واشنطن تضرب من الجو وتدعم صنعاء في البرجمانة فرحات
بعد أفغانستان والعراق، هل حان دور اليمن ليكون مسرحاً جديداً للصراع بين تنظيم «القاعدة» والغرب، بما يسمح للولايات المتحدة بإحياء مفاهيم مكافحة «الإرهاب» التي أنتجتها هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 عبر تنفيذ ضربات وقائية واستباقية أينما شعرت بتهديد يطالها. تساؤل يعود إلى الأذهان مع الحديث عن تنسيق أميركي ـــــ يمني مشترك لتحديد أهداف جديدة لـ«القاعدة» في اليمن لكي تُقصَف، وذلك بعدما اتهم باراك أوباما رسمياً للمرة الاولى، أول من أمس، تنظيم «القاعدة» في اليمن بتجهيز وتدريب الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، الذي حاول تفجير الطائرة فوق ديترويت، متوعداً بمحاسبة كل المتورطين في محاولة الاعتداء.
ولم يغفل الرئيس الأميركي في خطابه التلميح بأنّ المواجهة الجديدة لن تكون سهلة بقوله: «نعلم أنه كان قادماً من اليمن، البلد الذي يعاني فقراً شديداً وحركات تمرد دامية».
اعتراف يعزز احتمالات انغماس واشنطن في عمليات عسكرية مباشرة في اليمن، مع ترجيح أن يكون التدخل الأميركي مشابهاً إلى حدٍّ بعيد للتدخل في باكستان، أي عبر ضربات جوية تبقى «مجهولة المصدر»، وهو ما لمّح إليه أمس مساعد أوباما للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب جون برينان، بقوله إن واشنطن لا تتجه لـ«فتح جبهة ثانية» أو إرسال قوات أميركية إلى اليمن، مؤكداً في الوقت نفسه استعداد بلاده لاتخاذ كل الخطوات الضرورية لحماية مواطنيها ومنع «القاعدة» من تحقيق المزيد من المكاسب في اليمن.

شبكة «سي بي أس»: القوات الأميركية نفذت الضربات الجوية ضد مواقع «القاعدة»


ويعزز هذا التوجه أيضاً ما كشفت عنه شبكة «سي بي أس» من أن الهجمات الأخيرة على مواقع القاعدة في اليمن، التي تضمنت استخدام صواريخ كروز، «نفذتها إلى حد كبير الولايات المتحدة، لكن بدعم قوي من الحكومة اليمنية».
وإن كان الرئيس الأميركي يبحث عن مذنب يتحمل المسؤولية عن الإخفاق الأمني في الكشف عن محاولة الاعتداء في ديترويت، فإن هذا لا يعني أن واشنطن لم تكن مدركة لخطورة التطورات في اليمن منذ مدة؛ كانت تراقب نمو التنظيم في اليمن والصومال، بعد توافر معلومات كشف عنها برينان مطلع الشهر الماضي، عن أن جزءاً من عناصر «القاعدة» بصدد الانتقال، من باكستان باتجاه البلدين.
كذلك، بدا الإدراك الأميركي واضحاً خلال إعلان الاستراتيجية الجديدة تجاه أفغانستان، عبر دعوة أوباما في حينه إلى «مواجهة القاعدة وحلفائها في كل مكان يحاولون الاستقرار فيه، سواء في اليمن أو الصومال».
وبالفعل، استغل «القاعدة» المشاكل التي يتخبط بها اليمن، لتحويل البلد إلى مركز استقطاب لعناصره وإعادة ترتيب أوضاعها بما يتناسب مع خططه الإقليمية والعالمية. وكان التنظيم قد أعلن مطلع العام الماضي اندماج فرعيه في السعودية واليمن تحت اسم «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية». ومنذ ذلك الحين، أقدم التنظيم على تنفيذ سلسلة من الهجمات، أبرزها محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي، محمد بن نايف، في آب الماضي، وصولاً إلى المحاولة الأخيرة لعبد المطلب.
وتتركز معسكرات التدريب التابعة للتنظيم في بعض المناطق القبلية في حضرموت شمالاً، ومأرب شمال شرق، وأبين في الجنوب، مستفيدةً إلى حدٍّ بعيد من خلافات أبناء هذه المناطق مع السلطة المركزية. وكان لافتاً الظهور العلني لعناصر التنظيم إثر تنفيذ غارة على أحد معسكراتهم، أدّت إلى مقتل عدد من المدنيين، قبيل أيام من عملية ديترويت، متوعدين بالثأر الذي لم يتأخر، وترجم في محاولة عبد المطلب.
وتتمثل خطورة «القاعدة» في اليمن بالموقع الاستراتيجي لهذا البلد. فمن جهة، يمتلك اليمن في الشمال حدوداً مشتركة مع السعودية تمتد على طول 1500 كيلومتر. ومن جهة ثانية، يجاور الصومال الذي يتخبط بدوره في حرب أهلية تشارك فيها «حركة الشباب المجاهدين» المتشددة، التي أعلنت استعدادها لإرسال تعزيزات لتنظيم «القاعدة» في اليمن. وفي الوقت نفسه، يمتلك اليمن إطلالة على بحر العرب والبحر الأحمر، فضلاً عن إشرافه على مضيق باب المندب.

خلافات شرائح من المجتمع مع السلطة مثّلت بيئة نموذجية لانتشار «القاعدة»

أمام هذه المعطيات، اكتشفت واشنطن أنه لم يعد من الممكن التغاضي عن التوسع «القاعدي» في اليمن، حيث سبق للولايات المتحدة أن تعرضت لسلسلة من الاستهدافات، أبرزها كان تدمير المدمرة كول في عام 2000، والمحاولات المتكررة لاستهداف سفارتها في صنعاء، وهو ما دفعها إلى إعلان ـــــ إلى جانب بريطانيا أمس ـــــ إغلاق سفارتيهما لأسباب أمنية، استباقاً لأي عمليات استهداف جديدة قد تطالهما، ولا سيما بعدما كشف برينان عن وجود «معطيات عن أن القاعدة تخطط لهجوم على هدف في صنعاء».
كذلك سارعت واشنطن إلى ارسال رئيس القيادة الوسطى الجنرال ديفيد بترايوس، أول من أمس، إلى صنعاء للقاء الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وذلك بعد ساعات من إعلانه مضاعفة بلاده لبرنامج مساعداتها الأمنية التي تبلغ 70 مليون دولار، وإعلان الحكومة اليمنية إرسال تعزيزات إلى محافظات البيضاء وأبين وشبوة في شرق البلاد لمطاردة عناصر التنظيم.
والمساعدات، التي ستشترك في تقديمها أيضاً بريطانيا، ستتضمن «تمويلاً أميركياً وبريطانياً لوحدة شرطة متخصصة في مكافحة الإرهاب في اليمن»، وعقد مؤتمر دولي عن اليمن ومكافحة الإرهاب أواخر الشهر الحالي في لندن. مساعدات لم تجد صنعاء سوى الترحيب بها على اعتبار أنها «تمثل المدخل الصحيح لإنهاء التطرف وضمان عدم إيجاد بيئة مناسبة لنمو هذه الظاهرة وجذب الشباب إليها».


الحوثيون مستعدون للمحادثات (أ ف ب، يو بي آي)