بول الأشقرخاص بالموقع - أخذت المعطيات الاقتصادية والسياسية، وحتى الدولية، تختلط في مسألة إقالة حاكم المصرف المركزي الأرجنتيني مارتين ريدرادو، قبل أسبوعين، بعدما رفض الرجل الانصياع، وأصرّ على البقاء في منصبه في انتظار بتّ قضيته من جانب الكونغرس. وقرّرت الرئيسة كريستينا فرنانديز كيرشنر تأجيل زيارتها التي كانت مقررة إلى الصين الأسبوع المقبل، وهي التي كانت ستمضي فيها عشرة أيام: «لا أستطيع أن أغادر البلد، ونائب الرئيس قد التحق بالمعارضة، لا بل يعمل من موقعه لتخريب كل سياسات الدولة».
وكانت كيرشنر قد استغلت الإجازة للطلب من حاكم المصرف المركزي تحويل 5،6 مليارات دولار من أصل احتياط الـ 48 مليار إلى صندوق المئوية الثانية (نسبة لمرور قرنين على الاستقلال) لدفع الديون الخارجية المستحقّة على الأرجنتين.
أما نائب الرئيس خوليو كوبوس، فقد تحوّل إلى لاعب أساسي في كل تفاصيل الشطرنج السياسي، وخصوصاً إثر وقوع القطيعة بينه وبين الرئيسة، بعدما حسم قبل سنتين الخلاف بين مصدّري الحبوب والرئاسة لمصلحة المعارضة. حينها، تعادلت الأصوات في الكونغرس، فكان الحسم له، ما عُدّ ضربة قويّة للرئيسة كيرشنر في السنة الأولى من ولايتها. وفي الأرجنتين، كما في معظم دساتير الأنظمة الرئاسية، يترأس مجلس الشيوخ نائب رئيس الجمهورية، ما يعدّ ضمانة للسلطة التنفيذية في إقرار مشاريعها عندما تتعادل الأصوات في الكونغرس. وقرار نائب الرئيس المعاكس للتقليد حوّله ـــــ وهو المنشقّ أصلاً من الحزب الراديكالي المعارض وقد عاد إليه بعد خلافه مع الزوجي كيرشنر ـــــ إلى نجم سياسي ومرشح محتمل عن الحزب المعارض لانتخابات أواسط العام المقبل. وأخذ تدريجياً يتحوّل إلى نوع من المنسق الخافت لمشاريع المعارضة، لدرجة أنه قيل إنه حضن ريدرادو، وهو من أقنعه بالبقاء في مركزه.
وبينما كانت الموالاة تحاول تأجيل بحث القرارات الاقتصادية الخلافية في الكونغرس، منتظرة نهاية الإجازة البرلمانية، كان كوبوس يجمع الكتل المعارضة لتعجيل الدعوة إلى اجتماع نيابي. وتبيّن أن المعارضة لا تملك في هذه المسألة أكثرية كافية، بعدما أصرّ حزبان يساريان على مناقشة هذه المسائل في إطار مناقشة مجمل الدين العام وشرعيته. وتدلّ آخر الأنباء أنه جرى التوصل إلى تسوية سيجري بموجبها بدء مناقشة القرارين الخلافيّين (تأسيس صندوق المئوية الثانية وإقالة ريدرادو).
وأدّى تأجيل زيارة الرئيسة الأرجنتينية إلى الصين ـــــ وكانت مبرمجة منذ فترة طويلة وسط آمال كبيرة علّقت عليها ـــــ إلى فتح نقاش سياسي كبير حول دور نائب الرئيس وشرعية استمراره في منصبه والآثار المترتّبة على الانتظام المؤسساتي. واتهمت كيرشنر، كوبوس، بأنه يسعى إلى احتلال الرئاسة قبل عام 2011، معتبرة أنه «ليس أخلاقياً ولا سليماً أن يترشح كوبوس لتمثيل أكبر حزب معارض وهو يعمل لذلك من موقع نائب الرئيس». وتابعت «عليه أن يختار بين نيابة الرئاسة أو قيادة المعارضة... الموقفان متناقضان: إمّا الواحد وإما الآخر. لكل مواطن الحق في الترشّح لرئاسة الجمهورية، لكن عليه قبل ذلك أن يعرف مهمّات نائب الرئيس».
إلّا أنّ كوبوس ردّ على الرئيسة بالإشارة إلى أنّه يعمل «بحسن نية، وليس المطلوب من نائب الرئيس السكوت أو الخضوع، وخصوصاً في المسائل التي لم يُشاوَر فيها»، في إشارة إلى القطيعة التي يعانيها منذ تخلّى عن معسكر الرئيسة.
وأضاف كوبوس: «لم أعيَّن في منصبي. وولايتي منحني إياها الناخبون، ولن أستقيل، وسأنهي ولايتي وسنذهب معاً أنا والرئيسة».
وعن موضوع إلغاء زيارة الصين، طلب كوبوس من الرئيسة العودة عن قرارها «لما فيه مصلحة البلد»، لافتاً إلى أنّه في «كل مرة جلستُ في الرئاسة (خلال غياب الرئيسة عن البلد) لم أوقّع قرارات، ولا عيّنت أحداً ولم أقم بأيّ عمل ضد السياسة الوطنية». إلّا أن الغريب هذه المرة أن أبرز وجوه المعارضة من اليمين إلى اليسار ـــــ وهم عادة أبرز المرشحين المحتملين للرئاسات ـــــ رأوا أيضاً أنّ «وضع كوبوس لا يحتمل ومضر للبلد»، وكرّروا عبارة «لو كنا مكانه لاستقلنا»، وضمّوا أصواتهم إلى الموالين الذين يطالبون نائب الرئيس بـ «إعادة ولايته إلى أصحابها».
وإذا كان الطلب الموالي مفهوماً لإخراج من صاروا يعدّونه «حصان طروادة» يعطّل مشاريعهم من معسكرهم، فزعماء المعارضة يخشون أن يُراكم كوبوس قوى انتخابية في هذا الموقع تحوّله تدريجاً إلى مرشح وحيد وجديّ للمعارضة ـــــ وخصوصاً إذا تبنّاه الحزب الراديكالي ـــــ لخلافة آل كيرشنر.
لو تأكّد زعماء المعارضة من أن كوبوس باق لآخر يوم من ولايته، كما قال، وبالتالي أنه لن يترشح، لما كانوا اعترضوا على موقفه هذا. أمّا أن يراكم ثم يستقيل في الأشهر الأخيرة قبل الانتخابات ويتحوّل إلى مرشح فوق الآخرين، فهذا أقصى ما يخشونه. في هذه الحالة، يفضّلون أن يستقيل اليوم ويفقد الصفات التي تميّزه ويصبح مرشحاً كالباقين، لا بل أضعف منهم.