موسكو ــ حبيب فوعانيوبدأت القصة في بداية سنوات التسعينيات الروسية العجاف من القرن الماضي، عندما شرعت الولايات المتحدة بتصدير أفخاذ الدجاج إلى روسيا بأسعار بخسة، سمّاها المواطنون الروس «أفخاذ بوش» (نسبة إلى جورج بوش الأب). وإذا كانت هذه اللحوم قد ساعدت العائلات الروسية على تجاوز المرحلة الانتقالية الصعبة، فإنها جعلت أيّ حديث عن تطوير صناعة لحوم الطيور المحلية المنهارة من دون معنى، بسبب الأسعار الرخيصة لمثيلاتها الأميركية المستوردة.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت «أفخاذ بوش» رمزاً للإهانة لدى مواطني الدولة العظمى السوفياتية السابقة، الذين أصبحوا رهينة لصدقات العم سام.
وبعد اعتلاء فلاديمير بوتين سدة الرئاسة عام 2000، وضعت السلطات الروسية قيوداً كثيرة على استيراد اللحوم الأميركية لمساعدة المنتجين المحليين، الذين قدمت دعماً كبيراً إليهم، ما جعل المواطنين يتندّرون بالقول إن السلطات الروسية تريد استبدال «أفخاذ بوتين» بـ«أفخاذ بوش».
وأصبح الإنتاج الوطني الآن يغطي 75 في المئة من حاجات السوق المحلية، فيما تستورد روسيا الـ25 في المئة الباقية من الخارج، 80 في المئة منها من الولايات المتحدة.
ويتّهم الخبراء الغربيون موسكو باستخدام لحوم الطيور سلاحاً دبلوماسيّاً ضد واشنطن. ويذكِّرون بأن موسكو فرضت حظراً عام 2002 على استيراد هذه اللحوم، ردّاً على زيادة السلطات الأميركية الرسوم على استيراد الفولاذ الروسي.
وبعد العدوان الجورجي على أوسيتيا الجنوبية، في صيف 2008، فرضت حكومة بوتين حظراً على استيراد اللحوم من 19 مزرعة أميركية لتربية الدواجن، لاحتواء لحومها على نسب تفوق الحد المسموح به من مادة الزرنيخ، إضافةً إلى العصيات المعوية وغيرها من الميكروبات الضارة.
ومن ناحيتهم، يتهم المسؤولون الروس واشنطن بعرقلة انضمام روسيا إلى منظّمة التجارة العالمية.
وهناك حجر عثرة آخر في العلاقات الأميركية الروسية يتمثّل في التعديل، الذي أدخله السيناتور هنري جاكسون والنائب تشارلز فينيك في عام 1974 على قانون التجارة الأميركي. وقد وضع التعديل قيوداً على التجارة مع الاتحاد السوفياتي بسبب تقييده حرية تنقّل اليهود السوفيات. ومع أن الاتحاد السوفياتي انهار وأصبح مليون سوفياتي من مواطني إسرائيل، فإن هذا التعديل يبقى نافذ المفعول، رغم أن الرئيس الأميركي يعلّق تطبيقه كل عام بعد التحقّق من «السلوك الحسن» لموسكو.
ولم يستطع الرئيسان بيل كلينتون وجورج بوش الابن إلغاءه في الكونغرس بسبب معارضة اللوبي النافذ لمصدّري الدجاج، الذين يريدون الاحتفاظ به لكي لا يمتنع الروس عن «أفخاذ بوش»، بينما ألغى الكونغرس التعديل بالنسبة إلى الجمهورية السوفياتية السابقة أوكرانيا.
بيد أن روسيا ملّت هذه اللعبة على ما يبدو، وها هي ترسل إشارة واضحة إلى باراك أوباما أنه بالإمكان الاستغناء عن اللحوم الأميركية.