واشنطن ــ محمد سعيدخاص بالموقع - يجوب كبار المسؤولين الأميركيين دول المنطقة العربية، في مسعى إلى تعزيز سياسة البيت الأبيض التي دأب عليها منذ عام 1979، والتي تفيد أنّ عدوّ العرب ليس إسرائيل بل إيران.
وفيما لم تشمل جولة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي اختتمت أمس في السعودية، إسرائيل، فإن جولة رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية، الأميرال مايكل مولن، قد شملتها. كذلك نائب وزير الخارجية الأميركي، جون شتاينبيرغ، وقبلهم مستشار الأمن القومي، جيمس جونز، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ليون بانيتا.
أمّا آخر الساعين للحشد العربي ضد إيران، فسيكون نائب الرئيس جوزيف بايدن، الذي يبدأ جولته المرتقبة في 8 آذار المقبل، بالتزامن مع الجهود الأميركية في الأمم المتحدة لفرض عقوبات جديدة على إيران.
من جهته، قدّم البيت الأبيض جولة بايدن بالقول إن مباحثاته ستتركّز على سبل استئناف مفاوضات تسوية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، إذ سيلتقي في جولته، التي ترافقه خلالها زوجته جيل، رئيس حكومة الدولة العبرية بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس المصري حسني مبارك، والملك الأردني عبد الله الثاني.
في هذا الوقت، أكدت مصادر أميركية أن الهدف الرئيسي من هذه الجولة، هو تعبئة المنطقة لعزل إيران وتفعيل عقوبات قوية يمكن أن تؤثر في نظامها، بما يفضي إمّا إلى تغيير النظام أو إلى تغيير التوجهات التي ينتهجها. وتأتي التحركات الأميركية في ظل اعتقاد إدارة الرئيس باراك أوباما، بأنه لا بديل في الوقت الحالي عن العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية، ولا ينبغي أن تواجه المنطقة صراعاً عسكرياً جديداً، وخصوصاً أنها لا تزال تعاني تبعات الحرب في العراق.
بدورها، سعت كلينتون، في جولتها التي شملت قطر والسعودية، وفي لقائها في الدوحة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إلى إقناعهم بضرورة تأييد الموقف الأميركي ضد طهران، بينما جرى تصوير زيارة مولن إلى تل أبيب، على أنها محاولة لإقناع الزعماء الإسرائيليين بعدم الإقدام على أيّ عمل عسكري قد يحرج واشنطن، ويقوّض السياسات التي وضعتها للتقارب مع العالم الإسلامي.
وأشارت التصريحات المشتركة لكلينتون ونظيرها السعودي سعود الفيصل، في الرياض، إلى تقارب وجهات النظر بين البلدين، وإن اختلفت، على أن السعودية لا ترى في العقوبات المزمعة وسيلة لوقف الطموحات الإيرانية في الأجل القريب، وأنه ينبغي البحث عن وسائل أخرى تؤتي نتائج أسرع.
ورغم عدم وضوح ما رمى إليه وزير الخارجية السعودي، فإنّ الرياض أبدت استعداداً للتعاون من دون أن ترفض تزويد الصين بالنفط لتعويضها عن الإمدادات التي ستخسرها من إيران إذا ما فُرضت عقوبات نفطية على طهران.
كما أنّ العقوبات ستكون أشد قسوة، لذا ينبغي عدم خسارة الدعم العربي والإسلامي حتى يجري تنفيذها بفاعلية، ويكون لها آثار مؤلمة قد تقنع قادة إيران بالتخلي عن طموحاتهم النووية.
ربما تخشى واشنطن إقدام إسرائيل على أي عمل عسكري منفرد، لا تجد بدّاً من المشاركة فيه، في ظل مساندتها المطلقة لإسرائيل، وتعرّض أوباما لضغوط هائلة من جانب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. كانت أولى علاماته تراجعه عن تحقيق سلام شامل في المنطقة في أسرع وقت ممكن.
ولم يستبعد مولن في تصريحاته شنّ عمل عسكريّ، إلّا أنه ما لبث أن حذّر من أن أيّ هجوم قد يخلق مشكلة كبيرة للغاية، ويؤدي إلى عواقب لا يمكن تداركها.
وتزامنت جولات المسؤولين الأميركيين هذه، مع زيارة نتنياهو إلى روسيا، طلباً لدعمها لفرض عقوبات مشددة على قطاع الطاقة في إيران، وعدم توريد أيّ أسلحة قد تعزّز وضعها العسكري.
في هذا الوقت، تسعى الإدارة الأميركية إلى خلخلة النظام السياسي داخل إيران من خلال التشجيع على التمرد ضد الحكومة والتظاهر، وتكثيف البث الإذاعي المحرض للمعارضين، ودعم الجبهات التي ترى أنها تمثّل شوكة في خاصرة النظام.
وفي سياق محاولتها الاستفادة من تأزم الموقف في المنطقة، قامت واشنطن أخيراً بتوريد أنظمة دفاع صاروخية متطورة لدول الخليج، تحسّباً لأي مغامرات إيرانية في حال انضمام بعض الدول الخليجية إلى نظام العقوبات الأميركية ضد إيران.
وتستهدف زيارة مولن إلى السعودية الأسبوع الجاري، بحث إمكان تزويد السعودية بالصواريخ الدفاعية، فيما قام قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال ديفيد بترايوس، بزيارة خاطفة إلى الرياض بالتزامن مع زيارة كلينتون. وادّعى خلال هذه الزيارة، أن دول المنطقة هي التي طلبت تزويدها بأنظمة الصواريخ لحماية نفسها.
في غضون ذلك، ذكرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية، أنه من غير المرجح لأيّ عقوبات جديدة تفرض على إيران، على غرار العقوبات القائمة بالفعل، أن تكون فاعلة، بدليل أنه رغم كل التهديدات سواء من جانب الولايات المتحدة أو فرنسا أو من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير خارجيتها غويدو فيسترفيله، بممارسة ضغوط وفرض عقوبات، فإنّها تقابَل كلها بفتور ملحوظ من جانب إيران. حتى إنّ طهران لم تبادر حتى إلى مجرد الرد عليها، وأعلنت بدلاً من ذلك، بدء تخصيب اليورانيوم بمستوى أعلى، محلّياً.