المطارات تشدّد إجراءاتها الأمنية وتُعيد «الماسح الضوئي»
باريس ــ بسّام الطيارة
كشفت محاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية ليلة عيد الميلاد، فوق ديترويت، النواقص في إجراءات حماية الطيران المدني، وقلبت مفاهيمها، وهي فتحت عيون المسؤولين على ضرورة إعادة نظر شاملة في مفهوم الأمن في كل الإجراءات المتّبعة في المطارات، لا على باب الطائرة كما يحصل اليوم.
ورأى مراقبون أن القرارات التي خرجت فور إعلان فشل المحاولة، مثل منع الركاب من مغادرة مقاعدهم قبل ساعة أو ساعتين، «قرارات ردّ فعل» لا تجدي نفعاً. وتساءل أحد الخبراء في هذا الشأن «ما الذي يمنع إرهابياً من تفجير الطائرة قبل ساعتين وخمس دقائق؟».
وعلمت «الأخبار» أن وزير الداخلية الفرنسي بريس هورتفو، المقرّب من الرئيس نيكولا ساركوزي، يستعد، سريعاً، لطرح حزمة من القرارات على الاتحاد الأوروبي بهدف توحيد النظم والإجراءات في المطارات الأوروبية التي تمثّل «قاعدة انطلاق أو ترانزيت» لكل محاولات الهجوم الإرهابية على الولايات المتحدة.
وبحسب أكثر من مصدر، فإن هذه النظم الجديدة ستدور حول أربعة مرتكزات:
١ ـــــ تبادل مكثّف للمعلومات بين الأجهزة الأمنية الأوروبية.
٢ ـــــ طلب ملء استمارة معلومات مفصلة عن المسافرين حال شراء بطاقة السفر وإرسالها إلى جهاز أمني موحّد يمكنه إجراء «تقاطع للمعلومات» بين جميع أجهزة الأمن الأوروبية. والجديد أن حقل المعلومات قد وُسّع كثيراً ليشمل وسيلة الدفع وكل عناوين المسافر في بلد الانطلاق: الهواتف والعناوين الإلكترونية (لإجراء مراقبة أوتوماتيكية والبحث عن كلمات محددة في مراسلات قد تعود إلى أيام أو أشهر إلى الوراء) مع تقديم أسماء أو اسم المستقبل في بلد الوجهة، إضافة إلى عناوينه الكاملة. يضاف إلى ذلك بعض الأسئلة التي يمكن أن تدل على «معتقداته الدينية أو أصوله الإثنية» مثل نوعية الأطعمة المحرمة منها ونوعية المشروبات التي يمكن أن يطلبها على الطائرة.
٣ ـــــ توسيع رقعة لائحة «الدول التي يمثّل حاملو جنسيتها خطراً محتملاً»، إذ إن عدداً من الدول التي كانت مستثناة باتت تحت أضواء المتابعة، مثل نيجيريا اليوم. فبعدما كانت اللائحة تضم ٧ بلدان من المتوقع أن تطال ٣٠ بلداً.
٤ ـــــ تغريم شركات الطيران التي ترفض التقيّد بهذة الإجراءات بدءاً من مطلع السنة الجديدة. ويتحدث البعض عن غرامة قد تبلغ ٥٠ ألف يورو عن كل مسافر تنقله شركة الطيران من دون إخضاعه لهذه الشروط. ويقول الخبراء إن هذه الإجراءات، التي تتعدى بشكل فاضح على الحريات الشخصية وتطال الحياة الخاصة والحميمة لبعض الأشخاص وتصل إلى حدود العنصرية، لن تكون كافية لردع إرهابي يمكنه أخذ الحيطة مسبقاً والتحايل في مراسلاته أو في مسلكه العام. فالأساس هو «منع وصول مواد خطرة إلى داخل الطائرة»، وهو ما يطرح مسألة زيادة أجهزة التفتيش الإلكترونية المتطورة، التي بدأت بدورها تثير أكثر من جدال. أجهزة أصلاً كانت موجودة في مطار أمستردام الذي سافر منه النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، لكنها لم تكن قيد الاستعمال. إلا أن وزيرة الداخلية الهولندية جوسي تير هورست، أعلنت أمس أن مطار سخيبهول في أمستردام سيبدأ باستخدام أجهزة المسح الضوئي للجسم بأكمله في غضون ثلاثة أسابيع للرحلات الجوية المتجهة إلى الولايات المتحدة. وأوضحت الوزيرة «أن تجهيز الطائرات ببرناج معلوماتي جديد سيتطلّب ثلاثة أسابيع»، وذلك يسمح بالقيام بعمليات التفتيش من دون تدخل بشري لعدم إفساح المجال أمام إثارة شبهات بالتلصّص.
