إن «الحقيقة المحرمة» التي ينبغي للجمهور الفرنسي أن يعالجها، هي أن رئيسهم وحكومتهم، بالشراكة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وإسرائيل، في الوقت الذي تدعي أنها تشن حرباً عالمية على الإرهاب، توفر الدعم السري لهذه الكيانات الإرهابية تمويلاً وتدريباً.
ففي حين أن وسائل إعلام فرنسية عدة ذهبت للربط بين هجمات «شارلي ايبدو» وحرية التعبير فإننا لم نجد عند هذه الوسائل الشجاعة الكافية لرفع القضية الى مستويات أوسع تتعلق برعاية الدولة الفرنسية للإرهاب ودور الحكومة الفرنسية وأجهزة مخابراتها في دعم الكيانات المرتبطة بالقاعدة ليس فقط في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولكن أيضاً في فرنسا.
لم تكن الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية هي الأعنف في القارة الأوروبية، فهجمات لندن ومدريد كانت أقوى، ومع ذلك تصر الحكومة الفرنسية على تشبيه ما حصل بهجمات الحادي عشر من أيلول في نيويورك. هذا الإصرار يشي بأن ثمة أجندة سياسية يجري العمل عليها في مرحلة ما بعد الهجمات. من هنا، فإن ما ينبغي أن يكون محلاً للنقاش العام في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية على المستوى الشعبي، ليس فقط من هم هؤلاء الإرهابيون، بل أيضاً السؤال عن تمويلهم وتدريبهم وتسليحهم؟
ولكن ما كان لافتاً في هذه الهجمات أن وسائل الإعلام ومصادر استخباراتية أكدت أن السلطات الفرنسية قد حذرت من الأخوين «كواشي» قبل الهجوم، لافتة إلى المعرفة المسبقة المحتملة للهجمات، وإلى نشاط أحدهما في تجنيد إرهابيين لإرسالهم إلى العراق وسوريا، ما يطرح سؤالاً مهماً عن سبب عدم تحرك القوى الأمنية لإحباط الهجوم قبل حدوثه؟ ولماذا توقفت عن مراقبة المشتبه فيهم؟
وبالرغم من أن الهجوم على شارلي ايبدو كان الأكثر وهجاً، إلا أن الهجوم الآخر على محل بقالة كوشير الذي يبيع منتجات تتوافق مع الشريعة اليهودية لا يقل دلالة.
فما إن عمّ خبر الرهائن في محل البقالة، حتى سارعت «إسرائيل» إلى عرض خدماتها على الفرنسيين. إنها مجرد عملية احتجاز رهائن يمكن أن تحصل في أي وقت آخر، وقد حصلت بالفعل في نفس اليوم في محل مجوهرات في باريس تحديداً، حيث ذكرت الشرطة أن العملية تهدف إلى السرقة وليست ذات بعد إرهابي، وبالتالي إن عملية كهذه يمكن الشرطة أن تتعامل معها، فأي نوع من الخدمات يمكن إسرائيل تقديمها لباريس؟
إن عملية الاحتجاز وقعت في حي يهودي، ولأن المجتمع المهدد مجتمع يهودي، ينبغي لإسرائيل أن تأتي للإنقاذ.
هذا ما أكده رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يوم 9 كانون الثاني/ يناير، حيث تحدث عن وجود وحدة تدخل خاصة اسرائيلية على استعداد للسفر إلى باريس لتعمل بالتنسيق مع نظيراتها الفرنسية لمساعدة السلطات المحلية على معالجة حصار محل بقالة كوشير، وفقاً لصحيفة هآرتس.
فماذا يمكن أن يكون دور قوات الشرطة الإسرائيلية غير ترسيخ مفهوم أن «اسرائيل» هي «الوطن القومي» لليهود، وبالتالي هي معنية بأي حدث يتعلق بهم أينما كان هذا الحدث؟؟!!
دون أن ننسى هدف الدعاية السياسية، فإسرائيل تعرف كيف تقتنص الفرص في أوضاع كهذه، هي وجهت في الواقع رسالة مزدوجة: إن الإسلام عدو لكم، أما نحن فأصدقاء ونمدّ لكم يد المساعدة. يمكن إسرائيل في ما بعد أن تستثمر هذا ضد حماس وحركات المقاومة الفلسطينية.
وفي الواقع، يكفي أن نجمع كلام نتنياهو المتفرق حول هجمات باريس لنحصل على هذه النتيجة:
«هي صورة مصغرة عن معركة أكبر ضد الجهاديين... وجميع من يسعى لتدمير حرياتنا وان يفرض على كل واحد منا العنف والطغيان كما في العصور الوسطى. قد يكون لديهم أسماء مختلفة، ولكن كل منهم تقوده نفس الكراهية والتعصب والتعطش للدماء. انهم من فجر الكنائس في العراق. إنهم من ذبح السياح في بالي. انهم من اطلق الصواريخ على المدنيين من غزة. ويسعون لبناء أسلحة نووية في إيران... علينا أن نقاتل هؤلاء الأعداء من حضارتنا المشتركة».
هذا ما قاله نتنياهو بعد ساعات من الهجوم والدماء لم تجف بعد. إنه يسعى للاستثمار في دماء الفرنسيين.
صحيفة تايمز أوف إسرائيل لا تزال تنوح على ضحايا محل البقالة في كوشير وهي عنونت عددها الصادر يوم السبت (10-1-2015) بأن يهود اوروبا يطلبون الأمن. لكن ما لم تذكره هذه الصحيفة وتغاضت عنه في تقاريرها هو دعم نتنياهو لنشاطات الإرهابيين، وتحديداً جبهة النصرة في مرتفعات الجولان المحتلة.
يقدم نتنياهو نفسه للفرنسيين على أنه يريد مد يد المساعدة، لكنه لا يستطيع انكار دعم حكومته «للجهاديين» في سوريا. وقد اعترف كبار ضباط الجيش الإسرائيلي بأن "عناصر الجهاد العالمي داخل سوريا" معتمدة من قبل «إسرائيل».
وكان نتنياهو قد جال بدايات العام الماضي على مرتفعات الجولان مع وزير الحرب موشيه يعلون ورئيس هيئة الأركان العامة بيني غانتس.
وعند نقطة مراقبة تطل على الحدود السورية، اطلع نتنياهو على وجود عناصر «الجهاد العالمي» داخل سوريا. (جيروزاليم بوست، 19 شباط فبراير 2014)، كما ان صور معالجة جرحى هؤلاء الارهابيين في المستشفيات داخل الكيان الصهوني باتت منشرة وموثقة.
إنها لمن المفارقات أن «إسرائيل» تتعاون مع السلطات الفرنسية في عملية مكافحة الإرهاب في تشارلي ايبدو وبقالة كوشير، بينما تدعم هي أيضاً الجماعات الإرهابية الرئيسية في سوريا. ولكن لمَ لا؟ أليس الشريك الاوروبي والاميركي يفعل الشيء نفسه؟ من حق نتنياهو أن يقول ذلك في يوم من الايام، كما من حق الشعب الفرنسي والاوروبي أن يعرف هذه الحقائق.