تحرّك فرنسي ــ ألماني على مستوى القمّة لإنقاذ اليونان باريس ــ بسّام الطيارة
عادت الأزمة الماليّة لتعصف بعواصم الاتحاد الأوروبي، دالفة من حدودها الجنوبية لتبدأ بخلخلة الاقتصاد اليوناني وتهدده بالإفلاس. إفلاس يبدو حتمياً إذا ما غابت المساعدة الحقيقيّة من جانب الشركاء الأوروبيّين، الذين قد يتعرّضون لإحراج شديد، في حال غرق شقيقهم الصغير في المتوسّط.
واللافت هو أنّ وصف «إفلاس دولة» لم يعد يثير رعباً بين المسؤولين في عالم المال والسياسة وكأن الأمر بات عادياً: باتت الدولة مؤسسة تجارية تتعرض لما تتعرض له المؤسسات التجارية من تراجع قيمة مقدّرة قد يصل بها إلى حدّ إعلان الإفلاس.
المهمّ هو أنّ هذه الأزمة الجديدة أعادت، على الصعيد الأوروبي، إلى الواجهة الإعلامية، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. فقد علمت «الأخبار» أنهما قررا التقدم بـ«برنامج إنقاذ» مشترك مبني على أساس أن من غير الممكن ترك اليونان تغرق. وهي فكرة تسبّب ردة فعل قوية من زعماء سياسيين، وفي مقدمهم القادة الاشتراكيون الأوروبيون الذين رفضوا فكرة تقديم مساعدات مالية إلى اليونان من جانب «بعض دول منطقة اليورو فقط». وطالبوا بأن تكون خطة الدعم «جماعية»، تشارك فيها كل دول هذه المنطقة.
ورأى بعض المشاركين أن «الردود ينبغي ألّا تكون ثنائية كما يقترح ساركوزي وميركل، بل مشتركة».
غير أنّ مصادر مطّلعة أكدت لـ«الأخبار» أنّ حركة ساركوزي ـــــ ميركل «تأتي بعدما فشل وزراء مال منطقة اليورو في التوصّل إلى اتفاق مشترك أوّل من أمس.
وترى المصادر الفرنسية ضرورة عدم تعريض اليونان لضغوط جديدة من جانب الأسواق، إذ يعرف الجميع أن المضاربات المالية كانت وراء انهيار المالية اليونانية وعجزها عن سداد ديونها.
والواقع أن القوانين الأوروبية، التي وضعت في السنوات الأخيرة ودسّت في عدد من المعاهدات، «تحظر آليات المساعدة المالية لبلد واحد في منطقة اليورو». وتنصّ على أن من «واجب كل بلد أن يتعامل مع مشاكله بمفرده»، من دون أن يُحمّل شركاءه عبئاً مالياً، وهو ما تحاول الكتل الاشتراكية تجاوزه، لا بل إلغاءه كما ينادي عدد متزايد من السياسيين، وفي مقدمهم رئيس الوزراء اليوناني، جورج باباندريو، الذي دعا إلى «تكييف القواعد مع الوضع المستجد».
ويطالب المنددون بالمعاهدات «الشديدة الليبرالية»، التي تكبّل أيادي الحكومات الأوروبية، بضرورة «إيجاد توازن جيد بين السياسات الاقتصادية الواجب تطبيقها والتي يجب ألّا تذهب في اتجاه وقف النمو، وبالتالي يجب عدم فرض شروط تعجيزية باردة وقاسية على اليونان وإلا بردت حماسة الشعوب الأوروبية للاتحاد الأوروبي».
وقد استقر سعر صرف اليورو أمس، بعدما هبط وأثار الهلع لدى عدد من دوائر القرار، في ظلّ تساؤل عن «استمرار المضاربين بالتلاعب بمصير الدول». إذ إن ثبوت سعر اليورو جاء فقط نتيجة إحجام المستثمرين عن أخذ مضاربات جديدة بانتظار «اجتماع قمة الاتحاد الأوروبي» والتبصّر في «صفقة إنقاذ محتملة» لليونان المثقل بالديون.
ويرى عدد من الخبراء أن الأزمة مرشّحة للانتقال إلى إسبانيا، ومن ثم إلى البرتغال إذا لم تكن الحلول ناجعة. إلا أن الأنظار تتجه اليوم إلى «إعادة هيكلة النظام العالمي» التي تسمح لبعض المضاربين بالتحكم بمصائر الشعوب.
وفي هذا الصدد، يقول أحد المسؤولين الماليّين الأوروبيّين لـ«الأخبار» إنّ مصرفاً أميركيّاً كبيراً وعدداً من صناديق الاستثمار تقف وراء الأزمة اليونانية، وإن هدفها واضح وهو «الربح السريع» بالمضاربة على الديون المتوسّطيّة.
وقال المسؤول إن اليونان أصدرت في نهاية السنة الماضية سندات خزينة بقيمة ٢٥ مليار يورو لمدة خمس سنوات، وإن المصرف «قد امتعض» من عدم حصوله على أكثر من 2 في المئة من هذا الاكتتاب المربح. وبعدها بدأت الضغوط على بوالص تأمين المخاطرة (Credit Default Swaps) المرتبطة بالدين اليوناني، وهي نوع من أوراق التأمين التي تغطي ديون سندات الاكتتاب. وهي متداولة في البورصة وتعلو أسعارها وتهبط حسب قوة الدول المستدينة وضعفها.
وفي الواقع، فإنّ تلك الأسعار ترتبط مباشرة بنقاط التقويم التي تصدرها بعض المكاتب للإشارة إلى نسب المخاطرة.
ويفتح هذا الأمر فصل البحث في دور مؤسّسات التقويم المالي الرائدة وهي ثلاثة «ستنادرد أند بورز» (Standard & Poor's) و«موديز» (Moody's) و«فيتش» (Fitch)، إذ ينتقد العديد من المراقبين والسياسيين الدور الذي تقوم به هذه المؤسّسات بتوزيع «علامات حسن السلوك أو سوء السلوك»، بحيث يكفي بث علامة سيئة حول مالية بلد ما لانكفاء المستثمرين عن شراء سندات خزينته، وبالتالي «تراجع الثقة» بماليّته، ما يقود مباشرة إلى ارتفاع ثمن بواليص التأمين على سندات خزينة هذه الدولة فيهرع المستثمرون إلى «التخلص» منها وتدخل ماليتها في دوامة تراجع شبيه بدحرجة كرة ثلجية تكبر مخاطرها في رحلتها نحو قاع الإفلاس.
وفي هذه الظروف، تسرع صناديق الاستثمار المتخصصة في «الأوراق الوسخة» لشراء السندات والبوالص المرتبطة بها بأبخس الأثمان لتعود وتبيعها بعد أن تكون خطط الإنقاد قد وضعت حيّز التنفيذ، فتحقّق مئات الملايين من الدولار أو اليورو.