ترشيح إلهام مساعد يثير انتقادات اليمين واليسارباريس ــ بسّام الطيارة
رويداً رويداً، لكن بثبات، تدخل مسألة الحجاب المسلم في أتون معركة انتخابات المناطق الفرنسية وتتطور في اتجهات عديدة. البعض يستعمل الحجاب فزاعةً سياسية، والبعض الآخر يستعمله للترويج الإعلامي لمرشحيه. إلا أن النتيجة هي ولوج المسألة في نفق الابتذال والتبسيط وابتعاد الحجاب عن حلبة الإثارة، كما كان الوضع إبان محاربته ومنعه في المدارس.
إدراج اسم الفرنسية المسلمة المحجبة، إلهام مساعد، على لائحة مرشحي الحزب الجديد المناهض للرأسمالية الذي يتزعمه الشاب أوليفيه بوزانسونو إلى الانتخابات الإقليمية الفرنسية، أثار سيلاً من الانتقادات من شخصيات سياسية تنتمي إلى اليمين واليسار على حد سواء. وتفاقم الجدل بشأن ترشيح الفرنسية من أصول مغربية، التي تضع حجاباً يغطي شعرها، في منطقة فوكلوز (جنوب شرق)، معقل اليمين، وخصوصاً أن البلاد لم تخرج بعد من النقاشات الدائرة حول البرقع والهوية الوطنية.
وكان الحزب الاشتراكي، الذي يرى في تزايد قوة الحزب الراديكالي الجديد، تهديداً لعودته لاحتلال مركز «صدارة المعارضة» عبر تفتيت أصوات اليسار، أول من وجّه انتقاداً لاذعاً على لسان الناطق الرسمي باسمه، بنوا هامون، الذي قال إن الحجاب «علامة تميّز بين الرجال والنساء، ولا سيما في الفضاء العام، وتبرر أن نعارضه اليوم باسم المساواة بين الرجل والمرأة». إلا أنه استدرك والحزب على أبواب معركة انتخابية طاحنة من دورتين، قد يحتاج خلال الدورة الثانية منها إلى أصوات اليسار الراديكالي، بأنه «لا داعي لشنّ حملة عليها».
كذلك فإن السكرتيرة الأولى للحزب الاشتراكي، مارتين أوبري، شددت على أنها لن تقبل «بإدراج اسم محجبة على لائحة الاشتراكيين»، بينما رأى زعيم حزب اليسار جان لوك ميلانشون، حليف الحزب الجديد المناهض للرأسمالية، أن هذه الخطوة «خطأ» لأنّه مفروض بمن ينتخب أن «يكون قادراً على تمثيل الجميع».
أما ماري جورج بوفيه، سكرتيرة الحزب الشيوعي الفرنسي، فقالت إنها «صدمت» بالأمر لأن المحجبات لا يجب أن يكنّ «أداة دعاية انتخابية». وتحدث كريستوف مادرول باسم حزب الوسط، وطالب بوقف «الاستعمال الإعلاني للحجاب». وشدد على أن «اللعب بالديانات يمكن أن يوقظ وحوش الاستبعاد والتمييز».
أما في ضفة اليمين، فقد أعلنت النائبة في حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الحاكم، شنتال برونل، أن ذلك هو «استفزاز واستغلال شعائر دينية لأهداف انتخابية». ووصفت الأمر بأنه «مشين»، مذكرة بالجدل الدائر حول النقاب والبرقع «الذي لم ينته»، في إشارة إلى القوانين التي ينتظر أن تمنع ارتداء الحجاب الكامل في الإدارات الرسمية لأسباب أمنية.
لكن زعيم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية، بوزانسونو، رأى أن التنديد الذي يلاقيه أخذ إلهام مساعد على لوائح الحزب هو نتيجة «الأجواء البغيضة المعادية للإسلام» التي تسود فرنسا اليوم، والتي وصفها بأنها «أصبحت لا تطاق»، من دون أن ينكر أن الخطوة «أثارت نقاشاً في صفوف الحزب» نفسه. إلا أنه شدد على أن الحزب الجديد «يجمع مختلف الأطياف». ونصح السياسيين بـ«البدء بالتكيف مع الواقع الذي يفرضه وجه فرنسا الجديد».
