انتقل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، ومعه مستشاروه المقرّبون الذين كانوا يديرون حملته الانتخابية. هؤلاء يؤلّفون مجموعة تحيط بالرئيس وتسهم في اتخاذ القرارات الهامة التي تؤثر على الداخل الأميركي وعلى العالم. واقع يثير حنق بعض الفاعلين في واشنطن لأنّه يغيّب الوزراء والموظفين في الإدارة الذين نسيهم الناس، وعلى ما يبدو الرئيس
ديما شريف
يشهد للرئيس الأميركي باراك أوباما أنّه أدار حملته الانتخابية جيداً. عرف كيف يختار معاونيه والناس المحيطين به من بين الأفضل. كانت لديه حاسة سادسة ساعدته على اختيار من فعلاً مؤمن بقضيته، وليس من هم ساعون وراء الكسب المادي أو المناصب في إدارة رئيس محتمل.
بعدما نجح في الوصول إلى البيت الأبيض، كافأ أوباما فريق عمله الانتخابي فانتقل معظمهم معه إلى المنزل رقم 1600 في شارع بنسيلفانيا في واشنطن وتسلّموا مناصب هامة ليصبحوا مقربين أكثر من الرئيس.
لكنّ نظرة قريبة إلى الفريق المحيط بالرئيس الأميركي توضح بعض الخلل. أربعة فقط هم المقربون منه، ولا يعقد اجتماعاً من دونهم، فيما غاب البقية عن السمع والنظر، ونسي الناس وجود بعض الوزراء الهامين في الحكومة لأنّ الرئيس بكلّ بساطة يتجاهلهم.
هؤلاء المحظيّون المحيطون بأوباما هم: رئيس موظفي البيت الأبيض راحم عمانوئيل، والمتحدث باسم الإدارة ومسؤول الإعلام روبرت غيبز، والمستشاران دايفيد أكسلرود وفاليري جاريت. عمانوئيل هو الوحيد الذي لم يكن ضمن فريق الحملة الانتخابية، واستقال من منصبه كنائب في مجلس النواب الأميركي عن ولاية إلينوي في بداية 2009 ليتسلّم منصب مسؤول موظفي البيت الأبيض.
ويقول بعض العارفين بخبايا البيت الأبيض إنّ الفريق الرباعي المحيط بأوباما متلاحم كثيراً وفخور جداً بإنجاز وصول أوباما إلى منصبه. وينقل عن عدد ممن حضروا اجتماعات داخل البيت الأبيض أنّ الرئيس لا يحضر أبداً أيّ اجتماع من دون وجود الأربعة معه أو أحد منهم، ويستشيرهم في كلّ ما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية لأقوى لاعب على الساحة العالمية.
ويقول جون بوديستا، وهو مسؤول موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون ومؤسس أهم المراكز البحثية تأثيراً وقرباً من الرئيس الاميركي الحالي أي «مركز التقدم الأميركي»، إنّ أوباما يستمع إلى آراء العديد من المحيطين به في الإدارة حتى تلك المخالفة لرأيه، لكنّ المشكلة تكمن في التركيبة الضيقة من المجموعة القريبة منه.
فهو يستشير بيتر راوز الذي كان مستشاراً لرئيس الأغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ توم داشل، ونائب رئيس موظفي البيت الأبيض جيم ميسينا، والفريق الاقتصادي مع لورنس سامرز وبيتر أورزاغ المسؤول عن الموازنة، ونائب الرئيس جو بايدن ونائب مستشار الأمن القومي دينيس مكدونو. لكنّه لا يستمع فعلاً إلى نصائحهم، وسرعان ما يعود إلى مجموعته الرباعية لتنفيذ ما تنصح هي به.
ويعتقد البعض أنّ هذه المجموعة حين كانت ثلاثية (من دون عمانوئيل) نفعت أوباما كثيراً خلال الحملة الانتخابية، لكنّها ربما لا تنفع في البيت الأبيض وينبغي تغييرها. ويقول بوديستا إنّ نهج عمل المجموعة كان فعالاً جداً خلال الحملة الانتخابية، وربما لهذا السبب أراد أوباما حملها معه إلى البيت الأبيض. ويضيف إنّه رغم وجود بعض المنافع لمجموعات العمل الصغيرة، إلا أنّ هناك حكومة كاملة تنتظر إشارة من الرئيس. وهنا يكمن بيت القصيد. إذ تجاهل أوباما حكومته كلّها ليعتمد فقط على خدمات الرباعي. فمثلاً، لم تظهر وزيرة الصحة كاثلين سيبيليوس في الصورة منذ الحديث عن قانون الرعاية الصحية الذي هو من اختصاصها وحدها، فلم يطلب منها الظهور على شاشات التلفزة للترويج له والحديث عن منافعه. سيبيليوس ليست ضحية الرباعي الوحيدة، فقد طال التجاهل وزير الداخلية كين سالازار، ووزيرة الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو التي ظهرت مرتين بعد محاولة تفجير الطائرة يوم عيد الميلاد ثم اختفت عن الأنظار.
