واشنطن ـ محمد سعيد خاص بالموقع - وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت متأخّر من يوم أمس الخميس أمام الكاميرا في البيت الأبيض للمرة السادسة في غضون 11 يوماً، متحدثاً عن سلامة الطيران ومكافحة الإرهاب. ثم غادر فور إلقاء بيانه للاجتماع مع زعيمي مجلس الشيوخ حول مشروع قانون الرعاية الصحية، تاركاً مهمة الإجابة عن أسئلة الصحافيين إلى وزيرة الأمن الداخلي جانيت بوليتانو ومستشاره للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب جون برينان.
وقد أعلن أوباما في بيانه أنّه يتحمل المسؤولية عن الأخطاء الأمنية التي أدّت إلى ملابسات محاولة المواطن النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة أميركية كانت متجهة من أمستردام إلى ديترويت يوم 25 كانون أول الماضي. وأوضح أوباما أنّه أمر بإجراء إصلاحات على المنظومة الأمنية الأميركية للحيلولة دون وقوع هجمات في المستقبل، من بينها تشديد إجراءات فحص الركاب، وتوسيع قوائم مراقبة الإرهاب وتبادل معلومات الاستخبارات، وتوسيع نطاق استخدام تكنولوجيا الفحص الكلي لأجسام الركاب في المطارات، ومراجعة أساليب إصدار التأشيرات وإلغائها. لكنّه قال في الوقت نفسه «سنعزّز دفاعاتنا لكننا لن نخضع لعقلية الحصار التي تضحّي بالمجتمع المفتوح والحريات والقيم التي نعتزّ بها كأميركيين».
وقد سعى أوباما إلى طمأنة الأميركيين بالقول إنّه يفعل كلّ ما هو ممكن لإصلاح أخطاء أجهزة الاستخبارات، وتعزيز الأمن للحيلولة دون وقوع هجمات أخرى. وقال «ما يعنيني ليس إلقاء اللوم بل الاستفادة مما حدث، وتصحيح هذه الأخطاء بطريقة تجعلنا أكثر أمناً، في نهاية الأمر المسؤولية تقع عليّ، عندما يفشل النظام فإنها مسؤوليتي».
وقد جرى تأجيل خطاب أوباما أكثر من ثلاث ساعات عن موعده الأصلي، وعزا مسؤولون أميركيون ذلك إلى الجهود التي كانت تبذل لتنقيح التقرير عبر العديد من الوكالات الحكومية، فجرى تجريد التقرير المعلن من بعض فقراته التي كان مستشار الأمن القومي جيمس جونز قد حذّر من أنّها ستصيب الأميركيين بالصدمة. وقال مسؤول أميركي «هل كان التقرير منقّحاً؟ نعم، كان ذلك. على المرء أن يكون حذراً للغاية بشأن ما يعلن للملأ، إذ إنّ ذلك قد يوفّر معلومات للأعداء».
وقال رئيس هيئة موظفي مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض دينيس ماكدونوف «إن النسخة المعلنة من التقرير لم تتضمّن أي إشارة إلى المصادر والأساليب التي نعتمد عليها لجمع المعلومات الاستخبارية». وقد حُذف بند في النسخة المعلنة من التقرير، وهو الإشارة إلى وكالة الأمن القومي بشأن اعتراضها للاتصالات المتعلقة بالمشتبه به عمر الفاروق، التي كانت قد التقطتها في الفترة ما بين آب وكانون أول الماضيين، ومثل هذه الإشارات الاستخبارية تعدّ سرية لأنّها يمكن أن تنبّه المستهدفين إلى حقيقة أن الولايات المتحدة اخترقت اتصالاتهم.
ويقدم التقرير الذي أصدره البيت الأبيض صورة عن كيفية فشل أجهزة الاستخبارات في الربط بين المعلومات المتاحة لديها لتحبّط مؤامرة التفجير.
