سنة مرّت على تنصيب باراك أوباما، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، نال خلالها جائزة نوبل للسلام، من دون أن يمنعه ذلك من زيادة الجنود الأميركيين في أفغانستان. بعد السنة الأولى، اكتشف الأميركيون أنّ رئيسهم من لحم ودم، ولا يختلف كثيراً عمّن سبقه من رؤساء ديموقراطيين أو جمهوريين. وعد أوباما بالكثير لكنّه لم يحقّق سوى اليسير
ديما شريف
دخل باراك أوباما سنته الرئاسية الثانية مع أسوأ نتيجة له في استطلاعات الرأي منذ تنصيبه رئيساً في العشرين من كانون الثاني 2009. انخفضت نسبة تأييد سياساته إلى ما دون الخمسين في المئة، ووصلت الخميس الماضي إلى 47 في المئة فقط.
هكذا أصبح أوباما الرئيس الأميركي الذي ينال أسوأ تقدير في بداية عامه الثاني في الحكم منذ رونالد ريغان في 1982. آنذاك استطاع ريغان أن يقلب الأمور لمصلحته، وفاز الجمهوريون خلال عامه الثاني في الحكم في انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس. كما استطاع أن يُقنع الأميركيين بإعادة انتخابه بعد سنتين، ليكون من أنجح الرؤساء الأميركيين على الصعيد الداخلي.
لا يشبه أوباما ريغان. هو رشّح نفسه لتغيير صورة الولايات المتحدة في أعين العالم. تغيير الصورة النمطية عن أنّها تدعم الديكتاتوريات وتشن الحروب أينما حلّت.
ترشّح أوباما وهو يعتقد أنّه مع دخوله إلى البيت الأبيض، سيستطيع التوفيق والتقريب بين وجهات النظر الجمهورية والديموقراطية، وسيغلق المعتقلات السيئة الذكر ويأتي بنظام رعاية صحي للأكثر فقراً وحرماناً، كما سيحلّ الأزمة المالية التي ضربت «وول ستريت» وسيخلق المزيد من الوظائف.
اعتقد أوباما، في أعقاب فوزه الكبير في الانتخابات، أنّ ما حصل يمثل زلزالاً وتغييراً كبيراً في المشهد السياسي في أميركا. اعتقد هو، ومساعدوه ومستشاروه، أنّ المسار التاريخي يتغير وأنّ الناخبين لم يتخلوا عن التوجه المحافظ لجورج بوش فحسب، بل تخطّوا تقدميّة بيل كلينتون. لكن اتضح أنّهم مخطئون، انتخابات ماساشوستس كانت خير دليل. إذ إنّ الناس تشجعوا على الوقوف وراء أوباما في الانتخابات الرئاسية، لكنّهم لم يغيروا قناعاتهم. إيديولوجية الناخبين في أميركا مرنة وتتأثر بالوضع الاقتصادي والأحداث اليومية في واشنطن. واستنتاج البيت الأبيض كان ساذجاً في أنّ أوباما سيسبح مع التيار في ما يتعلق بالرعاية الصحية والاحتباس الحراري وزيادة القواعد المالية، فيما كان العكس صحيحاً. الناس حاولوا اللحاق به من دون جدوى. كان سريعاً جداً بالنسبة إليهم.
الخطأ الثاني كان اعتقاد أوباما أنّ النجاح الذي حقّقه سيثبّت قدمه في السياسة ويمكّنه من بناء حكومة قوية تحقّق عظائم الأمور. واعتقد أنّ إمرار رزمة التحفيز المالي في الكونغرس سيسمح بتمرير سلس لقانون الرعاية الصحية، ما سيفتح بدوره الطريق أمام اتفاق على قانون بيئي جديد وتحديد قواعد الخدمات المالية، كلّ هذا في السنة الأولى.
