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتواصل الجماهيري سارعت مسبقاً إلى تحذير وسائل الإعلام الروسية من التطاول على المقدسات الدينية وإثارة النعرات الطائفية، التي يعاقب عليهما قانون وسائل الإعلام لـ«مواجهة النشاط التطرّفي» في روسيا، وخصوصاً أن محكمة في مقاطعة فولوغدا الروسية قضت، عام 2006، بالسجن عامين مع وقف التنفيذ على رئيسة تحرير صحيفة أعادت نشر الرسوم الدنمركية الشهيرة، إضافة إلى دفعها غرامة بلغت 100 ألف روبل (3 آلاف يورو)، كما قدم حاكم المقاطعة، فياتشيسلاف بوزغالوف، اعتذاره للمسلمين الروس عن خطوة هذه الصحيفة.
وفي ذلك الوقت، أغلقت السلطات الروسية، قبل أسبوع وللسبب نفسه، صحيفة «غورودسكيي فيستي» في مدينة فولغوغراد.
وفي السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان أول زعماء العالم الذين دانوا نشر الرسوم المسيئة في صحيفة «يولاندس بوستن»، عام 2005، مشيراً إلى أن إعادة نشرها في روسيا تمثّل تحدياً للقرار السياسي الروسي.
وبعد حادثة «شارلي إيبدو»، صرّح رئيس قسم التفاعل بين الكنيسة والمجتمع في بطريركية موسكو وسائر روسيا، القمّص فسيفولود تشابلين، بأن مكافحة الإرهاب لا تبرّر التجديف الاستفزازي والتطاول على الذات الإلهية أو إهانة أي من الشخصيات.
كما كتب نائب رئيس الوزراء، دميتري روغوزين، على موقع «تويتر»، أن «الإرهاب – شرّ لا تبرير له، غير أنه لا ينبغي أن تتحوّل حرية الكلمة إلى حرية الإساءة إلى مشاعر الناس العميقة».
أما النائب في الجمعية التشريعية في سان بطرسبورغ، فيتالي ميلونوف، فقدّم طلباً إلى المصلحة الفدرالية الروسية للرقابة بوجوب حظر نشر الصحيفة الفرنسية في روسيا، مشيراً إلى أنها تمارس نشاطاً متطرّفاً، وأنّ ما تنشره «يمسّ مشاعر المؤمنين من مختلف الأديان».
على نحو عام، لم تشهد موسكو مظاهر تضامن مع الصحيفة الفرنسية، باستثناء احتجاج عفوي قرب السفارة الفرنسية ضمّ حوالى مئة متظاهر معظمهم من الفرنسيين المقيمين في العاصمة الروسية، فيما رفعت سيدة روسية على مقربة منهم لافتة تستنكر التجديف على السيّد المسيح.
وحين حاول شخصان من «المعارضة الليبرالية» رفع شعار «أنا شارلي» على مقربة من «الساحة الحمراء»، قبض عليهما رجال الشرطة. غير أن ذلك لم يعجب «الليبراليين» الموالين للغرب، إذ رأى الصحافي، أرتيمي ترويتسكي، في صحيفة «نوفايا غازيتا» المعارضة، أنّ «تصرف الرأي العام الروسي كما لو أننا دولة إسلامية»، في وقت دعا فيه اتحاد صحافيي روسيا الصحافيين إلى الوقوف دقيقة صمت، حداداً على ضحايا الصحيفة الفرنسية.
أما رجل الأعمال الصهيوني، ميخائيل خودوركوفسكي، الذي تعده بعض وسائل الإعلام العربية «معارضاً روسياً»، فقد كتب على حسابه على موقع «تويتر»، غداة العمل الإرهابي، محرضاً ضد المسلمين: «لا يجوز أن تبقى مطبوعة واحدة من دون رسوم كاريكاتورية عن النبي».
بدورها، أبت إذاعة «صدى موسكو» الصهيونية إلا أن ترقص على دماء الفرنسيين، وظهر موظّفوها وهم يرتدون قمصاناً كتب عليها «أنا شارلي». وطلبت الإذاعة من المستمعين الإجابة عن السؤال التالي: «هل ينبغي لوسائل الإعلام نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد رداً على قتل محرري «تشارلي إيبدو»؟
ورداً على ذلك، توجه النائب عن الحزب الليبرالي الديمقراطي (الذي يتزعمه فلاديمير جيرينوفسكي)، إيفان سوخاريف، إلى رئيس لجنة التحقيق التابعة للنيابة العامة الروسية بطلب رفع دعوى ضد خودوركوفسكي، وفق المادة 282 من قانون الجنايات الروسي، لإثارته «الكراهية أو العداء، وكذلك إهانة الكرامة الإنسانية».
بيد أن ردّ الرئيس الشيشاني، رمضان قادروف، كان الأكثر قسوة. فقد كتب على صفحته على «إنستغرام»، أن «خودوركوفسكي بأفعاله الغبية أعلن نفسه عدواً لكل مسلمي العالم. وبالتالي أصبح عدوي الشخصي. أنا على ثقة بأنه سيكون هناك في سويسرا الحبيبة له ألوف المطيعين للقانون، الذين يضعون هذا المجرم الطريد أمام المساءلة».
تهديد مماثل وجهه قادروف إلى رئيس تحرير إذاعة «صدى موسكو»، أليكسي فنيديكتوف، التي أصبحت وفق الرئيس الشيشاني «بوقاً رئيساً لمعاداة الإسلام»، كما دعا قادروف إلى اجتماع جماهيري حاشد تحت شعار «المحبة للنبي محمد» في العاصمة الشيشانية، الاثنين المقبل، ويتوقع أن يشارك في هذه الفعالية نصف مليون متظاهر.