تكتيكات العراق لا تثمر مع «طالبان»مي الصايغ
تصعّد إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حاليّاً تدخّلها العسكري في أفغانستان، «مقبرة الإمبراطوريات»، رغم تأكيد عدد من المسؤولين الأميركيّين أنّ تحقيق النصر الميداني مستحيل، وسط تزايد الخسائر الماديّة والبشريّة ومحدودية صبر الرأي العام الأميركي على إطالة أمد هذه الحرب، التي بات ينظر إليها باعتبارها نسخة جديدة من حرب فيتنام.
وبالفعل، بدأ أوباما بسحب بعض الفرق القتالية العاملة في العراق وإرسالها إلى هلمند (جنوب)، حيث ميدان أول عملية قتالية كبيرة، أطلق عليها اسم «عملية الخنجر»، تكون المبادرة فيها بيد الأميركيّين، وهي أيضاً أول تطبيق عملي لتوجهات أوباما السياسية والعسكرية.
وفي السياق، أفردت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً يظهر بالأرقام عزم واشنطن على نقل اهتمامها من العراق إلى أفغانستان. وكشفت أنّه في ظل خفض القوات الأميركية في العراق، سيكون هناك 50 ألفاً من القوات الأميركية في بلاد الرافدين في العام المقبل، غير أنّ العدد سيكون 68 ألفاً في أفغانستان.
وبالتوازي مع هذه التحركات الخشنة، يجري تأكيد لدور التحركات الناعمة، التي تعتمد على محاولات سياسية لإنشاء أوسع تحالف قبلي وسياسي يمكن أن يكون درعاً ذاتياً لحماية الحكومة الأفغانية وقواتها من السقوط في المواجهات الجارية، التي يئس الرئيس الأفغاني حميد قرضاي من تحقيق تقدّم فيها، فصار يتحدث عن المصالحة الوطنية حتى مع المعتدلين من «طالبان».
‏8‏ سنوات مرت على غزو أفغانستان وإسقاط نظام «طالبان». نجحت خلالها الحركة باستعادة جزء كبير من مصادر قوتها العسكرية وتنفيذها عدة عمليات ضد قوات التحالف والمدنيين، وتعزيز وجودها القوي عسكرياً وسياسياً في الجنوب الأفغاني على الحدود مع باكستان،‏ وذلك نتيجة «إساءة التقدير والحماقات التي وسمت التحرك الأميركي في أفغانستان حتى الآن»، على حد تعبير الباحث سيث جونز في كتابه «أفغانستان، مقبرة الإمبراطوريات»، مع تأكيده أنّ سجل واشنطن لا يبشر بالنجاح.
ويفنّد جونز في كتابه ثلاثة أمور يقول إنها مثلت إخفاقات أثرت سلباً في المهمّة، يرجع أبرزها إلى الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان بعد انهيار نظام «طالبان». إذ إنّ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش دفعه هوسه بكسب الحرب في العراق إلى الحفاظ على 8000 جندي أميركي لا غير في أفغانستان في عام 2002، وهو أقل بكثير مما تتطلبه التحديات الأمنية هناك. أما المشكلة الثانية، فتجلت في الانهيار الفعلي للسلطة والحكم في أفغانستان، حيث لم يكن للسلطة المركزية أي تمثيل على مستوى المناطق الريفية وأجزاء واسعة من الجنوب. وتكمن المشكلة الثالثة في حركة «طالبان» وحلفائها، فأميركا لم تهزمها بل اضطرتها إلى التراجع إلى مناطق القبائل الباكستانية المحاذية للحدود الأفغانية، حيث أعادت تجميع قواتها من جديد.
أمّا اليوم مع إعلان أوباما استعداده لتوجيه أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين نحو أفغانستان، فيتساءل بعض الاستخباريين الأميركيين بقلق عما إذا كانت أفغانستان ستتحول إلى «فيتنام أوباما». فأفغانستان هي الحرب التي اختار أن يخوضها كما فعل غيره في فيتنام وكمبوديا ولاوس والعراق، متهمين «الرؤساء الأميركيين بأنهم لا يتعلمون من دروس حروب مثل حرب فيتنام مثلاً، أو يتعلمون في أسوأ الأحوال الدرس الخطأ».
ويبدو أنّ الولايات المتحدة تكرر الخطأ نفسه في أفغانستان، ولا تدرك أنّ الحرب هناك يمكن أن تستمر عقوداً وتستنزف كل طاقاتها وإمكاناتها، ورغم أنّ الرأي العام الأميركي قد يتقبّل استمرار هذه الحرب لفترة زمنية محدّدة، فإنه سينقلب عليها، إذا لم يلمس نتائج حاسمة.
فالقوات الأميركية تواجه عقبات كبيرة، ومقاومة لم تكن تتوقّعها في هلمند ، حيث بات جنود من مشاة البحرية «المارينز»، الذين شاركوا في الحرب على العراق واشتركوا في عمليات قتالية في منطقة الأنبار العراقية، يلاحظون فرقاً كبيراً في التكتيكات. إذ وصف بعض قدامى المقاتلين في العراق «العدوّ الأفغاني» بأنه أكثر شراسةًً وعناداً وجرأةً، رغم قلة الأسلحة المتوافرة لديه.
إن قوات التحالف تهدف من وراء هذه العمليات العسكرية إلى وقف زخم «طالبان» وتهيئة الظروف، إن لم يكن للنصر، فلحالة من الجمود تقتنع من خلالها أعداد متزايدة من مقاتلي الحركة وقادتها بأنهم غير قادرين على تحقيق النصر الميداني على القوات الأميركية وقوات التحالف.
كذلك تدرك إدارة أوباما جيداً محدودية شهية الأميركيين لحرب أخرى طويلة الأمد ضد التمرد.
ومن الواضح أن إحراز التقدم في أفغانستان لا يزال بعيد المنال، وحتى من يدافعون عن استراتيجية احتلال مناطق المتمردين والتمسك بها كما حصل في العراق، يعترفون بأنّ مثل هذه الاستراتيجية لن تؤتي ثمارها في أفغانستان إلا بعد سنوات. ويبقى أنّ التاريخ الأفغاني حافل بقصص تدمير الغزاة، فهل ستتمكّن إدارة باراك أوباما من أن تتحدى مجرى التاريخ في هذا البلد عبر إخضاع «مقبرة الإمبراطوريات»، أم أنها ستكون رابع إمبراطورية تبتلعها أفغانستان؟


«الشعب الأفغاني يقرّر من يربح»وقال «حماية الشعب الأفغاني هي المهمة. الشعب الأفغاني سيقرر من يربح في هذا القتال، ونحن القوات الأطلسية بالتعاون مع الحكومة الأفغانية نجهد للحصول على دعمهم». وطالب قائد قوّات التحالف الجنود الدوليين «بالتخلص من العقلية التقليدية. والتركيز على الناس، لا على المتمردين»، واصفاً القوات الأجنبية بـ «ضيوف الأفغان». وأضاف «فكروا قبل أن تتصرفوا، انظروا إلى أفعالكم في عيون الأفغان. إذا سبّبتم أذية المدنيين الأفغان، سيمثّل ذلك بذور هزيمتنا».
في هذه الأثناء، قُتل جنديان أميركيان خلال معارك في أفغانستان، ما يرفع عدد الجنود الأميركيين القتلى إلى 45 خلال الشهر الجاري.
(أ ب، رويترز، أ ف ب)