الملا عمر يحكم في الظلجمانة فرحات
فيما يسعى الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تطبيق استراتجيته الجديدة في أفغانستان، يثير الشريك الأفغاني الرئيس حميد قرضاي وأركان حكمه علامات استفهام كثيرة في شأن إمكان نجاح الحكومة الأفغانية في تولّي مسؤولياتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما مع عودة الحديث عن حكومة الظل التي تقيمها «طالبان» في معظم المقاطعات الأفغانية، مستغلة أخطاء السلطة المركزية لاستقطاب المواطنين. فعلى بعد 30 ميلاً فقط من العاصمة كابول، أعدّت «طالبان» حكومة ظل مفصّلة من حكام مقاطعات وقادة شرطة ومسؤولين إقليميين وقضاة، تأثيرهم على حياة الأفغان يتخطّى في كثير من الأحيان تأثير حكومة قرضاي.
وتتضمن مهمات حكومة الظل جمع الضرائب، عبر فرض دفع ضريبة بنسبة 10 في المئة على الأغنياء من مدخولهم، فيما يطلب من الذين لا تتوافر لديهم الأموال توفير مواد غذائية ومأوى للمقاتلين.
كذلك أرست الحركة نظاماً قضائيّاً موازياً للنظام القضائي المركزي، تديره مجموعة من علماء الدين الذين يتولون الفصل في القضايا التي تعرض عليهم، وتشمل النزاعات على الأراضي والنزاعات العائلية، وجرائم القتل. ويقوم هؤلاء القضاة بفرض العقوبات وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية المتشددة، بما في ذلك الجلد وقطع الأيدي وأحكام الإعدام، التي يُقال إن الحركة تكثر منها، نظراً إلى غياب العدد الكافي من السجون لديها.
كذلك تتولى حكومة الظل عدداً من المهمات العسكرية، تشمل تجنيد الأفغان وتدريبهم قبل الزج بهم في ساحات القتال ضد القوات الأفغانية وقوات التحالف الأجنبية. كذلك تمارس الحكومة مهمات أمنية، بدءاً بإقامة الحواجز على الطرق وتفتيش السيارات، على مرأى من القوات الأفغانية في كثير من الأحيان.
حكام مقاطعات وقادة شرطة وقضاة من «طالبان» يتولون إدارة حياة الأفغان
أما على الصعيد التربوي، فتتولى حكومة الظل مسؤولية إغلاق المدارس التقليدية ليحل مكانها المزيد من مدارس العلوم الدينية.
وتُخضع الحركة أداء حكام الظل للمراقبة والمحاسبة، ويُستبدلون دورياً. وقد أنشأت الحركة هيئة لتلقّي الشكاوى في حقهم.
وتحمل حكومة الظل الطالبانية العديد من الدلالات الأمنية والاجتماعية. وإن كان للموضوع الأمني تشعباته الكثيرة في ظل عجز قوات حلف شمالي الأطلسي عن بسط سيطرتها، إلا أن التداعيات الاجتماعية تبقى الأخطر.
خطورة تكتسي أهميتها في ظل ما يشاع عن تفضيل العديد من السكان التعامل مع حكومة الظل، نظراً إلى ما توفره لهم من نظام حكم غير رسمي يتميّز بالسرعة والنزاهة.
ولا يُنكر المسؤولون الأفغان والأجانب وجود هذه الظاهرة التي ترجع إلى سنوات سابقة، وتحديداً إلى أواخر عام 2005. عام تخلله بدء الحركة بعملية إعادة تنظيم صفوفها، لاستعادة السلطة والنفوذ الذي خسرته عندما أطاحت الولايات المتحدة وحلفاؤها حكومتها في عام 2001.
وأكد مسوؤل في حلف شمالي الأطلسي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الحركة لديها «حكام ظل في 33 مقاطعة من أصل 34 مقاطعة». وأوضح أن «الملا محمد عمر لديه حكومة مع وزراء مختارين بانتظار يوم سقوط الحكومة». وشدد على أن «الوقت يوشك على النفاد»، مؤكداً أن العام الحالي هو عام حاسم.
وكان قائد القوات الدولية في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، مدركاً لما تخطط له الحركة خلال فترة إعداده للاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان. وقال في أيلول الماضي «أدى الغضب العام (من ضعف الحكومة الأفغانية) إلى تقويض قدرة قوة المساعدة الأمنية الدولية على إنجاز مهمتها». وأشار إلى أن المتمردين أنشأوا «مكاتب لأمناء المظالم للتحقيق في سوء استعمال السلطة من قبل كوادرهم وإقصاء من يجدونه مذنباً، ما يسهم في استقطاب الدعم الشعبي لحكومة الظل». وأقرّ بأن «المتمردين لديهم شفافية ومساءلة في حكومة الظل تفوق تلك الموجودة لدى حكومة قرضاي».
وفي الجانب الأفغاني، أكد النائب عن ولاية قندهار الجنوبية، خالد باشتون، في حديث لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قبل مدة، وجود حكومة الظل. ولفت إلى أنه سمع الناس يعربون عن ارتياحهم لقضاة «طالبان» قائلين: إن «الشريعة الإسلامية أسرع في الحكم على الأمور. فبإمكانك أن تحصل على الحكم فور عرض القضية على القاضي، أما لو عرضت القضية نفسها على محاكم الدولة، فإنها ستأخذ سنة أو سنتين أو ربما لن تحلّ أصلاً».
في المقابل، ترفض النائبة عن قندز، فاطمة عزيز، الاعتراف بأن الناس يفضّلون حكام «طالبان»، وترى أن الناس مجبرون على التعامل مع حكومة الظل، بسبب المعطيات على الأرض، وسيطرة عناصر الحركة على غالبيّة الأقاليم.
