باريس ــ بسّام الطيارةيبتسم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وهو ينظر إلى الصحافيين على درج الإليزيه، لكن الإرهاق يبدو جليّاً عليه وإن حاول جاهداً إخفاء القلق الذي يعصر أفكاره بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم النزاعات الاجتماعية.
وبطبيعة الحال، لا يمكن إلا تفهّم هذا القلق، فكل المؤشرات تلامس الخطوط الحمراء قبل أسابيع من انتخابات يتفق الجميع على أن اليمين سوف يخسرها. لكن الهاجس اليوم هو الإضرابات التي تكبّل فرنسا من جميع الزوايا: إضراب عمال الطيران لمدة ثلاثة أيام؛ إضراب عمال مصافي النفط يدخل أسبوعه الثاني، والخبراء يجمعون على أن «مخزون المحطات يكفي عشرة أيام فقط»، وهو ما أخرج الطوابير للاصطفاف أمام محطات البنزين، ما يزيد من تفاقم هذه الأزمة.
واستفتاءات الرأي ليست بأحسن حال. جميعها تشير إلى تراجع رهيب في شعبية ساركوزي، وانحسار الثقة بإدارته لشؤون البلاد. في المقابل، فإن آخر استفتاء لمجلة «لوبوان» الأسبوعية، يجعل من خصم الرئيس في اليمين، دومينيك دو فيلبان، «المسؤول المفضّل» لـ٤٢ في المئة من المواطنين وراء الاشتراكي دومينيك ستروس خان، مدير صندوق النقد الدولي، والمنافس المحتمل في سباق الإليزيه عام ٢٠١٢، إذ حصل على ٥٧ في المئة.
أضف إلى ذلك أن الحوار الذي أطلقه ساركوزي بشأن «الهوية الوطنية» وتحريك قانون «منع البرقع» انعكس سلباً على فريقه، وخصوصاً في ظل التصريحات المتطرفة لعدد من زعماء حزبه، وركوب الزعيم المتطرف جان ماري لوبان حملة إعادة «العرب والمهاجرين إلى واجهة الحدث»، ما أجبر الحكومة على طيّ عدد من الملفات إلى ما بعد الانتخابات.
وبالطبع، لن تساعد الحملة التي يشنها مرشحو حزب الرئيس على علي سوماري، مرشح الحزب الاشتراكي ذي الأصول الأفريقية، وتشبيهه بـ«صاحب السوابق» بناءً على معلومات جرى الحصول عليها بطريقة غير قانونية، بحسب البعض، عن طريق الشرطة، على اعتبار أن سوماري «قد دفع ثمن أخطائه قبل ١٢ عاماً» وسقطت الإشارات عن سجله العدلي.
لكن يبقى الهاجس الأول اليوم أزمة المحروقات واحتمال انقطاع التموين بعدما «جفّت خزانات ١٣٢ محطة» واحتمال مضاعفة عددها اليوم، بسبب إضراب عمال مصافي نفط شركة «توتال» العملاقة، بعد الإعلان عن إقفال مصفاة «دانكرك» وصرف عدد كبير من عمالها، والذي صادف مع الإعلان عن أرباح بلغت 7.8 مليارات يورو لهذا العام.
وتستعد مصافي «إسو» و«شل» و«بي پي» للتضامن مع مصافي «توتال»، ما ينذر بتفاقم أزمة التموين، وهو ما دفع ساركوزي إلى استدعاء رئيس مجلس «توتال» كريستوف دومارجوري إلى الإليزيه، لكون الحكومة الفرنسية من كبار المساهمين في رأسمال الشركة.
من جهة ثانية، تشير كل الدراسات إلى أن تراجع استهلاك السيارات ودخول الطاقة الخضراء سوق المنافسة وإطلاق السيارات الكهربائية، ستجبر شركات النفط على مراجعة نظم وخطط عملها، ما سوف يقود إلى «إجراءات مؤلمة»، كما ذكر لـ«الأخبار» أحد مديري استثمار المحطات. ولسوء حظ الرئيس، فإن البرلمان قد وافق بناءً على اقتراحه على ضريبة الكربون، ما أدى إلى زيادة أسعار المحروقات وتراجع استهلاكها.
وشركة «توتال» هي في المرتبة الخامسة من بين كبرى شركات النفط في العالم، وتمثّل أسهمها التي تتوزع بين ٥٤٠ ألف مستثمر، أكبر حافظة في بورصة باريس وبلغ رقم أعمالها في العام الماضي ١٣٢ مليار يورو بتراجع قدره ٢٨ في المئة، رغم تسجيل أرباح. ويعمل فيها ٩٦ ألف موظف في ١٣٠ بلداً وتنقّب في ٤٠ بلداً.