لكن هذا لم يمنع جمعية تعمل تحت تسمية «جمعية التضامن مع النساء العربيات» من تقديم اعتراض على ترشيح المحجبة لدى المحكمة الإدارية في مرسيليا، التي تنظر اليوم في الدعوى. وحسب حيثيات الاعتراض، فهي تتهم الحزب الراديكالي بأنه يريد «فرض النساء المحجبات بوصفهنّ طبقة دنيا في الجمهورية» وأن القوانين تمنع أياً من السياسيين من الترشح «استناداً إلى ارتباط ديني» لأن ذلك يخالف قوانين الجمهورية والقوانين الأوروبية الجديدة. ورغم أن حالة إلهام مساعد ليست الأولى من نوعها في فرنسا لجهة نزول امرأة محجبة المعترك الانتخابي، إلا أن رمي الحوار في الهوية الوطنية في الوقت الذي قفز إلى واجهة الإعلام البرقع وحمي الحديث عن «خطر أسلمة فرنسا»، وهو الحديث اليميني الذي «يتأجج دائماً في فترة الانتخابات» والذي وقع في فخه اليسار والوسط، غطى على وجود بسمة مشتا، المحجبة والمنتخبة في مجلس بلدي ومساعدة رئيس بلدية إيشيرول في منطقة إيزير (وسط شرق فرنسا) الشيوعي رينزو سولي.
وتعرّف مشتا عن نفسها بأنها ترشحت على لائحة شيوعية ولكنها «مسلمة وعلمانية». ومن هنا تتساءل عن سبب «إثارة هذه الضجة حول ترشيح محجبة». وتقول: «انظر إلي. لقد قبل بي كل سكان المدينة بعد اعتراضات كثيرة». ويوافق زملاؤها في المجلس البلدي على أنها «تقوم بعملها على أكمل وجه». ويضيف الاشتراكي إمانويل شوميياتشير أنه «لا أحد يخطر على باله أن يتهمها بأنها تبشر بالإسلام وتدعو له». ويأتي المديح لها حتى من صفوف المعارضة، فيقول تيري لابل المنتمي إلى حزب الوسط: «إن عملها في المجلس البلدي يفيد النساء أكثر من بقائها في المنزل»، فهي مثال على ضرورة «المضي قدماً». وترفض بسمة مشتا الحديث عن أسباب لبس الحجاب، وتقول إنه «من خصوصياتي». ويعترف أهالي المدينة بأنّ عضو المجلس البلدي «لا تبرز حجابها كعلامة مميزة»، ويقدرون عملها الاجتماعي ويرى عديدون أنها ناشطة تساعد المواطنين بغض النظر عن حجابها.
إلى ذلك، تشير آخر أرقام الاستفتاءات على منع البرقع في فرنسا إلى أن ٣٠ في المئة «موافقون على نحو مبرم» وأن ٢٧ في المئة «موافقون بتردد». وبين الموافقين ٧٥ في المئة ينتمون إلى الوسط، بينما يبلغ عدد المؤيدين من اليمين المتطرف ٧٤ في المئة ويبلغ عددهم داخل حزب الرئيس نيكولا ساركوزي ٦٩ في المئة.


تجارب أوروبيّة وفرنسيّةويذكر جميع معارضي «منع الحجاب» أن الأب بيار، الذي أسس «منظمة إيمايوس» الناشطة لمساعدة الفقراء، كان عضواً في البرلمان الفرنسي، وكان يحضر جلسات البرلمان بلباسه الكهنوتي.
كذلك يمكن العودة لعام ١٨٩٦ عندما أسلم النائب الدكتور فيليب غرونيه، ليكون أول نائب مسلم في البرلمان الفرنسي حيث كان يحضر تحت بلباس «قفطان مع قلنسوة مغربية». وكان محط اهتمام الصحافة آنذاك واتهمه بعضها بأنه «متعدد الزوجات ويملك حريماً».