أرنست خوريسجّلت الأيام الأخيرة الماضية في تركيا، ذروة معركة الأهداف المتبادلة بين المؤسّستين، السياسية الحاكمة من جهة، المتمثلة بالرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة)، والأخرى القضائية والعسكرية التي لا تزال تمثّل الكماليين المتشبّثين بإرث أتاتورك، والتي بات رموزها، من ضبّاط وقضاة، في مهداف الملاحقات القانونية.
ولكثرة الأحداث المتسارعة، أصبح ممكناً لمتابعي الشأن التركي، رصد تطورات كل أسبوع وحده، واحتسابه لمصلحة أحد الطرفين المتصارعين؛ الأسبوع الماضي كان لمصلحة الكماليين بامتياز. ربحوا (وإن مؤقتاً) «معركة المدّعَين العامَّين»، أو ببساطة «معركة قضاة تركيا». أمَر المدعي العام لأرضروم، عثمان شانال، في 17 من الشهر الجاري، باعتقال المدعي العام للجمهورية في أرزنجان إيلهان جيهانير، بتهمة الانتماء إلى عصابة إجرامية (إرغينيكون). لم يجفّ حبر القرار حتى كان مجلس القضاء الأعلى، إحدى أقوى بقايا المؤسسات المؤيدة للكماليين، يعلن النفير العام، ويحوّل خسارته إلى انتصار عبر قرار إقالة شانال لا إيلهان، بتهمة «تجاوز صلاحياته» و«الإساء إلى القضاء».
قامت الدنيا ولم تقعد بعد، إثر قرار المجلس الأعلى الذي حوّل الجلاد إلى ضحية، وأقصى ما أمكن الحكومة ورئاسة البلاد والبرلمان فعله هو تأخير تسمية مدع عام جديد لأرضروم بدل شانال، أي لم ينجح جميع هؤلاء إلا في تأخير الهزيمة.
وبما أنّ معركة تسجيل الأهداف باتت مفتوحة أمام الجمهور، في انتظار تمكّن حكّام «العدالة والتنمية» من طرح دستور جديد أمام الرأي العام بعد الانتخابات التشريعية المقررة في 2011، كان على الأسبوع الجديد أن يبدأ بضربة قوية تردّ الاعتبار للجهود «الإصلاحية»، لكن في المكان الذي أصبح بمثابة المعدة الرخوة للكماليين، أي في صفوف ضباط الجيش الذين اعترف قسم كبير منهم بصحة التهم الموجهة إليهم على خلفية ملفات «إرغينيكون».
واستفاقت أنقرة، أمس، على أنباء موجة اعتقالات عارمة بحق ضباط عسكريين، دفعت برئيس أركان الجيش إلكر باسبوغ إلى إلغاء زيارته التي كانت مقررة إلى مصر، بما أنّه بات من شبه المحسوم أمر ارتباط «خطّة المطرقة» مع مشروع «إرغينيكون».
وبضربة واحدة، اعتُقل نحو 12 ضابطاً في إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة، ما بين مَن لا يزالون في الخدمة الفعلية أو من المتقاعدين. كذلك اقتحمت الشرطة منزلَي جنرالين يُشتبَه في تورّطهما في «خطة المطرقة» 2003. وفيما فضّل باسبوغ عدم التعليق على التطوّر القضائي الأمني، إلا من خلال إلغاء أو تأجيل زيارته إلى القاهرة، فإنّ أغلب الظنّ أنه لم يعد قادراً على تنفيذ وعيده بـ«إطلاع الرأي العام على كل ما يعرفه الجيش» ويدين «العدالة والتنمية»، بما أنّ كل ما هو منشور حتى اليوم، وكل ما قد يخرجه القضاء من حيّز السرية، يدين العسكر من دون لبس، وخصوصاً بعدما وصلت مباحث الشرطة إلى جوار مكاتب رؤساء الأركان، الحالي (باسبوغ) والسابق (يشار بويوق أنيت)، والأسبق (حلمي أوزكوك).
هدف لمصلحة حكّام أنقرة، لا شكّ، إلا أنّ هدفاً مزدوجاً سيسجَّل، اليوم، حين سيتلى البيان الختامي لاجتماعات الدورة الـ63 للجنة البرلمانية الأوروبية ـــــ التركية في بروكسل، بما أنّ التطورات القضائية الأخيرة تصدّرت جدول الأعمال.