اجتهدت واشنطن كي تنصبّ كل الجهود نحو حربها في أفغانستان. لا تريد شيئاً يعرقل أهداف استراتيجيتها، لهذا دأبت على تضييق الفجوة بين الغريمتين النوويتين في جنوب آسيا (الهند وباكستان) حتى أوصلتهما إلى طاولة المفاوضات. طاولة قد لا تُنهي أشدّ الأزمات الدولية تعقيداً، كشمير مثلاً، لكنها ستحافظ أقلّه على الوضع الراهن، ريثما يُعيد المستعمر الجديد تنظيم أوراقه في المنطقة
شهيرة سلّوم
تُستأنف في نيودلهي اليوم المحادثات بين الهند وباكستان على مستوى موظفين رفيعي المستوى من وزارتي خارجية البلدين، بعد توقّف دام أكثر من عام، ونتيجة ضغوط دولية أساسها الولايات المتحدة لتركيز دعم دول الجوار على أفغانستان.
وتأمل باكستان عودةً فورية إلى حوار واسع مع غريمتها بشأن القضايا العالقة، فيما تريد الهند تركيز المناقشات على الإرهاب، ويعزّز مطلبها هذا، الاعتداء الذي وقع قبل أيام في مدينة بوني الهندية، وأوقع 15 قتيلاً. وعادةً ما تتّهم نيودلهي جماعات موالية لباكستان بتنفيذ مثل هذه الاعتداءات.
ومعروف أن الهند وباكستان عدوّتان تاريخيّتان تجمعهما الروابط الاقتصادية والسياسية والثقافية والجغرافية، وتفرّقهما الديموغرافيا والدين. فالهند دولة علمانية، و80 في المئة من سكانها هندوس، يمثّل المسلمون أكبر أقلية فيها (13 في المئة من عدد السكان)، فيما باكستان دولة إسلامية، يبلغ المسلمون 97 في المئة من عدد سكانها، وتحتضن 1.8 في المئة هندوس.
كلا البلدين خضع للاستعمار البريطاني، الذي ارتأى بعد الحرب العالمية الثانية تقسيم الهند البريطانية إلى بلدين كبيرين، الأول تسكنه غالبية مسلمة، باكستان بجناحيها الشرقي والغربي، والثاني غالبية هندوسية، الهند، ومن هنا تنشأ بذور النزاع.
بعد الاستقلال خاض البلدان 4 حروب، في واحدة منها (عام 1971)، خرجت إلى الحياة دولة ثالثة هي بنغلادش، باكستان الشرقية، التي تلقّت حينها الدعم الهندي.
وأدت هذه الحروب إلى مقتل ملايين المسلمين والهندوس، وإلى حركة نزوح لكل طائفة باتجاه معاكس. بعض مسلمي الهند انتقلوا إلى باكستان، والهندوس والسيخ إلى الهند. ويتبادل البلدان الاتهامات بأن الدولة الأخرى لا توفّر الحماية للأقليات لديها، واتهامات أخرى تدور حول زعزعة كل طرف استقرار الدولة الثانية، من خلال تحريض جماعات مناوئة ودعمها وتمويلها وتغطيتها.
الأزمة الأكبر التي تقف بين البلدين هي كشمير. تقطنها غالبية مسلمة ويحكمها هندوسيّ. خاضا من أجلها ثلاث حروب (في 1947 و1965 وحرب محدودة في 1999). كانت ولاية أميرية يحكمها الهندوسي هتري سينغ، الذي كان متردّداً في الانضمام إلى أيّ من الدولتين. ولكن مع اجتياح القوات الباكستانية لكشمير، وعدم قدرة الهند على تقديم العون إليه بحكم دستورها، أعلن ضم كشمير إلى الهند (ضد رغبة غالبية الكشميريين)، ما دفع بالأخيرة إلى التدخل عسكرياً، ووقعت الحرب الأولى. وفي 1957 انضم الجزء الشمالي الغربي من كشمير إلى باكستان، وعُرف بآزاد كشمير (كشمير الحرة)، فيما انضم الجزء الآخر إلى الهند وعُرف بجامو وكشمير. وهناك مساحة صغيرة خاضعة للصين منذ عام 1962 تسمّى أكساي تشين. وترى باكستان أن استفتاءً يجب أن يجري لتقرير مصير الإقليم، وهو ما ترفضه الهند، ليبقى الإقليم مقسوماً بين الدولتين عبر «خط الهدنة»، وهو خط وقف إطلاق النار المتفق عليه.