إلا أن استحسان التعاطي مع «طالبان» عوضاً عن حكومة قرضاي لا يقتصر على المواطنين العاديين البسطاء، الذين قد يبرر الخوف من «طالبان» قبولهم بالتعامل معها. تعامل يمتد ليشمل القبائل والتجار. وهو ما أكده أحد قادة القبائل في ولاية لغمان ويدعى مالك حضرت الله؛ فقد أشار الشيخ القبلي إلى أن ظهور حكومة الظل التابعة لـ«طالبان» أسهم في تحسّن الأمور بالنسبة إليهم من خلال غياب السرقة والفساد.
بدوره، يروي أحد التجار، ويدعى حجي حكيم الله، من الولاية نفسها، التحول الذي طرأ على موقفه، من ترحيبه بانهيار الحركة قبل أكثر من ثماني سنوات إلى ترحيبه بعودة حكومة الظل التابعة لها. ترحيب جاء بعدما أجبره فساد المسؤولين المحليين التابعين للسطلة على دفع الرشى بانتظام في مقابل السماح له بممارسة أنشطته التجارية.
في ظل هذه المعطيات، يشكو المسؤولون الأميركيون من أن عجز الحكومة الأفغانية عن محاربة الفساد يقوّض جهود واشنطن في المساعدة على تطوير حكومة أفغانية تكون قادرة على تولّي مسؤوليات البلاد خلال السنوات المقبلة.
الملا محمد عمر إلى جانب وزرائه بانتظار سقوط الحكومة المركزية
فأفغانستان، البلد الذي صنفته منظمة الشفافية الدولية بأنه يأتي في المرتبة 179 في لائحة الفساد، وهي المرتبة ما قبل الأخيرة، يتقاسم السيطرة على مؤسساته إلى جانب قرضاي، عدد من الزعماء المحليين تجمعهم سمات مشتركة تبدأ بالتورّط في تهم فساد وإجرام، ولا تنتهي بتهم المخدرات والاختطاف والاغتصاب. حاول قرضاي التخلص من بعضهم تحت وطأة الضغوط الغربية التي تطالبه بمكافحة الفساد المستشري، فجاءت تشكيلة الحكومة الأفغانية الأخيرة أشبه بنصف تسوية، ضمّت بعض من تستسيغ واشنطن رؤيتهم ضمن الحكومة، وبينهم وزيرا الداخلية محمد حنيف والدفاع عبد الرحيم وردك، لكنها في شقّها الثاني ضمّت أحد أسوأ أمراء الحرب، وزير الطاقة إسماعيل خان. وإن كان قرضاي قد تنازل في الموضوع الوزاري من خلال إقصاء عدد من الوزراء النافذين الفاسدين، من أمثال وزير الحج صديق جاكاري والمعادن محمد إبراهيم عادل، فإنه لم يستطع أن يضحّي بالجميع كرمى لعيون الولايات المتحدة، وتحديداً شقيقه، عضو المجلس المحلي لمحافظة قندهار، أحمد والي قرضاي ونوابه كريم خليلي ومحمد قاسم فهيم. فهؤلاء يتبادلون المنافع مع قرضاي، وما وجودهم في هذه المناصب الحكومية إلا نتيجة الدعم الذي وفروه له لإعادة انتخابه، ليحصدوا في المقابل جوائز ترضية متعددة، تبدأ بنهب أموال الدولة ولا تنتهي بحصانة من الملاحقة القانونية من الجرائم التي يتهمون بها.
ولعلّ إقدام الرئيس الأفغاني على إعلان طهارة يد رئيس بلدية كابول عبد الأحد صاحبي بعد إدانته من قبل المحكمة بالكسب غير المشروع، تشير إلى أن قرضاي غير مستعد لأن يسبب الضرر لحلفائه المحليين الذين هم وحدهم يستطيعون دعمه بعد انسحاب قوات التحالف.
واستغلت «طالبان» المعادلة التي يدعم بها قرضاي حكمه لتقديم بديل للشعب الأفغاني. بديل وإن كان الشعب الأفغاني يرحب به لعدم ثقته بحكومة قرضاي، فإن حركة «طالبان» لم تخف الأبعاد السياسية له. وأكدت أنه يأتي في سياق الاستعداد لمرحلة الانسحاب الأجنبي وإعادة السيطرة على البلاد. وهو ما أوضحه القائد العسكري العام لقوات «طالبان» في ولاية كابول، سيف الله جلالي، بإعلانه جهوزية الحركة لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي. ونُقل عنه قوله، في حديث تلفزيوني، إن «الإمارة الإسلامية أعادت ترتيب صفوفها، وقمنا بتعيين مسؤولين عن كل من الولايات والمقاطعات والقرى كدولة قائمة بذاتها». ولفت إلى وجود نظام متعدد الدوائر يتضمن «دائرة للعدل ودائرة لشؤون الحرب، وأخرى للإعلام ودوائر أخرى تخصصية». وجزم بأنه بعد الانسحاب، «سنسيطر مباشرة على مقاليد الحكم، وستعود الإمارة الإسلامية في أفغانستان من جديد، وفق دستور جيّد أعددناه أخيراً».


الملاحقة «الأطلسيّة»وتمكنت قوات التحالف من تحقيق بعض النجاحات في هذا السياق. ففي حزيران عام 2008، قتل العديد منهم في عدد من الغارات التي استهدفتهم خلال وجودهم في ولاية قندهار. وفي شباط الماضي، قتل حاكم الظل في ولاية بادغيس. وأعلن الجيش النيوزيلندي أنه بمساعدة القوات الأفغانية اعتُقل حاكم الظل في ولاية باميان، الملا برهان، وذلك بعدما رُصدت مكافأة بقيمة عشرة آلاف دولار لإلقاء القبض عليه.