إغراءات لروسيا ومحاباة للصين وتوجّس من الدول غير الدائمة العضويّةباريس ــ بسّام الطيارة
ما إن تسلّمت فرنسا سدّة رئاسة مجلس الأمن حتى باتت كل زيارة لأي مسؤول دولي توضع تحت قوس «التحضير لعقوبات» بشأن الملف الإيراني.
تفسير مستمد من الموقف المتشدد الذي تتمسك به باريس في الملف النووي الإيراني. وآخر هذه الزيارات، التي دُمغت بطابع «ما يمكن أن يجري في نيويورك»، كانت لوزير الخارجية الصيني، يانغ جي تشي، إضافة إلى كلٍ من ولي عهد قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، «القادم مباشرة من طهران»، ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس.
إلا أن هؤلاء الضيوف الثلاثة، الذين بدت اهتماماتهم موجّهة نحو هدف واحد، كانت لهم مواقف متباينة إن لم تكن متناقضة في ما يتعلق بمسألة فرض العقوبات.
والصين كانت هذ المرة في واجهة رفض العقوبات بعدما كانت في السابق «تتلطّى وراء موقف موسكو». وهذا ما أكده جي تشي، الذي تحدث عن «ضرورة الإسراع في التفاوض»، محذّراً من أن تأتي العقوبات بنتائج مخالفة للتوقعات «ما يمكن أن يزيد الأمور تعقيداً».
وفيما التكتّم غطّى على ما «يمكن أن تكون رسائل حملها وليّ عهد قطر»، إلا أن مصادر مطّلعة أكدت بطريقة غير مباشرة وجود «آلية قطرية لتقريب وجهات النظر»، بقولها إن «باريس ترحّب بكل مبادرة لدفع إيران لاحترام تعهداتها الدولية».
أما غيتس، فاستبعد أيضاً أي عمل عسكري من خلال تأكيده ضرورة «الخيار السلمي»، وأن «المجتمع الدولي ليس أمامه خيار سوى التحرك لفرض عقوبات جديدة» لوقف البرنامج النووي الإيراني، على رغم تصريحاته بأن إيران رفضت العروض التي تقدم بها الغرب لوقف البرنامج النووي الذي وصفه للمرة الأولى بأنه «عسكري».
وعلمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة أن سلسلة العقوبات التي تسعى فرنسا وبتنسيق مع أميركا للتوافق عليها «تتضمن ١٦ بنداً»، وأن كلاً من موسكو وبكين تحفّظت على «ستة بنود مختلفة» ما يمكن أن يفرغ العقوبات من مضمونها حسب أحد الخبراء.
ويبدو أن باريس أخذت على عاتقها تليين مواقف الرافضين. ومن هنا يجب قراءة موافقة باريس مبدئياً على بيع أربع سفن حربية برمائية، إحداها من طراز «ميسترال» وهي حاملة طائرات هليكوبتر هجومية، لروسيا.
وقد أكد بصورة غير مباشرة هذا الخبر الناطق الرسمي للخارجية الفرنسية، برنار فاليرو، بقوله للصحافيين إن «روسيا قد أعربت عن رغبتها» باقتناء هذه السفن، وإن فرنسا «ترحب بهذه الرغبة»، ويبدو أن الحلف الأطلسي قد خفف من حدة تحفّظه وهو ما أكده فاليرو بقوله «إننا جزء من الحلف».
من ناحية أخرى، برزت بوضوح رغبة باريس في عدم صدم بكين خلال زيارة يانغ جي تشي، فاستبعدت من المباحثات «المواضيع التي تفرّق» مثل حقوق الإنسان في التيبت والإيغور والتعليق على النزاع مع عملاق البحث الإلكتروني «غوغل» تحت بند حرية الإعلام. واعترفت بـ«سلبية التراشق» بين واشنطن وبكين بشأن صفقة السلاح الأميركي لتايوان.
ومع «اقتراب موعد الحسم» تلتفت باريس أيضاً إلى الدول الأعضاء غير الدائمة في مجلس الأمن، لأنه، وفقاً لما أكده دبلوماسي عربي، فإن «التشديد على مسألة الفيتو الصيني هي للتغطية على مسألة تراجع حظوظ الحصول على أكثرية ٩ أصوات في مجلس الأمن للتصويت على العقوبات فيه»، لافتاً إلى أن «الأكثرية ليست مضمونة مئة في المئة».
ففيما يرجح أن تصوّت كل من النمسا واليابان والغابون إلى جانب العقوبات وعلى نحو متردد أوغندا والبوسنة، فإن الدوائر المطلعة في باريس ترى أن كلاً من لبنان والبرازيل ونيجيريا سوف تكون إما ضد القرار أو تمتنع عن التصويت. كذلك يبدو أن تركيا التي تريد أن تقوم بدور الوسيط بين طهران والغرب، ستمتنع عن التصويت، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المكسيك، التي ترغب في كسب أصوات دول عدم الانحياز في حال طرح مسألة «زيادة عدد الدول الدائمة العضوية». وينطبق هذا التفسير أيضاً على موقف البرازيل.
هذه الحسابات، التي وصفها دبلوماسي بأنها «حسابات سحرة معقدة»، يمكن أن «تكسر وحدة موقف مجلس الأمن»، وهو الأمر الذي تريد باريس أن تتحاشاه وتشدد عليه بشكل مكثّف، والتي ترى فيه أهم «رسالة يمكن توجيهها لطهران». ما يفسر العمل على «تنويع عروض العقوبات المطروحة» التي تتراوح بين «زيادة درجة أو درجتين على العقوبات المقررة سابقة» بحيث يتم الحصول على أكثر عدد ممكن من الأصوات في المجلس، واقتراح «توسيع العقوبات بشكل مؤلم»، وهو ما يلاقي معارضة مبدئية ليس فقط من بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ولكن أيضاً من بعض دوائر القرار في العواصم الغربية التي «لا تريد أن تظهر كأنها متواطئة مع المعارضة الداخلية»، ما يمكن أن «يعطي النظام حججاً لقمع هذه المعارضة».
ويتفق المراقبون على أنه مهما كانت القرارات التي يمكن أن تتخذ في محلس الأمن، فإنها سوف تفتح الباب أمام «فرض عقوبات وطنية»، وهو ما طالب به عدد من المسؤولين الأوروبيين في تكرار لما تفعله واشنطن التي تفرض عقوبات إضافية خارج إطار مجلس الأمن.
ولكن بانتظار ذلك، يرى وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، في التصريحات الإيرانية «ابتزازاً» لكسب مزيد من الوقت لأنها «لا تملك التقنية اللازمة». ووفقاً لأحد المسؤولين، فإنه حتى في حال «تخصيب محتمل لليورانيوم بنسبة ٢٠ في المئة، فإن إيران لا تملك تقنية تحويله إلى وقود»، إلا أنه يضيف بأن هذا «لا يمنع استعماله لأهداف عسكرية»، ما يمكن أن يمثّل حافزاً يغيّر مواقف بعض الدول المترددة في التصويت إلى جانب العقوبات.