الإعلان الهولندي سيكون مجرد بدايه لتتبعه باقي المطارات الأوروبيّة، وربما العالمية. والواقع أن استعمال أجهزة كشف متطورة مثل الـ«سكانر» التي «تعرّي المسافر» حين يمر عبر مقصورة الكشف، والتي تعدّ «فعالة»، قد تكون عرضة لشكوى المسافرين بحجة «كشف أجسامهم» للمراقبين. وكان البرلمان الأوروبي قد شهد قبل أشهر معركة حامية لإقرار استعمال السكانر، وقلبت مداخلة النائب الألماني فولفغان كريسل دورفلر، الذي قال فيها إن «هذه الأجهزة تكشف على الأعضاء الجنسية ويمكنها التمييز بين امرأة ذات صدر كبير أو صغير»، توجّهات النواب. فجاءت نتيجة التصويت رفض هذه الأجهزة بـ٣٦١ صوتاً في مقابل ١٨١ صوتاً وامتناع ١٦ عن التصويت.
في المقابل، فإن استعمال مقصورات منفصلة للرجال والنساء، بحيث تُفصل المسافرات عن المسافرين، واستخدام مفتشات ومفتشين لكل فئة، قد يكون صالحاً. إلا أن التكاليف يمكن أن تكون باهظة جداً بسبب ازدواج التجهيزات وعدد العاملين عليها، إضافة إلى زيادة الوقت الضائع قبل الإقلاع. كذلك يرى البعض أن بعض منظمات حقوق الإنسان يمكنها أن تحتج وترفع دعاوى، إما بسبب التعدّي على الخصوصيات أو ربما بسبب «التمييز بين المرأة والرجل». يضاف إلى ذلك أن موجة من الاحتجاجات على استعمال هذه الأجهزة المتطورة انطلقت لأسباب اقتصادية بحتة. فقد رأى النائب الفرنسي شارل دو كورزون أن الولايات المتحدة «تدفعنا لشراء هذه الأجهزة لأنها تصنعها»، وتبلغ تكلفة الجهاز الواحد مليون دولار، بينما يبلغ ثمن أجهزة الأشعة إكس ٥٠ ألف دولار «وهي صناعة أوروبية». وفي انتظار إيجاد حل ناجع، يظل الحظ هو الحليف الأول لمنع الأعمال الإرهابية. ويتفق خبراء الإرهاب على أن عدوّ الأمن والسلامة هو «علم الاحتمالات». ويفسّرون أن إحباط «كل محاولات» التفجير الإرهابية لا يعني اليقين بإمكان دوام «لعبة الحظ هذه»، إذ يكفي أن تفوت فرصة واحد لتحصل الكارثة.


غموض وتستّريشار إلى أن صناعة الطيران ونقل المسافرين تمثّل ١٥ في المئة من الناتج العالمي، وتؤدي دوراً رئيسياً في السياحة، وأي خبر مشؤوم بشأنها يمكن أن يترك انعكاسات كبيرة على النظام الاقتصادي العالمي المتردّي أصلاً اليوم.