ومهما كانت القضية المطروحة، من محاولة التفجير إلى قانون الرعاية الصحية، إلى الوضع الاقتصادي وزيادة عدد الجنود في أفغانستان كان يستغنى عن الوزير المختص ويرسل بدايفيد أكسلرود أو روبرت غيبز للظهور التلفزيوني والحديث في المسألة. كان يتم التعامل مع كلّ موضوع كأنّه عثرة في طريق الحملة الانتخابية ولا يمكن أن يحلّه ويدافع عن أوباما في الوقت نفسه إلا المقربون منه مثلما كان يتمّ قبل 2009.
هذا الوضع المستمر منذ تنصيب أوباما قبل عام يثير حنق بعض النواب والموظفين والمنظمات القريبة من الديموقراطيين. فراحم عمانوئيل يتعاطى مع الجميع بتعالٍ ويعرف عنه في واشنطن سلاطة لسانه التي لا يردعها شيء. وينقل البعض أنّ عمانوئيل يتصرف مع أعضاء الحكومة كأنّهم توابع، ويهينهم في كلّ مناسبة رغم أنّ أوباما عانى الكثير لإقناع بعضهم بالانضمام إلى حكومته. وساهم تصرف عمانوئيل في إبعاد بعض مجموعات الضغط الديموقراطية عن الإدارة؛ فمثلاً خلال اجتماع في آب 2009 مع مجموعات ديموقراطية، اقترح أحد الموجودين خطة لقانون الرعاية الصحية فشتمه عمانوئيل، قائلاً «متخلّفون لعينون». ويتناقل العاملون في السياسة في واشنطن قصة إرسال عمانوئيل سمكة ميتة إلى أحد المسؤولين عن مؤسسات استطلاعات الرأي لأنّه نشر تقريراً لم يعجب رئيس موظفي البيت الأبيض.
ورغم أنّ بعض المجموعات ساهمت في جمع الملايين من الدولارات من أجل حملة أوباما، فإنّ الرباعي يبعدها عن محاولة التأثير على سياسة الإدارة ولا يتم اللجوء إليها إلا للترويج لفكرة ما يريد البيت الأبيض نشرها بين الناخبين. ويتساءل بعض مسؤولي هذه المجموعات ما إذا كان الرئيس يعرف أنّه عندما يتحدث عمانوئيل فإنّ الجميع يعتقد أنّه يفعل ذلك باسم أوباما.
ويلوم البعض الرباعي المحيط بأوباما في جعله يطرح كلّ القضايا التي تبنّاها خلال عامه الأول، ثم نصحوه بالتخلي عنها. فهم من نصحه باقتراح قانون جديد للرعاية الصحية، ومحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الانبعاثات الحرارية، وإصلاح النظام المالي، إغلاق غوانتانامو والتوصل إلى حلّ لمشكلة الشرق الأوسط. قضايا تتطلب كلّ منها سنوات للعمل عليها، قرر أوباما بعد نصيحة الرباعي أن يطرحها كلّها في سنة واحدة.
ثم طلب منه عمانوئيل تحديداً التخلي عن غوانتنامو والتفرغ للرعاية الصحية وموضوع أفغانستان، بعدما كان من المروّجين لسياسة «النصر يجرّ النصر» متخيلاً أنّ أول نصر يحققه أوباما في قانون الرعاية الصحية سيجلب النصر في القضايا الأخرى على نحو سهل.
تمّ التخلي عن قضيّة وراء أخرى لمحاولة حلّ قضية واحدة، فلم يتمكن أوباما في سنته الأولى سوى من اتخاذ قرار بشأن زيادة عدد الجنود في أفغانستان، ووضعت قضية الشرق الأوسط جانباً خوفاً من إغضاب أصوات هناك حاجة إليها لتمرير قانون الرعاية الصحية.