خطأ أوباما الثالث كان اعتقاد فريقه أنّه يملك قدرة استثنائية على التأثير في الناس وجذبهم إليه. كان هذا صحيحاً في 2008، حين ربح في ولايات كانت حكراً على الجمهوريين منذ عقود. لكن في 2009 اختلف الوضع. فكلّ ما فعله أوباما وقرّره وحّد الجمهوريين ضده وزرع الانقسام وسط الديموقراطيين.
نال أوباما في بداية عامه الثاني أقل تقدير يناله رئيس منذ أيام رئاسة ريغان
يقول المحلل الاستراتيجي الديموقراطي، بول بيغالا، إنّ «الدينامية نفسها التي أوصلت أوباما إلى البيت الأبيض تنقلب على أجندته الخاصة». ويضيف إنّ أوباما مثل كلينتون سيواجه تحدياً بشأن سرعة تكيّفه مع الثقافة المتغيّرة باستمرار.
في المقابل، يقول مدير مجلس القيادة الديموقراطي، بروس ريد، إنّه «عندما يرفع المرء توقّعات الناس بالتغيير ويتلقّون شيئاً مختلفاً عما وُعدوا به وتوقّعوه، ويضاف إلى ذلك انهيار اقتصادي والكثير من التوتر والخوف، فسيواجه بالتأكيد ثورة».
التحديات التي واجهها أوباما في سنته الأولى على المستوى الداخلي والخارجي، جعلت الناس يفهمون أنّه مثلهم، من لحم ودم، وليس البطل الخارق المنتظر الذي سيمحو كلّ مآسيهم ومآزقهم مجرد تنصيبه.
لم يكن أول هذه التحديات الأزمة المالية، وكما لن تكون آخرها حروب الولايات المتحدة المتعددة حول العالم التي ورثها من سلفه جورج بوش. فقبل شهر من تسلم أوباما منصبه، خسر الاقتصاد الأميركي أكثر من نصف مليون وظيفة، وحجز 300 ألف منزل، وكان النظام المصرفي يعاني صعوبات كبيرة. بعد عام، أصبح الوضع أفضل بالنسبة إلى المصارف والشركات التي استقرت بفضل المساعدات التي قدمتها إليها الإدارة. لكنّ الناس لا يزالون يعانون، فرغم أنّ فقدان الوظائف انحسر منذ نهاية 2008، لكن لا تزال نسبة البطالة 10 في المئة. في 2010، ينتظر الأميركيون تحسناً في الوضع الاقتصادي وتحفيزاً أكبر يخفض مستوى البطالة العالية.
وتحت الضغط الشعبي، بدأ أوباما العام مع خطوة غير مسبوقة إذ قرر يوم الخميس أنّه لن يُسمح بعد الآن للمصارف، التي تأخذ ودائع من الناس، بالمضاربة في الأسواق المالية. كما لن يُسمح بعد الآن لهذه المصارف بأن تتملّك صناديق استثمار طويلة المدى. ولن يسمح بأن تتعدى نسبة «الودائع المضمونة» في أي مصرف حاجز 10 في المئة من مجموع ودائع القطاع المصرفي كي لا يكون هناك مصرف كبير لدرجة يؤدّي معها انهياره إلى زعزعة أسس الاقتصاد والمجتمع.
داخلياً أيضاً، كان أمام أوباما موضوع قانون الرعاية الصحية الجديد، الذي كان من المفترض أن يمرّ بسرعة في مجلسي الشيوخ والنواب، لكون الديموقراطيين لديهم الغالبية فيهما. لكنّ المشروع لم ينتهِ قبل نهاية العام الماضي كما كان متوقعاً، إذ تطلّب درسه فترة طويلة في المجلسين، اللذين أدخلا تعديلات على المشروع، فلم يعد كما كان مقترحاً.
ورغم ذلك، فإنّه عند إقرار المشروع سيكون لثلاثين مليون أميركي رعاية صحية للمرّة الأولى في حياتهم. لكنّ ضرر هذا القانون قد يرتدّ على أوباما والديموقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني بسبب الضرائب المرتفعة الضروريّة لتمويل البرنامج.