وتبقى كشمير أزمة عالقة بين البلدين رغم تدخل الأمم المتحدة في بداياتها، وصدور قرارات دولية تدعو إلى الاستفتاء وحق تقرير المصير (قرار مجلس الأمن رقم 47 / 1948)، ومن ثم وساطات دولية وإقليمية متلاحقة.
هناك بؤرة نزاع أخرى بين البلدين، تتشابه مع الحالة الكشميرية، ولكن في الاتجاه المعاكس، وهي جوناغادا: ولاية أميرية تسكنها غالبية هندوسية، لكنّ حاكمها كان مسلماً وأعلن ضمها إلى باكستان، وهو ما أثار حفيظة الهند، لكونه يخالف المبدأ الأساسي لنظرية إنشاء الدولتين. وأعطت الحكومة الهندية باكستان وقتاً كي ترفض الضم، قبل أن تعلن الهند ضم الإمارات الثلاث لجوناغادا.
وفي سياق نزاعهما، خاضت الجارتان سباق تسلح أوصلهما إلى مصافّ الدول النووية، إذ أجرت الهند أول تجربة نووية في 1974، ولحقت بها باكستان بإجراء تجارب مماثلة في نيسان 1998.
بعد التجربة الباكستانية، بدأت مرحلة تحوّل في علاقات البلدين، إذ أعلن رئيس الوزراء الهندي آنذاك أتال بيهاري فاجبايي أنّ بلاده مستعدة لإنهاء خلافاتها مع باكستان عبر المحادثات الثنائية. لتُعقد بعد عام (1999) قمة تاريخية بين فاجبايي ورئيس وزراء باكستان آنذاك نواز شريف في مدينة لاهور الباكستانية في شباط، قبل أن تندلع في حزيران معارك ضارية بين الطرفين في مرتفعات كارغل.
وبعد إعلان حزب المجاهدين الكشميري الموالي لباكستان وقف إطلاق النار في تموز 2000، عُقدت محادثات سلام بين الحزب والحكومة الهندية، لتليها بعد عام قمة بين الرئيس الباكستاني آنذاك برويز مشرف وفاجبايي في مدينة أغرا الهندية.
لكنّ اعتداءً على البرلمان الهندي، أدى إلى مقتل 14 شخصاً، أعاد التوتر إلى العلاقات، بعدما اتهمت نيودلهي إسلام آباد بدعم منفذي العملية.
وما فرّقه النزاع على الأرض والمواقع جمعته الكوراث الإنسانية، الزلزال الذي ضرب غوجارات ـــــ الهند في 2001 وزلزال باكستان المدمّر في 2005. ففي كارثة الهند، قدمت إسلام آباد مساعدات إنسانية شملت مئات الخيم وآلاف البطانيات، فيما حملت نيودلهي إلى جارتها عشرات الأطنان من المساعدات الإنسانية، التي تتضمن الأدوية والمعدات والغذاء. مساعدات افتتحت حقبة جديدة من الثقة، والصداقة والتعاون.
وقبل عام من الزلزال الباكستاني، كان الطرفان قد اتفقا على تمديد حظر التجارب النووية، ووضع خط ساخن بين وزيري خارجيتيهما لمنع تدهور الأزمات بين الدولتين النوويّتين.
والتزم بعدها الطرفان بعملية حوار لحل كل المسائل العالقة. وانطلق مشروع ناجح «أصدقاء من دون حدود» بمساعدة سيّاح بريطانيين، هدفه تبادل الرسائل بين الأطفال الباكستانيين والهنود، وأُرسلت أخيراً أطول رسالة حب في العالم من الهند إلى باكستان. وفي مبادرة حسن نية قبل عامين، أطلقت باكستان سراح مواطن هندي كانت قد اعتقلته منذ 1975بتهمة التجسس.
لكنّ اعتداءات مومباي، التي أسفرت عن مقتل وجرح المئات في سلسلة هجمات نفذها مسلحون ضدّ عدد من الفنادق والمراكز في تشرين الثاني 2008، أوقفت المفاوضات. وتبنّت الاعتداء جماعة «عسكر طيبة». واتهمت نيودلهي جارتها بتغطية منفذي الاعتداءات، وقالت إنهم دخلو البلاد من حدودها الغربية.
