إسطنبول | هدّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، ومن قبله الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية، فريدون سينيرلي أوغلو، واشنطن وموسكو وكل من يقدّم الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري ووحدات الحماية الشعبية التابعة له. وقال داوود أوغلو أمام تجمّع انتخابي في مدينة بورصة إن بلاده ستردّ بحزم على كل من يستهدف تركيا عبر الأراضي السورية، مضيفاً أن «الديمقراطي الكردستاني» السوري هو امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي، وأن كليهما «إرهابي»، حالهما حال من يقدّم الدعم لهما.
وجاءت هذه التهديدات بعد ورود المعلومات عن إنزال 50 طناً من الأسلحة والمعدات العسكرية الأميركية لقوات المعارضة السورية، بما فيها وحدات الحماية الشعبية الكردية، قرب مدينة الحسكة السورية. وكانت وزارة الخارجية التركية قد استدعت السفيرين الأميركي والروسي، لإبلاغها موقف أنقرة من أي دعم أميركي أو روسي للميليشيات الكردية السورية، خاصة بعد تصريحات لمسؤولين أميركيين وروس، أعلنوا فيها التنسيق والتعاون مع هذه الميليشيات في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
ورأت أوساط دبلوماسية التهديد والوعيد التركي جزءاً من الحرب النفسية الدائرة بين أنقرة وكل من واشنطن وموسكو، على خلفية التطورات الأخيرة في سوريا، وخاصة تشكيل ما سُمي «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تضم نحو 12 فصيلاً كردياً وعربياً وتركمانياً وآشورياً في منطقة الحسكة، في سياق الاستعداد لتحرير مدينة الرقة، «عاصمة» تنظيم داعش. وتسعى أنقرة، من خلال تحركها الدبلوماسي، إلى إقناع واشنطن بضرورة الاعتراف لأنقرة بدور أكثر فعالية في معادلات سوريا المستقبلية، خاصة بعد مجيء الروس إلى سوريا، وما قدمته تركيا من تنازلات لحليفتها أميركا، كما للدول الأوروبية. فقد وافقت أنقرة، بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الأميركي، باراك أوباما مع أردوغان في 19 تشرين الأول من العام الماضي، على مرور قوات البشمركة العراقية عبرر الأراضي التركية إلى مدينة عين العرب (كوباني)، خلال الحرب مع داعش. كذلك سمحت أنقرة بعد اتصال آخر أجراه أوباما مع أردوغان في 23 تموز الماضي، للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة «أنجيرليك» الجوية، فضلاً عن ثلاث قواعد تركية، لشن عملياتها الجوية على سوريا، ولاحقاً العراق. ويذكر الجميع أن أنقرة حاولت مراراً إقناع زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري، صالح مسلّم، بضرورة التمرد على النظام في سوريا.

تسعى أنقرة إلى انتزاع دور أكثر فعالية في معادلات سوريا المستقبلية
واستُضيف مسلّم في إسطنبول وأنقرة مرات عدة بعد آذار 2011؛ كذلك زار وزير الخارجية آنذاك، أحمد داوود أوغلو أربيل، والتقى مسلّم هناك، في محاولة لكسبه إلى جانب المعارضة السورية. ورافق داوود أوغلو حينها وزير الخارجية الحالي، فريدون سينيرلي أوغلو، ورئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض، عبد الباسط سيدا، وهو كردي، ومعه رئيس الحكومة السورية المؤقتة، غسان هيتو، وهو كردي أيضاً. وحضر الاجتماعات رئيس إقليم «كردستان العراق»، مسعود البرزاني، الذي فشل هو أيضاً بإقناع مسلّم، الذي قال لهؤلاء جميعاً إن حزبه لن يتمرد على النظام، ولا يريد مشاكل مع النظام، بل هو يناضل من أجل الحقوق الديمقراطية للأكراد، فقط.
وجاءت أحداث عين العرب لتدعم موقف مسلّم ووحدات حماية الشعب الكردي، التي حصلت خلال الأحداث وبعدها على مساعدات عسكرية مباشرة وغير مباشرة من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن قيام خبراء عسكريين من الدول المذكورة بتدريب الوحدات. واستقبل الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، في قصر الإليزيه، في 12 آذار من العام الجاري كلاً من آسيا عبد الله، الرئيسة المشتركة للاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ونسرين عبد الله، قائدة الوحدات النسائية للحزب الذي يعرف الجميع أنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، الذي يتزعمه عبدالله أوجلان.
ويتوقع الكثيرون لهذا الحزب وجناحه السياسي، حزب الشعوب الديمقراطي، أن يواجه تحديات مهمة جداً خلال المرحلة القادمة، داخل تركيا وفي علاقاته الإقليمية والدولية. وتدفع هذه الاحتمالات الثنائي أردوغان - داوود أوغلو لاتخاذ تدابير استباقية لمواجهة كل الاحتمالات، وهو ما يفسر التهديدات التي يطلقها الثنائي، أولاً ضد صالح مسلّم، وثانياً ضد كل من يقف إلى جانبه، بمن فيهم الأميركيون والروس والفرنسيون والبريطانيون، وكأنّ تركيا تستعد لحرب عثمانية جديدة مع جميع هذه الدول؛ ولكن عليها قبل ذلك أن تصفّي حساباتها مع الأكراد في الداخل، قبل سوريا والعراق.