وأشار مساعدون لأوباما إلى أنه استهدف من وراء نشر التقرير ليس فقط تهدئة مخاوف السلامة العامة، بل أيضاً الحدّ من الضرر السياسي الذي قد يلحق بحكومته قبل جلسات استماع من المنتظر أن تعقدها لجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ الأميركي في وقت لاحق من شهر كانون الثاني الجاري حول الحادث.
ويرى محلّلون أن خطاب أوباما وما تضمّنه من شفافية وسرعة استعداد في تحمل المسؤولية يعكس نهجاً مغايراً لسلفه جورج بوش، الذي كان يرفض تحمل أي مسؤولية، أو تحميل مساعديه ذلك في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول 2001. لكنه في خطابه يوم الخميس، الذي حاول من خلاله الرد على انتقادات الجمهوريين، بسبب الطريقة التي جرى فيها التعامل مع محاولة تفجير الطائرة، أظهر أوباما استجابة للاقتراب من خطاب بوش ومتطرفيه. فجاء ردّه في أربع كلمات تحمل التعابير التي كان بوش يستخدمها «نحن في حالة حرب». وقال «نحن في حالة حرب ضد تنظيم القاعدة، وهي شبكة واسعة النطاق من العنف والكراهية التي هاجمتنا في 11 سبتمبر، وقتلت نحو ثلاثة آلاف بريء، وتخطّط لضربنا مرة أخرى. وسنفعل كل ما يلزم لإلحاق الهزيمة بها».
ورأى أوباما أنّ عدم منع النيجيري مسبقاً من محاولة تفجير الطائرة «فشل للمنظومة الأمنية لا خطأ فرديّ» في إشارة إلى عدم وجود أي نية وشيكة لتغيير قيادة أجهزة الاستخبارات الأميركية. غير أنّه وضع ضغوطاً على تلك الأجهزة التي قال إنها فشلت في «الاستفادة من المعلومات المتوافرة لدينا بالفعل» وكان يمكن أن تكشف المحاولة. وقال أوباما «بالرغم من أن أجهزة استخباراتنا كانت تعرف الكثير عن فرع القاعدة في اليمن، وأننا كنا نعلم أنهم يسعون إلى توجيه ضربة للولايات المتحدة، وأنهم يجنّدون عناصر للقيام بهذا، لم تتابع أجهزة الاستخبارات بنشاط هذه المعلومات».
وقال برينان في المؤتمر الصحفي إنّ الحكومة الأميركية فشلت في فهم مدى خطورة التهديد الذي يمثّله تنظيم القاعدة في اليمن. وأضاف «كان لدينا شعور استراتيجي حول أين يتجهون، ولكننا لم نكن نعرف أنهم تقدموا إلى درجة من إطلاق أفراد إلى هنا (في الولايات المتحدة).. لقد فهمنا هذا الدرس، ونحن الآن جميعاً على علم بذلك».
من جهتها، قالت وزيرة الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو إنّ الحكومة الأميركية ستسرّع في خطط لاستخدام أجهزة مسح ضوئي للجسم بالكامل. وأضافت إن المسؤولين عن الأمن الداخلي سيعملون مع خبراء وزارة الطاقة على تطوير الجيل التالي من تكنولوجيا الأمن الجوي، وأردفت إنه علاوة على ذلك تعزّز السلطات فرقها من مسؤولي الأمن السريّين على متن الرحلات الجوية التجارية. وقالت «يُبرز حادث عيد الميلاد أن إجراءات الفحص في المطارات الأجنبية عامل حاسم لسلامتنا هنا في الولايات المتحدة، وبالتالي يجب أن نفعل ما بوسعنا لتشجيع السلطات الأجنبية على استخدام نفس التكنولوجيات المتقدمة للأمن الجوي». وأشارت إلى أنّ مواصلة مسؤولي الأمن الأميركيين الاجتماع مع نظرائهم في العالم للضغط من أجل تطبيق إجراءات أمنية أكثر صرامةً في المطارات، وأنّها في هذا المجال ستجتمع في إسبانيا مع مسؤولين أوروبيين في مستهل سلسلة من الجهود لصياغة معايير جديدة للأمن الجوي.