بغداد ــ زيد الزبيديأصبحت الانتخابات البرلمانية العراقية على الأبواب، وستُخاض مرة جديدة في ظل غياب قانون للأحزاب يحدّد المعايير التي يترشح على أساسها 6172 مرشحاً.
والغريب أنّ أسماء معظم الكيانات تكاد تكون متشابهة، ومن الصعب التمييز بينها، وخصوصاً بعدما نزعت عنها اللباس الديني والطائفي، وأصبحت كلمة «الوطني» أو «الوطنية»، قاسماً شبه مشترك في التسميات. وحتى إذا اختلفت التسميات كلياً، لا يوجد من يستطيع التمييز بين البرامج والأهداف المعلنة لهذا الكيان أو الائتلاف.
ويبدو أنّ غياب قانون لتنظيم عمل الأحزاب والجمعيات، مصلحة مشتركة لحكام العراق «الديموقراطي»، إذ إنّ الكتل البرلمانية المهيمنة على السلطة عمدت إلى تناسي هذا الموضوع، ولم تثره إلا في الأيام الأخيرة من المهلة المتاحة أمام البرلمان لإنهاء تحضيرات الاقتراع، كما حصل في شأن قانون الانتخابات الذي أُقرّ «في الوقت الضائع».
ويلاحظ أي مراقب كيف أن الأحزاب والكتل السياسية التي تخوض الانتخابات لم تعلن برامجها السياسية، التي يجدر أن تمثّل هويتها الأيديولوجية، وما الذي تريد تحقيقه في المستقبل، وأي عراق تعمل من أجله، وما الذي يفرّقها عن غيرها؟
ولعلّ من أبرز ما يكشف عن عدم وضوح الرؤية، تأرجح تكتل رئيس الوزراء نوري المالكي «ائتلاف دولة القانون» بين استقلاليته واندماجه مع التكتل ذي الغلبة الشيعية «الائتلاف الوطني»، ومن ضمن ذلك انشطار حزب «الدعوة الإسلامية ـــــ تنظيم العراق» بين الائتلافين، وانتقال التيار الصدري من التحالف مع المالكي إلى الائتلاف الآخر.
وفي المعسكر العربي السنّي ليس الحال بأفضل، فقد انقسمت «جبهة التوافق العراقية» إلى قسم إسلامي وآخر ليبرالي، وانتقل أعضاء من القائمة العراقية الوطنية «الليبرالية» إلى ائتلافي المالكي وعمّار الحكيم، وبالعكس.
بعد 2003 برزت فئة من متعهّدي تنظيم التظاهرات تشتري أعضاءً للأحزاب
وهناك ظاهرة أخرى لافتة في عراق ما بعد الاحتلال؛ فمن المعروف في العمل السياسي أن ينتمي الشخص إلى تنظيم معيّن ويتدرج فيه من خلال كفاءته وما يقدمه لحزبه. ومن أوّل مقوّمات الانتماء إلى الحزب، دفع الاشتراك المالي الذي يعتمد عليه الحزب، وكذلك جمع التبرّعات من الأصدقاء والمؤيدين. إلا أنّ هذه الأولويات تأتي معكوسة تماماً في بلاد الرافدين، فالذي ينتمي إلى هذا الحزب أو ذاك «يتقاضى بدل اشتراك»، إضافة إلى المنافع الأخرى التي يتمتع بها، والتي يوعَد بها المنتسبون والأصدقاء والمؤيدون.
وهنا يتساءل المراقبون: من أين تأتي تلك الأموال التي تُدفَع لمنتسبي الأحزاب «المليونية» ومناصريها؟ ومن الذي يغطي تكاليف فتح مئات، وربما آلاف المقارّ الحزبية، إضافة إلى تغطية تكاليف إصدار الصحف والمطبوعات والإذاعات والقنوات التلفزيونية، والتعاقد مع شركات محلية وعالمية لإدارة الحملات الدعائية؟
ويقول رئيس منظمة حقوق الإنسان والديموقراطية، حسين شعبان، إنه في الأشهر التي أعقبت الاحتلال، «شاهدنا خروج تظاهرات كان الهدف الأساسي منها التعريف بهذا الكيان أو ذاك». ويضيف أنه «سرعان ما اكتشفنا أن الوجوه تتكرر في تظاهرات الأحزاب المختلفة، كما تتكرر الشعارات، واتضح في ما بعد أن هناك متعهدين، ينحصر عملهم بتنظيم التظاهرات، من خلال جمع العاطلين من العمل أو بعض العمال المياومين، فيدفع المتعهد لهم أجور العمل اليومي مضاعفة في مقابل المشاركة في التظاهرة». ويخلص إلى أن «تلك أولى الممارسات الديموقراطية التي جعلت عدداً من هؤلاء المتعهدين قادة سياسيين» بعد 2003.
وبحسب خبراء، فإنّ قانون الأحزاب، الذي يفترض أن يكشف الذمم المالية للمشاركين في «العملية السياسية»، يتضمن أيضاً التعريف بشخصيات المنتسبين، وخصوصاً القياديين، ومصادر ثرواتهم، وسجلاتهم الجنائية «التي أهّلتهم ليكونوا ديموقراطيين».
ويروي الكاتب سلام أحمد، الذي عايش أحداث الغزو والاحتلال، كيف أنّ العراق شهد في التاسع من نيسان 2003، شيئاً «جديداً»، أطلق عليه اسم «الديموقراطية» من خلال إطلاق يد «من يشاء» لنهب المؤسسات والمخازن والشركات والمعامل الحكومية، وحتى المستشفيات التي أُنزل فيها المرضى عن أسرّتهم، لغرض الاستيلاء عليها. كل ذلك «تحت أنظار وبمباركة المحتلين، وهي ما أطلق عليها بعض المراقبين تسمية الديموقراطية الرثّة، أو ديموقراطية الحواسم». ولأنّ بعض عمليات إفراغ المخازن الضخمة تحتاج إلى جهد جماعي، فقد نشأت مجموعات منظَّمة للقيام بهذه العمليات، تبلورت في ما بعد لتصبح كيانات «سياسية»، أو اندمجت مع كيانات موجودة كي تضمن لنفسها الحماية.
وبما أنّ الأحزاب لم تكن موجودة قبل الاحتلال، إلا ما ندر، لذا فقد نشأت من دون أهداف وبلا برامج، وبلا أي وضوح في طريقة تكوينها، وساعدت على ذلك مليارات الدولارات التي ضختها دولة الاحتلال تحت بند «مشروع دعم الديموقراطية» في العراق.