لكنّ واشنطن عملت، منذ لحظة وقوع الاعتداءات، على تهدئة حليفيها، رغم حدّة الاتهامات والتهديدات المتبادلة، على قاعدة أن الوقت ليس ملائماً للخلاف، فيما تخوض معركة طاحنة في البلد المجاور، أفغانستان.
وفي صلب الاستراتيجية الأميركية الجديدة لهذا البلد، يعوّل باراك أوباما أساساً على دعم الدول المجاورة وتعاونها، ولا سيما باكستان، التي أعلنها الحجر الأساس لاستراتيجيته، لذا يريدها متفرغة له، وهادئة، وعلى وئام مع جيرانها.

ثلاث حروب منذ الانفصال الباكستاني وسباق تسلّح نووي

واشنطن سعت إلى وضع الطرفين على مائدة التفاوض للتفرّغ لحرب أفغانستان
من جهة ثانية، فإن «الخطر الهندي» كان الحافز الذي وقف وراء دعم إسلام آباد لحكومة «طالبان» في أفغانستان، قبل أن يسقطها الغزو الأميركي. وفي عرض الحوار الأخير على «طالبان» لدمجها في الحكومة الأفغانية، هرعت باكستان إلى التدخل، ولا سيما بعدما علمت بقنوات تواصل سرية بين واشنطن والحركة من وراء ظهرها، وقدّمت قرابين (وفي المقدّمة القائد العسكري لـ«طالبان» الملا عبد الغني بارادار)، كي يكون لها شأن في أي تشكيلة حكم مقبلة في كابول، فهي تخشى أن ينتهي علمانياً، ومقرّباً من غريمتها. كما أن واشنطن سعت إلى تضييق الفجوة بين الهند وباكستان، مدفوعة بطلب الأخيرة التقارب مع نيودلهي، بحجة أن نزاعها التقليدي هذا يصرف جهودها عن تقديم الدعم إلى الولايات المتحدة في حربها ضدّ «طالبان».
وفي الواقع، نجحت الولايات المتحدة تاريخياً في تحييد نفسها في مراحل النزاع الهندي الباكستاني، حتى إبّان انقسام العالم إلى معسكرين، وحين كان يدور كل شيء في فلكهما. ففي حرب 1971 مثلاً، أبقت واشنطن نفسها على مسافة واحدة من المتصارعين، رغم أن باكستان كانت منضمّة إلى حلف جنوب شرق آسيا، الذي أنشأته الولايات المتحدة (في إطار ما سمّي سياسة الأحلاف العسكرية) على أثر انتصار الشيوعية في الصين، لذلك انسحبت منه نتيجة الدعم الذي تلقته من الصين الشيوعية في مقابل دعم السوفيات للهند. وها هي واشنطن تنجح في جمع العدوّتين التقليديتين، والانطلاق في مفاوضات بناء الثقة، وإبداء مرونة أكثر، من أجل أفغانستان. وفي النهاية، فإنه بين الهند وباكستان وأفغانستان، تطمح الولايات المتحدة إلى تكوين تحالف تؤدي فيه دور ضابط الإيقاع.


حلول كشمير

من الحلول المطروحة لإنهاء أزمة كشمير:
1 ـ الإبقاء على الوضع الراهن، حيث يفصل بين كشمير الحرة، التي تخضع للسيطرة الباكستانية، وجامو كشمير تحت الحكم الهندي، خط الهدنة، الذي يصبح حدوداً دولية، وهذا أمر ترغب فيه الهند وترفضه باكستان، التي تطالب بنفوذ أوسع في الإقليم.
2ـ الإبقاء على الوضع الراهن في مقابل حل أزمة أخرى بينهما كـ«سير كريك»، وهو ممر مائي يبلغ طوله 96 كيلومتراً يفصل بين البلدين، ويتنازعان بشأن حدود كلّ منهما داخله.
3 ـ أن تصبح كشمير جزءاً من الهند، وهو أمر يرغب فيه الهندوس والبوذيون، ويعارضه بشدة مسلمو كشمير الحرة، أو أن تصبح كشمير باكستانية، وهو ما يعارضه الهندوس والسيخ.
4 ـ أن تصبح كشمير، ذات الموقع السياحي المتميز، دولة مستقلة.