بوينس أيرس | أنهى مرشحو الرئاسة الأرجنتينية حملاتهم الانتخابية بانتظار يوم الفصل الرئاسي، إذ سيدلي أكثر من 32 مليون أرجنتيني بأصواتهم، غداً، لانتخاب خلف للرئيسة الحالية كريستينا فرنانديز كريشنر، التي أتمت ولايتين كاملتين، من عام 2007 وحتى 2015.
الاستطلاعات تشير إلى تفوّق مرشح الموالاة دانيال سيولي، الذي يشغل منصب حاكم محافظة بوينس أيريس، أغنى المحافظات الأرجنتينية، من دون أن تجزم بقدرته على حسم المعركة، خلال الجولة الأولى التي يحتاج فيها إلى ما لا يقل عن 45 في المئة من الأصوات للفوز، أو تحقيق 40 في المئة من الأصوات، شرط أن يكون الفرق بينه وبين ثاني المتنافسين، عشر نقاط على الأقل. المعارضة ترى أنّ هذا الأمر شديد الصعوبة، وهي تراهن على الجولة الثانية التي سيواجه فيها سيولي رئيس بلدية العاصمة بيونس أيريس ماوريسيو مارسي.
تأتي هذه الانتخابات على وقع برنامجين انتخابيين أساسيين، الأول يحمله مرشح إرث آل كريشنر، الذين حكموا البلاد منذ عام 2003، واعداً بالحفاظ على سياسات الحمائية الاقتصادية، التي ساعدت الأرجنتين على الصمود أمام أعتى الأزمات الاقتصادية التي واجهتها البلاد، والتي أطاحت خمسة رؤساء في أقل من أسبوعين، قبل تسلّم آرنستو كريشنر للسلطة ونجاحه في السيطرة على الأزمة، بعد اتخاذه إجراءات حمائية أهمها تعزيز الإنتاج المحلي والتضييق على الاستيراد والمراقبة الشديدة للتحويلات المالية الخارجية. وهذه السياسة حافظت عليها أرملتة كريستينا فرنانديز، بعد تسلّمها مقاليد الرئاسة عام ٢٠٠٧.

مرشح المعارضة يحمل شعار التغيير منتقداً ما سماه الجمود الاقتصادي

أما مرشح المعارضة، فيحمل شعار التغيير منتقداً ما سماه الجمود الاقتصادي وسياسات السيطرة على الأزمة، بدل اتخاذ المبادرات لإخراج الاقتصاد إلى مراحل التطوير والإنماء. الاستطلاعات الأخيرة أظهرت أن غالبية الأرجنتينيين لا يميلون إلى التغيير الحاد في السياسات الاقتصادية، خوفاً من العودة إلى كابوس الانهيار الشامل، الذي شهدته البلاد قبل 14 عاماً، وما زالت ارتداداته حتى الساعة. خوف دفع بالأرجنتينيين إلى تأييد السياسات الواقعية والهادئة التي تتبعها الحكومة الحالية، وهو الأمر الذي أفقد المعارضة نقطة الجذب الأساسية، وخصوصاً أنها اعتمدت على وعود إنمائية واقتصادية يعدّها الكثيرون مجرد برنامج لا يحاكي الواقع الحالي لمقدرات البلاد.
رهان المعارضة على الجولة الثانية، يقابله ارتياح للموالاة التي ترى أن المواجهة الثانية ستكون محسومة سلفاً، فالاستطلاعات تشير إلى صب قسم لا بأس به من الأصوات، التي سيحوزها المرشحون الأربعة في الجولة الأولى لمصلحة سيولي. أما الأسباب وراء ذلك، فتعود إلى الخوف من المغامرات الاقتصادية التي قد يقدم عليها مارسي، والتي لا تلاقي استحساناً عند مؤيدي المرشحين الآخرين.
وبينما تسلَّط الأضواء على المواجهة شبه المؤكدة بين سيولي ومارسي، يذهب بعض المراقبين إلى احتمال حدوث مفاجأة من العيار الثقيل، تتمثل في كسر المرشح الثالث سيرجيو ماسا لكل التوقعات، وهو الشخصية الصاعدة التي تؤرق الطرفين على حد سواء، ذلك أن ماسا كان حليفاً أساسياً للحزب الحاكم، وما زال يتمتع بتأييد لدى تيار لا بأس به من الموالاة. أما المعارضة، فتخشى من جذب ماسا لأصوات المترددين، وبالتالي التفوق على مارسي وانتزاع المواجهة الثانية في الثاني والعشرين من تشرين الثاني المقبل. عندها، سيتراكم الحساب الصعب أمام مرشح الحزب الحاكم دانيال سيولي.
في المشهد الانتخابي الأرجنتيني، استحوذ الملف الاقتصادي على النقاش السياسي، من دون أن تغيب الملفات الأخرى، وأهمها السياسات الخارجية التي أعطت زخماً لمرشح الموالاة، الذي وجد في التأييد الشعبي للسياسات الحالية رافعة مضمونة لمواجهة برنامج المعارضة. زخم اعتمد في الأساس على الخطاب السيادي مستفيداً من التغييرات الإستراتيجية على الساحة الدولية، في ظل تراجع النفوذ الأميركي وصعود الحليف الروسي. ولم ينسَ سكيولي تأكيد حق الأرجنتين في استعادة جزر المالفيناس المحتلة من قبل بريطانيا، وهو ما يلقى تأييداً واسعاً من قبل الأرجنتينيين. أما المعارضة التي فضلت الكباش الاقتصادي، فلم تذهب بعيداً في النقاش السياسي حيث أن رئاسة الأرجنتنين لا تحتمل الانقلاب على المضمون الوطني، الذي أسسته فاتحة عهد الاستقلال الجديد كريستينا كريشنر.