الحركة الصهيونيّة تقتفي أثر «الأسباط» عند البشتونصباح أيوب
تكثر الروايات الإسرائيلية عمّا يسمّى «الأسباط التائهة العشرة»، وهي قبائل «بني إسرائيل» التي هُجّرت من المملكة بعد تدميرها منذ نحو 2700 سنة على أيدي الآشوريين. بعض تلك الروايات تنسب أصلها إلى نصوص دينية قديمة، وبعضها الآخر يدّعي وجود تلك القبائل تاريخياً. أما الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فاستخدمت تلك الروايات كحقائق لتستقدم على أساسها آلافاً من الأفراد من أعراق وأصول مختلفة وتهوّدهم وتوطّنهم في فلسطين المحتلة.
وآخر ما «اهتدت» إليه الحكومة الإسرائيلية الحالية نظرية تقول إنّ «البشتون» المسلمين في أفغانستان وباكستان والهند هم من «بني إسرائيل» التائهين. وبالتالي فإن غالبية أعضاء حركة «طالبان» البشتون هم يهود إسرائيليون.
وبالفعل، خصصت وزارة الخارجية الإسرائيلية أخيراً منحة دراسية لعالمة جينات هندية تدعى شاهناز علي لتعدّ بحثاً تثبت من خلاله ما إذا كان البشتون منحدرون من أصول يهودية أو لا. علي موجودة حالياً في حيفا، حيث تعمل في كنف معهد التكنولوجيا الإسرائيلي «تكنيون ـــــ إسرائيل» بإشراف باحثين إسرائيليين متخصّصين في علم الجينات والبحث في أصول اليهود. العالمة الهندية أحضرت معها عيّنات دم من بعض أفراد قبيلة الـ«باثان» الموجودين في منطقة مليح أباد قرب لاكناو في ولاية أتر برديش شمال الهند (أكبر ولاية من حيث الكثافة السكانية 190 مليون نسمة). ويعتقد الإسرائيليون أنّ أفراد الـ«باثان» (في الهند) أي الـ«بشتون» (في باكستان وأفغانستان) ينتمون إلى أحد الأسباط الإسرائيلية التائهة، مرجّحين أنها قبيلة إفرايم التي تشتّتت في جنوب آسيا.
قررت وزارة أفيغدور ليبرمان إذاً أن تضع حدّاً للأقاويل والأساطير، وتبدد الشكّ باليقين، فخصصت ميزانية مالية لبحث «علمي» ستظهر نتائجه خلال سنة حدّاً أقصى، وهي المرة الأولى التي تبدي فيها الحكومة الإسرائيلية اهتماماً رسمياً بمسألة أصول البشتون.
الصحف الإسرائيلية لم تخف دهشتها من أن ترعى الحكومة هذا البحث رسمياً، لكن معظمها أشار إلى أن مسألة ارتباط البشتون باليهود هي قديمة. وترجع الصحف الإسرائيلية تلك المقاربة إلى أزمنة بعيدة، وتشير إلى أن قبائل البشتون المسلمة تتناقل تلك الرواية، لكنها «ترفض الاعتراف بأصولها الإسرائيلية التي تتناقض مع موقفها من إسرائيل اليوم».
صحيفة «جيروزاليم بوست» ذكّرت في مقالها عن الموضوع، بما كتبه الرئيس الإسرائيلي الثاني إسحق بن زفي (عام 1957) بأنّ «الهجرة العبرية إلى أفغانستان بدأت من السامرّاء بعد الاضطهاد الآشوري لهم عام 719 قبل الميلاد». كما أشارت الصحيفة إلى أنّ الملك الأفغاني زاهر شاه (وهو آخر الملوك الأفغان) صرّح مرّة بأن «العائلة الملكية الأفغانية تنحدر من قبيلة بنيامين» الإسرائيلية. أما «تايمز أوف إنديا» فاستشارت الباحث في الدراسات الهندية ـــــ اليهودية، نافراس أفريدي، وهو أول من حلّل نظرية التقارب بين الـ«باثان» واليهود، فأعرب عن أمله في أن تقدّم دراسات الحمض النووي جديداً وتثبت علمياً ما حاول هو عرضه نظرياً. وأضاف أفريدي أنّ «نتائج البحث العلمي ستكون مهمة لتحسين العلاقة بين المسلمين واليهود على نطاق واسع».
من جهتها، تحفّظت الباحثة الهندية عن الإدلاء بأي تصريح تميل فيه إلى تأكيد النظرية الإسرائيلية وهي تمهل نفسها مدة 3 أشهر على الأقلّ للتوصل إلى نتيجة أولية عن قضية بحثها.
ولتدعيم نظرية التقارب والأصول المشتركة بين البشتون واليهود، ذكرت الصحف البريطانية («ذي أوبزيرفر» و«غاردين») أنّ بين قبائل البشتون واليهود عادات وتقاليد وبعض السمات المشتركة. وذكرت منها: بعض الأسماء كـ«يوسفزاي» التي تعني أبناء يوسف، و«إفريدي» التي تشتق من إفرايم، وإضاءة الشموع يوم السبت المقدس والامتناع عن تناول المأكولات نفسها واستخدام خيمة القماش التي يقف تحتها العروسان في حفل الزفاف، وبعض التشابه في اللباس.
من جهته، يقول الخبير الأفغاني حبيب الله رفيع، في تصريحات خاصة لموقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» باللغة الفارسية الشهر الماضي، إن «البشتون شعب آري أصيل، وما يقال عن انحدارهم من بني إسرائيل مجرد نظرية مبنية على أساطير شعبية». ويتابع: «أما كونهم آريين فمبنيّ على أسس وبحوث علمية أجراها علماء الأنثروبولوجيا والآثار واللغة الذين يرون أن لغة البشتون هي إحدى اللغات الآرية».
تحت شعار «إسرائيل هي الوطن التاريخي لليهود، وعليه يجب أن نجمع الشعب اليهودي من كل أقطار العالم ليعيش بسعادة وسلام في أرض أجداده»، عملت الدولة العبرية والحركات الصهيونية حول العالم على استقدام مجموعات قبلية من الهند وإثيوبيا وروسيا وبعض الجزر النائية وقامت بتهويدهم وتوطينهم على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي وقت يقوم فيه الكيان الصهيوني بهدم منازل الفلسطينيين وطردهم من قراهم وبلداتهم وبناء المستوطنات، قررت حكومة إيهود أولمرت عام 2008 استقدام أكثر من سبعة آلاف مواطن هندي بحجة انتمائهم إلى أحد الأسباط اليهودية التائهة. وفي كانون الثاني الماضي، وصل 81 مواطناً إثيوبياً إلى إسرائيل بعد تهويدهم، مع العلم بأنّ معظم القبائل الفقيرة في الهند وإثيوبيا تلجأ إلى الهجرة إلى إسرائيل بغية الربح المادي وهرباً من الظروف المعيشية القاسية التي يعيشون فيها. وفي هذه الحالات، تتجاهل اللجنة الإسرائيلية المسؤولة عدم تطابق التحاليل الجينية بين الطرفين فتدفع الأموال وتقوم بعملية الترحيل إلى «أرض الميعاد».


«كلّنا أسباط تائهة!»