وبعد فوز سكوت براون بالانتخابات الفرعية في ماساشوسيتس منذ أيام، فقد أوباما الصوت الستين في مجلس الشيوخ، ما سيجعل الوضع أصعب لتمرير القانون بعدما أصبح للجمهوريين حق فيتو على أيّ مشروع لا يريدونه.
كذلك كان غوانتانامو من القضايا المهمّة على أجندة الرئيس الجديد. إذ بعد أيام من وصوله إلى البيت الأبيض، قرر إغلاق المعتقل الشهير لتصحيح صورة أميركا في الخارج. ووقّع مذكّرة بذلك فعلاً. لكنّ الإجراءات تطلّبت وقتاً طويلاً ولم تبدأ الحكومة بالبحث عن سجن بديل سوى في نهاية العام. وبدأ البحث عن دول تستقبل بعض المفرج عنهم من السجن. واصطدمت طموحات أوباما بعقبة يوم عيد الميلاد، حين حاول نيجيري تفجير طائرة. وتبيّن أن الرأسين المدبرين للعملية أُفرج عنهما من غوانتانامو قبل عامين. ويجد أوباما اليوم نفسه وقد تخلّف بموعد السنة التي حدّدها لإغلاق المعتقل، الذي أكد وزير العدل إريك هولدر أخيراً أنّه لن يغلق قبل عام آخر. لكن في 2010 ، هل سيُفرج عن معتقلين جدد ويُرسَلون إلى بلادهم؟ أم سيرضخ أوباما للضغط الجمهوري وبعض الديموقراطيين لإبقاء المعتقل مفتوحاً، وعدم محاكمة المسجونين فيه لتفادي أيّ عمليات إرهابية مستقبليّة؟ وبموازاة غوانتانامو، يوجد العديد من المعتقلين في قاعدة باغرام في أفغانستان، لم يُحاكَموا حتى اليوم، إلى جانب عدم رغبة أوباما في محاكمة المسؤولين السابقين عن التعذيب في السجون التي أدارتها أميركا حول العالم. ما يضع وصمة عار في سجل الرئيس في أولى سنواته.
خارجياً، كان أوباما على موعد مع الحرب في أفغانستان والعراق. عندما تسلّم منصبه كان يوجد في أفغانستان ما يقلّ عن ثلاثين ألف جندي أميركي. وتضاعف العدد في عهده ثلاث مرات. طلب أوباما وقتاً ليعيد مراجعة سياساته في أفغانستان، وتطلّب الأمر أسابيع طويلة ليخرج الرئيس بزيادة 35 ألف جندي، ما سيرفع عدد الأميركين إلى نحو مئة ألف جندي وما يقارب مئتي ألف متعاقد مرافق للقوات الأجنبية هناك. قرار لم يعجب بعض الديموقراطيين ودعاة السلام، الذين اعتبروا أنّ أوباما أصبح رئيس حرب. فرغم أنّه ورث حرب أفغانستان عن سلفه جورج بوش، فإنّه لم يسعَ إلى إنهائها. وهناك شك في قدرة أميركا على تحسين الوضع خلال العام الحالي، مع تأكيد البعض أنّ الانسحاب من أفغانستان، الذي من المفترض أن يبدأ في تموز 2011، سيطول لسنوات.
