اجتماع مقتضب استضافته لندن أمس للبحث في مشاكل اليمن، تخللته رسالة دعم واضحة، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، للنظام في صنعاء، اشترطت مقابلها الدول المشاركة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الملحّة
جمانة فرحات
ساعتان فقط كانتا من نصيب اليمن ومشاكله التي لا تعدّ ولا تحصى، في ما يشبه طاولة مستديرة استضافتها لندن أمس للتباحث في التحديات التي يعاني منها هذا البلد وسبل مساعدته على تخطّيها.
والاجتماع الذي ترأسه وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليبابد وشاركت فيه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى جانب عدد من ممثّلي الدول الأوروبية والعربية، ركّز في نقاشاته على ثلاث نقاط رئيسية، في مقدّمها مسألة مكافحة الإرهاب المتمثّل بتنظيم «القاعدة»، إلى جانب ضرورة معالجة المشاكل الاقتصادية والسياسية، وأسباب فشل الحكومة اليمنية في توفير الخدمات الأساسية وبسط سيطرتها على أراضيها.
وكان البيان الختامي للاجتماع، الذي عقد على عجل وعلى هامش الإعداد لمؤتمر أفغانستان، واضحاً لجهة تجديد الدعم لليمن في مواجهة حربه المستجدة على تنظيم «القاعدة».
مواجهة تحولت إلى إجماع الدول المشاركة على دعم المبادرات التي اتخذتها الحكومة اليمنية لتعزيز قدراتها في مكافحة الإرهاب، وتعزيز أمن الحدود البرية والجوية والطيران، قابلها إجماع على أهمية تعزيز الإصلاحات ومكافحة الفساد.
هذه المواجهة باتت في نظر الدول الغربية ودول الجوار اليمني تلزمهم بتقديم مساعدات مالية وعسكرية، سعياً وراء انتشال البلاد من براثن الانهيار، والتحول من دولة هشة تفتقر إلى العديد من مقوّمات الحياة إلى دولة فاشلة، وإلى مركز جديد للإرهاب غير مرغوب فيه الآن، في ظلّ تردي الأوضاع في أفغانستان وباكستان.
إلا أن خطورة «القاعدة» لا توازي خطورة المشاكل التي يتخبّط فيها اليمن وأهمية معالجتها، وخصوصاً أن التنظيم يحسن استغلال هذه الأوضاع المتردية لتسهيل عمليات التجنيد والتغلغل في المجتمع. وهو ما يبرر تركيز المجتمعين على أهمية محاربة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى مشاكل إدارة الحكم وغياب العدالة وإنفاذ القانون التي تخلق في نظرهم تربة خصبة للمتشددين.
هذه المتطلبات تدركها الحكومة اليمنية، وباتت اليوم على ما يبدو أكثر انفتاحاً لتطبيقها. ولذلك جاء اعتراف الحكومة اليمنية في البيان بأن «التحديات في اليمن آخذة في التنامي، وإذا لم تعالج فستهدد استقرار البلاد والمنطقة الأوسع». وأكدت «الحاجة الملحّة إلى التعامل مع هذه القضايا التي تتطلب انخراطاً مستداماً ومركزاً»، وأشارت إلى أنها ستواصل المحادثات مع صندوق النقد الدولي في إطار برنامجه الإصلاحي.
إصلاح أراد وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، الذي يشارك في الاجتماع ضمن وفد يترأسه رئيس الوزراء علي مجور، ربطه بشروط للرئيس علي عبد الله صالح، المتيقن من أن الدول الغربية، على الرغم من ضعف حكمه، ليس أمامها من خيار سوى العمل معه على الأقل في المرحلة الراهنة.
وشدد القربي، قبيل انعقاد الاجتماع، على أهمية الحصول على دعم سياسي تنشده صنعاء لمواجهة التمرد الحوثي في شمال البلاد والحراك الجنوبي الساعي إلى الانفصال في الجنوب، والذي طالب عدد من قياداته أمس، ومن بينهم الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي سالم البيض، بدعم «حق تقرير المصير» لليمنيين الجنوبيين، وهو ما رفضته بطريقة غير مباشرة الدول المشاركة بإعلانها دعم اليمن الموحّد، واحترام سيادته واستقلاله، والالتزام بعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
ووسط الشروط الدولية واليمنية المتبادلة، تبقى حقيقة أن اليمن يعاني من الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، إضافة إلى سلسلة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. ويعيش نحو 59 في المئة من سكانه، الذين يبلغ عددهم نحو 24 مليون نسمة، تحت خط الفقر، فيما يعيش نحو 42 في المئة من السكان بدخل يومي لا يتعدى دولارين.
ويعتمد الاقتصاد اليمني كثيراً على العائدات النفطية، بنسبة تصل إلى 77 في المئة. وأحدث الانخفاض الكبير في أسعار النفط بعد الأزمة المالية العالمية تدهوراً كبيراً في مداخيل الدولة، ما انعكس انخفاضاً في الإنفاق الاجتماعي.
كذلك يواجه اليمن تحديات اجتماعية ملحّة، تبدأ بغياب الرعاية الاجتماعية والصحية عن معظم مواطنيه، مروراً بمعدلات البطالة القياسية التي تصل إلى 40 في المئة، وصولاً إلى معاناته من أزمة مياه حادة ستتفاقم خلال السنوات المقبلة، التي يتوقع معها تضاعف عدد السكان خلال العشرين سنة المقبلة.
وفي خضم هذه الأوضاع، يعتمد اليمن اعتماداً كبيراً على المساعدات الخارجية. وتأتي السعودية في مقدمة الدول التي تمنح اليمن معونات، إلا أن حجمها غير معلن، وتقدر بـ300 مليون دولار سنوياً. كذلك تتولى الولايات المتحدة إلى جانب بريطانيا تقديم عشرات الملايين لليمن سنوياً.
وهذه المساعدات التي يتوقع أن ترتفع وتتواصل لسنوات طوال، ستكون منذ الآن مرتبطة بشروط أكثر صرامة من قبل الجهات المانحة، للتأكد من أنها ستُستثمر في المكان المناسب بعيداً عن جيوب المسؤولين.
وإذا كان الاجتماع فرصة لليمن للحصول على وعود بالمزيد من المساعدات والدعم، فإنه مثّل في المقابل فرصة لبريطانيا لاستعادة دور افتقدته منذ زمن في هذا البلد، الذي كان خاضعاً لاستعمارها. فرصة حاولت الخارجية البريطانية، إلى جانب سفيرها في صنعاء تيم تورلو، إبعادها، عبر نشر الأخير مقالاً في الصحف اليمنية أكد فيه أنه في 30 تشرين الثاني 1967 غادرت القوات البريطانية اليمن للمرة الأخيرة بعد 130 عاماً، ليمثل هذا التاريخ نهاية للعلاقة الاستعمارية بين اليمن وبريطانيا، وبداية لعلاقة من التعاون لا يتضمنها على حدّ قوله أي خطط «لتقسيم اليمن أو إعادة استعماره أو بناء قواعد عسكرية أو احتلاله»، في ردّ غير مباشر على وجهاء قبائل اليمن الذين حذر بعضهم من اتفاقية سايكس ـــــ بيكو جديدة تستهدف اليمن.