في ولايته الرئاسية الثانية، يعجز الرئيس الأفغاني حميد قرضاي حتى اللحظة عن تأليف حكومة يوافق عليها البرلمان؛ محاولتان خرج بهما بـ14 وزيراً، والبرلمان علّق جلساته حتى انتهاء عطلته الشتوية في شباط، ما يعني تأجيل محاولة ثالثة متوقعة لقرضاي وتركه مع حكومة بتراء تقف أمام استحقاقات دولية
شهيرة سلّوم
أفغانستان بلا حكومة بعد أكثر من 5 أشهر على الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، والتي أُعيد فيها انتخاب حميد قرضاي رئيساً. انتخابات اتّسمت بغياب الأمن وانتشار الخوف وحشو صناديق الاقتراع بأصوات وهمية وعمليات تزوير متنوعة، وهو ما أدى إلى انتقادات داخلية ودولية دعت الى إجراء دورة ثانية، انسحب منها المرشح الخاسر عبد الله عبد الله، بحجة أنها لن تكون نزيهة، وفاز قرضاي. وانطلق في جهوده لتأليف الحكومة.
في 19 كانون الأول من العام الماضي، قدّم الرئيس الأفغاني لائحة من 24 وزيراً إلى البرلمان الأفغاني، وبعد اجتماعات على مدى أسبوعين، قرر البرلمان رفض 17 مرشحاً، أي حوالى 70 في المئة (في جلسة 2 كانون الثاني الماضية). برّر المجلس قراره هذا بأن معظم المرشحين الذي رُفضوا لم يُراع في اختيارهم عامل الجدارة والكفاءة. وقال أحد النواب إن قسماً كبيراً منهم اختيروا بناءً على «الأصل العرقي أو الرشوة أو المال».
قرضاي نفى تلك الأسباب، وألّف لائحة ثانية تضمّ 17 مرشحاً. وفي جلسة 16 كانون الثاني البرلمانية، رفض 224 نائباً 10 مرشحين من لائحة قرضاي، ووافقوا على سبعة أعضاء فقط، انضمّوا إلى المرشحين السبعة الذين سبق أن وافق عليهم البرلمان في جلسته السابقة.
وبذلك، باتت الحكومة تتألف من 14 وزيراً، من ضمنهم وزراء الدفاع والخارجية والداخلية، وتبقى الموافقة على 11 حقيبة وزارية هي الحقائب العشر التي رُفضت في جلسة التصويت الأولى، إضافة إلى منصب وزير الطاقة، ما يعني أن على قرضاي أن يعيد النظر للمرة الثالثة في تشكيلة حكومته.
وفي الجلسة الثانية للبرلمان، وافق النواب على تعيين زلماي رسول، مستشار الأمن القومي للرئيس، على رأس وزارة الخارجية الأفغانية. وتضم اللائحة الجديدة ثلاث نساء، فيما ضمّت الحكومة المنتهية ولايتها امرأة واحدة. لكن، وحدها أمينة أفضالي حصلت على موافقة البرلمان لتولي وزارة الشؤون الاجتماعية.
وعُيّن زرار أحمد مقبل على رأس وزارة مكافحة المخدرات، وهو شخصية معروفة لدى الدبلوماسيين الغربيين العاملين في كابول، فقد تولى وزارة الداخلية حتى نهاية 2008، لكنه لم يُوفق وجرى استبداله بضغط من الدول الغربية.
ووافق البرلمان على تولي عبد الهادي أرغنديوال وزارة الاقتصاد. وهو يترأس الحزب الإسلامي المرخّص له، والذي يضمّ رفاقاً سابقين لزعيم الحزب التاريخي قلب الدين حكمتيار. كما أُبقي عدد من الوزراء الأساسيين في مناصبهم، مثل محمد حنيف أتمار (الداخلية) وعبد الرحيم ورداك (الدفاع).