أما في العراق، فعاد العنف منذ منتصف العام ليلاحق العراقيين والأميركيين، وسط تأكيد أميركي على البقاء بعد موعد الانسحاب الرسمي، كما قال مراراً وزير الدفاع روبرت غيتس. فهل ستنجح في العام الجاري عملية تسليم أمن البلد إلى العراقيين مع تزايد أعمال العنف وانسحاب الجيش الأميركي إلى القواعد العسكرية تحت ستار الانسحاب من البلد بحلول آب 2011؟
كذلك كان لأوباما فرصة لتصحيح خلل يهدد البشر جميعهم: الاحتباس الحراري. فهو شارك كغيره في مؤتمر كوبنهاغن نهاية العام الماضي، لكنّه لم يتوصل إلى حل جذري، رغم أنّه يمثل تطوراً هاماً مقارنةً بأفكار بوش عن المناخ. وفي 2010 سيصوت مجلس الشيوخ على مشروع قانون بخفض انبعاثات الغاز بنسبة 17 في المئة، وفق معدلات 2005 حتى عام 2020. وهنا تكمن المشكلة، إذ مرّ القانون في مجلس النواب، لكنّه سيواجه عقبة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذين يرفضون المسّ بأسس الصناعة وإزعاج الصناعيين. كما تنتظر الرئيس جولة جديدة من المحادثات بشأن المناخ في المكسيك، على أمل التوصل إلى اتفاق أفضل من الذي حدث في كوبنهاغن.
اعتقد فريق أوباما أنّه يملك قدرة استثنائية على التأثير في الناس وجذبهم إليه ليحقّق كلّ ما يريد
على مستوى الشرق الأوسط، لم يستطع أوباما أن يدفع قدماً بالمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وشهدت علاقته برئيس الورزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخذاً ورداً. وهذا الفشل جاء كخيبة أمل للعرب، الذين اعتقدوا أنّ وصول أوباما إلى البيت الأبيض سيجترح المعجزات.
لكن المهمة كانت أصعب ممّا تخيّل أوباما، الذي أقرّ بأنه وإدارته بالغا في تقدير قدرتهما على إحداث اختراق في الملف التفاوضي.
كذلك، لم يجرِ، في 2009، تحقيق أيّ تقدم على مستوى العلاقات مع إيران، التي بقيت تتّسم بشد الحبال. وساءت العلاقة أكثر بعد مطالبة بعض الديموقراطيين بمساندة المعارضين في «الثورة الخضراء» إثر انتخابات الرئاسة في حزيران الماضي. أمر عدّته طهران دعماً خارجيّاً وتدخّلاً في شؤونها. ولم تلقَ نداءات أوباما صدى لدى القيادة الإيرانية. كما لم يستطع إقناع الدول الأخرى بالوقوف إلى جانب فرض عقوبات أقسى عليها لدفعها إلى التفاوض حول مستقبلها النووي. ويأمل بعض المقربين من الرئيس الأميركي أن يتمكن من حل المشكلة الإيرانية في 2010، أو على الأقل أن يخطو باتجاه حلحلة الوضع المتوتر على هذه الجبهة أيضاً.
على مستوى العلاقات الخارجية، تنتظر أوباما مهمات صعبة في تحسين العلاقة مع أميركا الجنوبية. فالباحة الخلفية للولايات المتحدة، التي يسيطر على غالبيتها اليسار، علاقتها ليست بأفضل الحالات مع واشنطن.
وكان أوباما قد التقى قادة دول أميركا الجنوبية خلال قمة الأميركيّتين في ترينيداد وتوباغو مطلع العام الماضي. وأمل البعض أنّ علاقة أميركا بهوغو تشافيز ستتحسن، بعد لقاء الرئيسين على هامش القمة. لكنّ التوتر بقي مع اتهام فنزويلا لواشنطن باستخدام الأراضي الكولومبية المجاورة للتجسس عليها.
كذلك ظهرت في نهاية 2009 جبهات حرب جديدة في باكستان واليمن والصومال، حيث تشنّ الولايات المتحدة حرباً على تنظيم «القاعدة». ومن المؤكد أنّ هذه الجبهات الجديدة ستشغل الأميركيين للفترة المقبلة، وخصوصاً مع تزايد المطالب بإرسال جنود إلى اليمن أيضاً، «لمحاربة الإرهاب مباشرةً وليس عبر وكالة الحكومة اليمنية».
