أرنست خورييبدو أنّ التنسيق بين الجيش التركي وأحد أبرز حلفائه في المجتمع، «جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك»، المعروفة بـ«توسيآد»، لا يجري على ما يرام. فقد فجّرت الرئيسية المنتخبة حديثاً للجمعية، أوميت بوينر، قنبلة سياسية في وجه الجيش، يمكن وضعها في خانة الانشقاق الحقيقي في صفوف كماليّي تركيا وعلمانيّيها المتشدّدين.
تاريخياً، تمثّل «توسيآد» بورجوازيّتي إسطنبول وإزمير وعائلاتهما التقليدية التي أمسكت بزمام الاقتصاد التركي منذ فجر الجمهورية. طبقة، حسب تعبير الكاتب والأستاذ الجامعي محمد ألتان، «مغرمة بأكل الأسماك الفاخرة على طريقة الكباب، وتكره فقراء الأناضول وجنوب شرق البلاد الذين يخنقون الشوارع الإسطنبولية بروائح مشاويهم في الساحات العامة وفي الحدائق الخضراء لقصورهم».
طبقة لطالما حمت بيروقراطية حكام أنقرة عبر إمساكها بكامل النشاطات الاقتصادية بيد من حديد، وأضمرت الحقد للإسلاميين المتخرّجين من معاهد «إمام خطيب» التي تمثّل في نظرها «المستوى الرديء للتعليم التركي». وتاريخياً أيضاً، أدّت «توسيآد» الدور المركزي في تغطية إسقاط الحكومات التي لا تمثّل مصالحها بالكامل.
لكنّ شيئاً ما تغيّر، بدليل أنّ جمعية رجال الأعمال، على لسان رئيستها الشقراء بوينر، أطلقت مواقف حادة ضدّ سلوك الجيش وبعض الدوائر التي تقف خلفه، مثل مجلس شورى الدولة. وجاء كلامها أشبه بجرس إنذار، لأنّ «مصالحنا لا تتناسب مع التهديدات التي يطلقها الجيش بالكشف عن كل شيء، ومع حفلات العراك في البرلمان (على خلفية حجاب السيدة أمينة رجب طيب أردوغان)، وازدياد الانقسام في المجتمع وغياب الحوار بين الأحزاب السياسية». كلام يحمل انتقاداً مباشراً لرئيس أركان الجيش إلكر باسبوغ الذي هدّد بأنّ صبر الجيش ينفد، على خلفية اتهامه بتدبير «خطّة المطرقة»، ولوّح، قبل يومين، بـ«إشراك الشعب في كل ما نعرفه من معلومات كثيرة في حوزتنا» تدين حزب «العدالة والتنمية».
وتابعت بوينر انتقاد الحياة السياسية، فتطرّقت إلى موضوع العلامة المطلوب من طلاب المعاهد المهنية نيلها للانتقال إلى الجامعات. فقبل أسابيع، قرّر مجلس شورى الدولة حرمان طلاب معاهد «إمام خطيب» الحكومية من حق الانتقال إلى الجامعات بعد إنهاء تحصيلهم المهني. وبعدها بأيام، قرّر مجلس التعليم العالي إلغاء العلامة التي يجدر بطلاب المهنيات أن يحصّلوها للتمتّع بحق الانتقال إلى التعليم الأكاديمي العالي، على اعتبار أنّ هذه العلامة هي، بنحو أو بآخر، شكل من أشكال التمييز بين الطلاب، إلّا أنّ مجلس الشورى قرر إلغاء قرار مجلس التعليم.
وفي موقف جديد من نوعه، رأت بوينر أنّ قضية علامة الانتقال من المهنيات إلى الجامعات «قضية تقنية يجب أن تكون محصورة في مجلس التعليم العالي»، في انتقاد لا لبس فيه لمجلس الشورى الذي يُعدّ أحد حراس مصالح النخب الكمالية، العسكرية منها والمدنية.
حتى إن رئيسة «الصناعيين ورجال الأعمال» قدّمت مرافعة غريبة عن تاريخ هذه الجمعية، دفاعاً عن معاهد «إمام خطيب»، موضحة أنّ هذه المعاهد (التي تدرّس الدين الإسلامي واللغة العربية إلى جانب العلوم الأكاديمية الأخرى) هي «حاجة شعبية» يجب احترامها.
وفي المؤتمر الصحافي نفسه، وقفت رئيسة الجمعية إلى جانب حكومة رجب طيب أردوغان، عبر تشديدها على ضرورة إقرار دستور جديد «يسمح بالمصالحة مع الأكراد والعلويين، ويتيح التعددية الحزبية الحقيقية، ويلغي شرط العشرة في المئة المفروض على الأحزاب نيلها ليحق لها التمثّل حزبياً في البرلمان».