وكان قرضاي قد اضطر إلى إصدار مرسوم يأمر بموجبه النواب بتأخير عطلتهم الشتوية للتمكن من الانتهاء من عملية الموافقة على أسماء وزرائه. ويمكنه أن يلجأ مرة جديدة إلى استخدام هذه الصلاحية الدستورية ودعوة البرلمان إلى الاجتماع من جديد وتعليق عطلته الشتوية، لكن هذا القرار لم يصدر حتى اللحظة، ولا يتوقع صدوره في ظل قرب انعقاد مؤتمر لندن للمانحين الدوليين.
المؤتمر، الذي سيذهب إليه قرضاي بحكومة بتراء في 28 من الشهر الجاري، يهدف بحسب ما أعلن المضيف غوردن براون إلى «دفع الجهود الدولية في أفغانستان، وملاءمة الزيادة بعدد القوات العسكرية مع زيادة مماثلة بالجهود السياسية، وجذب تركيز الأسرة الدولية داخل تحالف الـ 43 دولة على مجموعة واضحة من الأولويات، وحشد أكبر جهد دولي ممكن من أجل تأليف الحكومة الأفغانية».
وعرض وزير الخارجية البريطاني، دايفيد ميليباند، الخطوط العريضة للمؤتمر التي تتمحور حول الأمن والحكم الرشيد والتنمية والعلاقات الإقليمية. وسيحضر المؤتمر وزراء خارجية الدول المتحالفة في إطار القوة الدولية لإرساء الأمن والمساعدة في أفغانستان «إيساف»، والدول المجاورة لأفغانستان والفاعلون الإقليميون، إضافة إلى ممثلين عن حلف شمالي الأطلسي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمات دولية أخرى مثل البنك الدولي.
قرضاي، الذي يُلام على الفشل المتلاحق الذي أُلحق بالبلاد منذ إسقاط نظام «طالبان» في أواخر 2001، لجهة انتشار الفساد داخل الحكومة ومكافحة التمرد الطالباني ومحاربة تجارة الأفيون، سيحمل في جعبته إلى المؤتمر خطته الاقتصادية لاستقطاب مقاتلي «طالبان» من المستويات المنخفضة إلى المتوسطة، على أن يعقد اجتماعاً بعد المؤتمر لشيوخ القبائل والزعماء الذين يتمتعون بالنفوذ على مستوى الأقاليم والمناطق. وتهدف الخطة إلى توفير الحماية للمتمردين الذين يسلمون أنفسهم وضمان حصولهم على وظائف تمنعهم من العودة لزرع القنابل.
وقد عبر رئيس المديرية المحلية الأفغانية المستقلة، غولام جيلاني بوبال، عما تريده البلاد من مؤتمر المانحين، قائلاً «توقعاتنا هي أن يوافق المجتمع الدولي على مد المساعدة من خلال الحكومة كي لا تكون هناك هياكل موازية، فقط حكومة منتخبة، تكون لها الشرعية أمام الشعب الأفغاني».
ورغم جهود الرئيس الأفغاني لتأليف حكومة تُرضي شعبه وحلفاءه الدوليين، فإنه لا يزال يفتقر إلى الثقة الدولية، وهذا ما تفسّره التقارير التي تحدثت عن خطة أميركية ـــــ أطلسية لإنشاء منصب مدني أطلسي رفيع في أفغانستان يتولى صلاحيات أوسع من الممثل الأعلى لحلف الأطلسي في كابول، ويكون موازياً لمنصب قائد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان ستانلي
ماكريستال.
ويدير هذا المدير الأطلسي المدني تدفق الأموال وتقديم المساعدة إلى المقاطعات، والتأكد من أن تلك الأموال لن تتبخر بسبب فساد السلطات المركزية الأفغانية.
وكانت تقارير صحافية سابقة قد ذكرت أن واشنطن تسعى إلى توسيع سيطرتها على إدارة الحياة اليومية في أفغانستان من خلال تعيين ممثل رفيع المستوى في كابول يساعد على تنفيذ استراتيجية خروج من البلاد كما أعلنها باراك أوباما.