تحديات العام 2009، ستستمر في سنة أوباما الثانية في البيت الأبيض. تحديات كانت في صلب برنامج أوباما الانتخابي، الذي نال على أساسه جائزة نوبل للسلام. تحديات تعيد الرئيس إلى الأرض قليلاً، بعدما سكر هو وناخبوه والعالم من نشوة الانتصار الكبير على الجمهوريين في تشرين الثاني 2008.


الخلاف مع الصين

زار باراك أوباما الصين في تشرين الثاني الماضي خلال جولة آسيوية، لكنّها لم تفضِ إلى الكثير. وقضى وقته في زيارة الأماكن الأثرية. إذ اختلف العملاقان على قضايا عدّة وحملا معهما الخلاف إلى كوبنهاغن بعد أسبوعين. وزادت الخلافات بعد قرار أميركا بيع أسلحة إلى تايوان.
لم تعجب الزيارة البعض في أميركا الذين انتقدوا عدم تطرق أوباما إلى مسألة حقوق الإنسان في الصين، فيما رأى آخرون أنّه ظهر ضغيفاً أمام الصينيين الذين تحكّموا فيه.
في المقابل، رأى البعض في الصين أنّه من غير المقبول أن تخدع أميركا الصين كما تفعل، وخصوصاً في ما يتعلق بتايوان. ويخاف بعض المنتقدين لأوباما من أن يتساهل كثيراً مع الصين في مواضيع إيران وكوريا الشمالية ومسألة تجاربهما النووية.
وإلى جانب ذلك توترت العلاقة بينهما بسبب اصطدامات التي حصلت بشأن التجارة الدولية. ويأمل بعض الفاعلين في الإدارة الأميركية أن توضع هذه الخلافات جانباً لتحسين العلاقة خلال 2010، وخصوصاً أنّ الاثنتين قادرتان إذا اتحدتا على أن تتحكّما في العالم.


إعلام أميركا المعارض اشتاق لبوش: «ملك الشاشة» في خطر!
صباح أيوب
بين باراك أوباما والإعلام قصّة حبّ لم تنته بعد. نجم الـ 2009 الذي لم تغب صورته عن الشاشات وأغلفة الصحف والمجلات خلال 365 يوماً لم يتعب من الكاميرا لغاية اليوم. الرئيس الآتي أصلاً على وقع حملة إعلامية ضخمة قرر المتابعة بالزخم نفسه.
كان يكفي لمجموعة صور للرئيس «غير التقليدي» من داخل البيت الأبيض أو من رحلاته الرسمية والخاصّة لتشكل «مواضيع» في قسم التحقيقات الصحافية في أبرز المطبوعات العالمية هذا العام.
لكن العلاقة الاستثنائية بين الرئيس وصنّاع صورته لم تكن كلها «عسل». فالسهام الداخلية التي وجّهها «الطرف الآخر» على الرئيس خلال حملته الانتخابية عبر الإعلام، تحوّلت جبهات مفتوحة لانتقاده شخصياً والانقضاض على كل خطوة يخطوها. وذخيرة الهجوم كانت: أسود، مسلم، ضعيف.
ولعل أشرس جبهات تلك الحرب الإعلامية المعلنة قناة «فوكس نيوز»، الأكثر مشاهدة في أميركا، التي تشهر خطاً سياسياً جمهورياً محافظاً.
«فوكس» أعلنت رسمياً وسلفاً أنها العدو اللدود للرئيس الجديد. فهي التي شكّكت في شرعيته لحظة تنصيبه بعدما أخطأ المحلّف بعبارة من القسم، وهي التي «امتعضت» من أصوله الأفريقية المسلمة، وحذّرت من الاجتياح المسلم الأسود للسياسة الأميركية.
