للمرة الثانية خلال عقد، يحاكَم المعارض الماليزي أنور إبراهيم بتهمة المثليّة الجنسية. تهمّ يعتقد البعض أنّ هدفها الانتقام السياسي
ديما شريف
تبدأ اليوم في العاصمة الماليزية كوالالمبور، محاكمة النائب السابق لرئيس الوزراء، أنور إبراهيم، بتهمة «الانحراف والمثلية». تهمة كيديّة، كما يقول إبراهيم، الذي تلاحقه السلطة منذ سنوات، أي منذ انقلب على الحزب الحاكم في نهاية التسعينات، وأسّس حزبه الخاص.
يعدّ إبراهيم اليوم من الأشخاص الأكثر إثارةً للجدل في ماليزيا بسبب خلافاته المستمرة مع التحالف الحاكم، الذي يحاول كبح طموحاته عبر تهم فساد ومثليّة جاهزة له دوماً.
برز إبراهيم خلال دراسته الجامعية، وخصوصاً بعدما أصبح رئيساً للجمعية الوطنية الإسلامية الماليزية للطلاب، بين عامي 1968 و1971. كما كان وقتها رئيساً لمجلس الشبيبة الماليزية، ونظّم تظاهرات عدّة ضد الفقر والجوع، واعتُقل فترةً لهذا السبب.
شهرته خلال السبعينات مهّدت لدخوله إلى الحزب الحاكم «المنظمة الوطنية للوحدة الماليزية» (UMNO) في 1982 ليصبح بعد سنة فقط وزيراً للثقافة والرياضة والشباب. وتنقّل في الثمانينات بين وزارتي الزراعة والتعليم.
في بداية التسعينات، حين كان لا يزال مرضيّاً عنه، عيّن وزيراً للمالية ليصبح في 1993 نائباً لرئيس الوزراء. كان الجميع يتوقّع أنّه سيصبح رئيساً للوزراء في بضع سنوات، وخصوصاً مع علاقته الوطيدة جداً برئيس الحكومة آنذاك مهاتير محمد، التي وُصفت بأنّها تشبه علاقة الأب بابنه.
وفعلاً، عيّنه محمد رئيس وزراء مؤقتاً ليحل مكانه لمدة شهرين أخذهما إجازة في منتصف التسعينات. بعد ذلك بدأت انتقادات إبراهيم. اتهم حزبه بأنّه يشجّع المحاباة والمحسوبيات في توزيع المناصب الحكومية والإدارية. وقال آنذاك إنّ المحاباة هي من أبرز أسباب الفساد في بلاده. ابتعد شيئاً فشيئاً عن حزبه حتى طُرد منه وسط الأزمة المالية العالمية التي لحقت بماليزيا، بعدما ضربت (الأزمة) النمور الآسيوية الأربعة (تايوان وسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية) في 1997 ـــــ 1998.
وقبل طرده من الحزب، حصل الصدام الأكبر مع مهاتير محمد نتيجة إجراءات إبراهيم، وزير المالية آنذاك، لمواجهة الأزمة. وبعدما أصبح خارج الحزب، رفعت عليه دعوى الفساد و«سوء السلوك الجنسي».
لم يُضع إبراهيم الوقت وأسّس مع زوجته حزب العدالة الشعبية (كاديلان)، ونفى كلّ التهم الموجّهة إليه، وبدأ حملة الدفاع عن نفسه.
في 1999 حكم عليه بالسجن ست سنوات بتهمة ممارسة الجنس مع سائقه، في محاكمة غريبة عدّها العديد من المراقبين مفبركة للأدلّة التي قدّمها الادعاء، ولم تقنع أحداً من مناصري إبراهيم ومنتقديه على السواء. أثناء سجنه قبل المحاكمة، تعرّض للتعذيب في السجن، وظهر في المحكمة بكدمة حول عينيه، ورضوض على ذراعيه، وهو لا يزال يعاني حتى اليوم مشاكل في ظهره نتيجة الضرب الذي تعرّض له، كما يقول.
اليوم يبدو أنّ المحاكمة الجديدة بتهمة ممارسة الجنس مع مساعده، سياسية أيضاً، بعدما استطاع حزبه والتحالف الذي يقوده أن يلحق بالحزب الحاكم وبحلفائه هزيمة معنوية. إذ فاز بـ88 مقعداً في الانتخابات التشريعية في 2008 ليكسر احتكار «المنظمة الوطنية للوحدة الماليزية» لأكثر من ثلثي المقاعد في مجلس النواب منذ خمسين عاماً.
وحاول إبراهيم تأجيل الدعوى القضائية شهوراً لأنّه لم يستطع حتى اليوم الاطّلاع على كلّ الأدلة التي سيقدّمها المدعي العام في المحاكمة، كما يقول محاميه.
وحين قرر القاضي الشهر الماضي تحديد اليوم لبدء المحاكمة، قال إبراهيم إنّه لم يفاجَأ. وأضاف إنّ «الطريقة التي جرت بها الأمور مقلقة، ويبدو أنّ المعركة ستكون صعبة».
والغريب في الأمر أنّ أطباء من جهة مستقلة، وأطباء عيّنتهم الحكومة لم يجدوا دليلاً طبياً يؤكّد الاعتداء الجنسي على مساعد إبراهيم، محمد سايفول أزلان، حين فحصوه. وحين جرت مواجهة الادعاء بهذه الحقيقة من جانب الصحافة والرأي العام، قيل إنّهم يملكون أدلّة إضافية.
وقال الطبيب محمد عثمان، الذي فحص أزلان للمرة الأولى حين أدعى أنّه يعاني آلاماً بعدما اعتدى عليه «شخص مهمّ» في حزيران 2008، إنّه لم يجد أيّ دليل على الاعتداء. وسرعان ما ألقت الشرطة القبض على عثمان واحتجزته، وحاولت إقناعه بتغيير إفادته، كما قالت صحيفة «ماليزيا توداي»، لكنّ الشرطة ردت بأنّها لم تحتجز الطبيب بل استجوبته فقط.
وبعدما رفع أزلان دعوى على إبراهيم بتهمة الاعتداء، اتهمت الشرطة الوزير السابق بـ«ممارسة الجنس المثلي بالتراضي»، ما أثار الاستغراب أكثر، وخصوصاً أنّه إذا كانت هذه حقيقة، فلمَ توجّه التهمة نفسها إلى أزلان.
ويمكن الحكم على إبراهيم بعشرين عاماً سجناً إلى جانب الضرب بالعصا، كما ينص القانون إذا أُدين، في وقت يربط فيه البعض أزلان برئيس الوزراء الحالي نجيب رزاق، ما يوحي بمؤامرة واسعة النطاق على إبراهيم إذا جرى إثباتها.