في السياسة الخارجية، لم يختلف الوضع إذ سيطر الرباعي على كلّ ما يحصل. فخلال زيارة أوباما للصين في تشرين الثاني الماضي، تجاهل الرئيس وجود أشخاص مختصين بالعلاقات مع الصين، مثل وزير الطاقة الحاصل على جائزة نوبل ستيفان تشو وغيره، في مقابل وجود أكسلرود، غيبز وجاريت إلى جانبه طوال الوقت رغم عدم معرفتهم بشيء عن الصين. واعترض البيت الأبيض آنذاك على التغطية السلبية للرحلة في الإعلام، متجاهلاً أنّه وضع في المقدمة من لا يفقهون شيئاً عن الصين ومتجاهلاً آراء الخبراء. ووصف أحد المشاركين في الرحلة ما حصل بأنّه «حملة أوباما الانتخابية في رحلة إلى الصين».
من هنا بدأت بعض المطالبات الخجولة بتغيير الفريق المحيط بالرئيس واستبداله للانتقال من جو الحملة الانتخابية إلى جو الحكم. لكنّ البيت الأبيض لم يعلّق على هذه المطالبات رغم أنّ من المحتمل أن يتغير عضو واحد فقط من الرباعي، الدخيل عليه، راحم عمانوئيل. فهو بدأ يملّ من منصبه ويفكر بالاستقالة للترشح لمنصب عمدة مدينة شيكاغو.

يستشير أوباما عدداً كبيراً من الموظفين ثم يعود إلى تنفيذ رأي مجموعته الرباعية

أما الآخرون فباقون، ومن هو خارج الرباعي هو من يجد نفسه في خطر التبديل. وربما هذا هو الحلّ الأفضل، لكون الوزراء والموظفين في الإدارة لا يستطيعون الانسجام مع الرباعي الذي لا يبدو أنّ من المستحيل تبديله. فمستشار الأمن القومي جيمس جونز لم يعد يظهر كثيراً في الصورة وخصوصاً مع قرب نائبيه، دينيس مكدونو وتوم دونيلون، من الرئيس ومن الرباعي ما يجعله خارج الصورة. كما يحكى عن احتمال التخلي عن خدمات وزير المال تيم غايثنر إذا لم تنخفض البطالة، رغم أنّه ليس مسؤولاً مباشراً عنها، وربما عن وزير الدفاع روبرت غيتس. كذلك من المحتمل التخلّي عن أشخاص لم يسمع بهم الناخبون طيلة العام ولا يعرفون مناصبهم، منهم الممثل التجاري للولايات المتحدة رون كيرك.
في المقابل، يقول البعض إنّ من المرجح استبدال رئيس الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، الذي يبدو أنّه سيواجه امتحاناً صعباً في تشرين الثاني المقبل لإعادة انتخابه في ولاية نيفادا. هو يعجز عن السيطرة على أعضاء حزبه في المجلس ويبدو غير قادر على فرض أفكار الحزب على الشيوخ الديموقراطيين أنفسهم، رغم أنّه استطاع الحفاظ على الغالبية بأيدي الديموقراطيين حتى الآن.
يبدو أنّ التغيير الإداري الذي من المعتاد حصوله في السنة الثانية من حكم أيّ رئيس أميركي لن يطال الرباعي المحيط بالرئيس. فهو يشعر بأنّ في عنقه ديناً لهم لمساهمتهم في إيصاله إلى منصبه الحالي ويثق بأنّ نصائحهم صادقة وستساهم في وصوله إلى حلمه الذي أعلنه خلال حملته: «أمة التأمت جراحها. عالم تمّ إصلاحه. أميركا مؤمنة من جديد».


بطاقة تعريف

يعرف دايفيد أكسلرود، روبرت غيبز (الصورة) وفاليري جاريت باراك أوباما منذ سنوات. أكسلرود كان صحافياً في «شيكاغو تريبيون» ثم تركها ليؤسس شركته الخاصة التي تعنى بالإعلان السياسي. يعرف أوباما منذ بدء عمله السياسي في التسعينيات ويعدّ معلمه في السياسة، وأقرب المقربين إليه، لم يتركه منذ بدء الحملة الانتخابية. أما روبرت غيبز فكان يعمل في الحملة الانتخابية لجون كيري في 2004. وبعد انتخابات ذلك العام، انضمّ إلى فريق عمل أوباما الذي كان سيناتوراً آنذاك. أما فاليري جاريت فهي قريبة من العائلة كلها. فقد استخدمتها زوجة الرئيس ميشال أوباما للعمل مستشارة في بداية التسعينيات، وتعدّ أمينة سر العائلة. وكان أوباما يفكر في مكافأتها وتقديم ترشيحها لتحل مكانه في مجلس الشيوخ. هي من الأشخاص الذين استشارهم قبل اتخاذ قرار الترشّح للرئاسة.