السهام كانت جاهزة لتصوّب على أي قرار كانت إدارة أوباما تهمّ بطرحه أو اتخاذه، لتُظهر أنّ أوباما «لا يعرف ما يفعل»، وهو «سيقود أميركا إلى الهلاك». والتصنيف «الأخطر» الذي اعتمده معارضو الرئيس كان «أوباما ماركسي» أو «شيوعي».
السياسة الخارجية كانت من أكثر المواضيع جدلية، والإعلام المحافظ الذي عاش في «نعيم بوش» لم يتقبل لغة الدبلوماسية والحوار الأوباماوية. الفريق الإعلامي الجمهوري المحافظ عمل على إظهار الرئيس الجديد كـ«صبيّ أرعن» أو حتى «ولد صغير في الحضانة» وكـ«الرجل الضعيف» تحت شعار «الرئيس طيّب جداً ليكون حاكماً». قرار زيادة عدد القوات في أفغانستان أثلج صدر المحافظين وإعلامهم الذي ردّد: «أخيراً، صدر القرار الذي طال انتظاره». لكن، سرعان ما جاء خبر نيل أوباما جائزة «نوبل» ليعيد الحماوة للمشهد الإعلامي الذي توحّد على انتقاد الحدث سلباً. «فوكس» رأت أن أوباما نال الجائزة «لأنه ليس بوش» و«تقديراً للواجبات التي لم يقم بها». القناة «المعارضة» لم تكتف بدورها الإعلامي فقط، بل كانت من أكثر الداعمين والراعين للتحركات والتظاهرات «المعادية لأوباما» وشعارها في التغطية كان: «أميركا ضاق ذرعها... الأميركيون متعبون».
وفي الفترة الأخيرة، جاءت بعض الهجمات «الإرهابية» لتكمّل المشهد السوداوي الذي رسمه المعارضون. انكبّ المحللون السياسيون والمعلّقون في «فوكس» وغيرها على مقارنة عهد بوش وعهد أوباما من حيث عدد «الهجمات الإرهابية» والنتيجة كانت: عهد أوباما يفوز بأكبر عدد من الهجمات الإرهابية والخرق الأمني.
هذا ما يفسر، ربما، الحنين الذي أشهره بعض المعلقين المحافظين لجورج بوش وعهده السابق تحت عناوين مثل «أميركا تحت بوش كانت آمنة وواثقة وقوية» و«أميركا خانت الرئيس بوش» و«بوش اشتقنا لك».
أمام تلك الحملات الإعلامية المنظّمة اتّخذ أوباما بعض التدابير وأعلن في تشرين الأول الماضي أنه سيردّ على كل «التضليلات الإعلامية» التي تبثّ بحقه. طبعاً، سبّب ذلك عاصفة إعلامية هوجاء ممن اعتبروا أنفسهم معنيين، فاتهموه بالديكتاتور وحذّروا الشعب الأميركي بأن «الصحافة باتت في خطر».
لكن، أوباما يبدو «مرتاحاً» لصورته على الشاشات الأجنبية، ولا سيما العربية. فالتهليل الإعلامي العربي الذي واكب حملته وانتخابه لم يخفت كثيراً. والرئيس عرف كيف يتعامل مع الإعلام العربي والإسلامي تحديداً، فخصّه بأول مقابلة تلفزيونية (على «العربية») ووجّه له أول عيدية إلكترونية عبر يوتيوب (وكانت لإيران والشعب الإيراني بمناسبة رأس السنة)، إضافة إلى خطابيه في مصر وتركيا.
مع نهاية الـ 2009 انخفض عدد المؤيدين لأوباما، ولا شكّ أن الإعلام كان له دور كبير في ذلك. فما هي خطة أوباما المضادة وكيف ستكون سنته الإعلامية؟ وهل سنشهد على لحظة إعلامية تحطّم الرقم القياسي المسجّل لغاية اليوم وهو 20 مليون دقيقة تلفزيونية ومليون مقال لانتخاب أوباما؟