بول الأشقر«روخو روخيتو» يردّد هوغو تشافيز، شيء مثل أحمر يا حميّر... الأحمر يناديك باستمرار. إنه اللون الذي يرتديه التشافيزيّون والموظفون في الوزارات وعمال الأشغال العامة وشركة نفط فنزويلا، وبعض الناس العاديين الذين يحبّون اللون الأحمر حتى لو لم يحبّوا تشافيز. لم أفكر يوماً بوقع لون واحد على مجريات الأحداث إذا كنت تراه أكثر من معدل الألوان الأخرى حتى باعتبار أن اللون «على الموضة».
ليلة تدشين «إذاعة الجنوب»، كنت أراقب اللباس الرسمي للحرس الوطني بانتظار وصول الـ«كوماندانتي»: بيريه أحمر، «تي شيرت» أحمر تحت القميص... وشريط حذاء أحمر. في المسرح البلدي، لوحة حمراء من ناس يرتدون الأحمر جالسين على كراسيّ حمر ومحاطون بسجاد أحمر.
الأحمر سيّد الموقف، لكنه في الهواء الطلق أقل اختناقاً. الجو احتفالي، نضالي وعائلي. حفل موسيقي على المنصة الكبيرة. الناس يعرفون الأغاني ويرقصون. يصل تشافيز وقد ارتدى اليوم بزّة المغاوير العسكرية وتحتها تي شيرت أحمر. يستمع إلى أهل الشهداء ومن ثم إلى الصلوات قبل أن ينشد بصوته الباريتوني النشيد الوطني ويشاركه الجميع. بعد 45 دقيقة تحت الشمس الحارقة، بدأت أحسّ بالتعب مع أن أمامي رجلاً مسنّاً يلبس قميصاً كتب عليه «التعب بداية الخيانة».

الصحافة إما مع تشافيز على نحو بدائي أو ضده على النحو البدائي نفسه
نقرر أن ننسحب كمشاهدي مباراة كرة القدم تحاشياً لزحمة ما بعد الصفّارة. لحظة الخروج، نسمع من داخل الشقق أصوات طناجر «معارضة» متجولة ومصدّرة ما يكفي من ضجيج لإغاظة الجمهور. لسنا الوحيدين الذين قرروا الخروج قبل النهاية، من مدخل محطة المترو حتى رصيف الصعود إلى القطارات، أمواج حمراء، الدور تقريباً محفوظ وننجح في الصعود مع مرور القطار الثالث.
من الممكن ملاحظة المعارضة لتشافيز في الشوارع، وبين الناس العاديين. وجود الحرس الجمهوري كان يدل على مجيء الرئيس. لكن الحرس لا يمنع صيحات المحتجّين. «كلكم هنا لرؤية القرد الآتي من حديقة حيوانات كوبا؟»، يصيح رجل مسنّ وهو يقطع طريق المشاة. تلحقه سيدة مسنّة وتصرخ «اذهب إلى ميامي يا قرد». يصفق لها شاب وهو يردد «إلى ميامي، إلى ميامي». بعض الناس يضحكون، الأكثرية لا تتوقف. تعلّق لوسيا: «لا تشافيز قادر على تحويلنا إلى كوبا ولا المعارضة إلى ميامي. يوم يفهمون هذه الحقيقة، نكون قد تقدمنا خطوة».
أما الصحافة فهي إما مع تشافيز على نحو بدائي أو ضده بالشكل البدائي نفسه. محطات التلفزيون على المنوال نفسه: لا سجالات بين رأيين. عندما يوجد ضيفان، إنهما دائماً من الرأي نفسه، لا يقاطع أحدهما الآخر، يمرران الكرة ويبدأ الثاني من حيث انتهى الأول. هناك نموذج آخر من «السجال»: برامج مكرسة من أولها إلى آخرها لتهشيم ما قاله الأخصام: خواطر حول تصريح أو تصاريح أعيدت «منتجتها». تعاد باستمرار مع تغيير سرعة عرضها، ويهزأ المذيع من القائل الغائب: يتهمه، يعيّره، يسجل المذيع ملاحظاته خطياً على الشاشة، مثيراً تصفيق وتصفير شلة لا تراها في الاستوديو، كأنك في برنامج فكاهي إنكليزي.
أسأل حولي عن هذه الظاهرة التي تذكرني بشيء كريه أعرفه. يطمئنني الأصدقاء: «الوضع اليوم أحسن»، تقول أندريا، مديرة شركة في الشرق. «الكل يتجول كما يشاء على الأقل، عام 2002 كان يصعب أن يأتي تشافيزي إلى هنا أو أن يذهب معارض إلى هناك».
يؤكد هذا الكلام خيسوس، مدير إذاعة معارضة تعمل في الأحياء الغربية: «قبل خمس سنوات كان الاستقطاب أقسى. وللحقيقة الاستقطاب أكثر حدّيّة في الطبقات الوسطى لأن طابعه وجودي شبه أصولي». في المقابل، المسؤول التشافيزي في الباريو (الحي الفقير) يقول لك اقتناعاته بصوت واثق ثم ينتقل إلى الحديث عن المشاكل. «عليك أن تفهم»، يضيف «عند انتخابه، لم يحكم تشافيز البلد اقتصادياً ولا نفطياً ولا عسكرياً ولا إعلامياً، فقط بعد الانقلاب الفاشل، بدأ يجمع أوراقه ويحاول بناء مؤسساته... ولا يزال اليمين مهيمناً اقتصادياً وإعلامياً».
ويرى الصحافي العريق إيليازار دياز رانخيل، مدير الجريدة الوحيدة «ألتيماس نوتيسياس» (أي آخر الأخبار) التي تنشر آراء المعسكرين في أعمدة الرأي: «أن الاستقطاب ليس مصطنعاً لأن له مضموناً اجتماعياً. ولكنه ـــــ صحيح ـــــ مضخم بسبب خطاب تشافيز والأداء الإعلامي العام». وتلاحظه أكثر في كراكاس لأن المدينة مقسّمة تقريباً جغرافياً: التشافيزيون في الغرب والمعارضة في الشرق.
من مفاعيل الأزمة التي صار يعترف بها ثلثا الفنزويليين، ما يشمل شريحة واسعة جداً من التشافيزيين، يوضح لويس فيسنتي ليون، مدير داتا أنايزيس، أنها نمّت فئة «الني - ني» (لا تشافيزيين ولا معارضة) وحولتها إلى أوسع فئة (40 في المئة)».
الموعد المؤسساتي المقبل هو الانتخابات التشريعية في تشرين الأول. ويجمع كل الذين سألتهم على أن «أكثرية الثلثين على المحك»، لا الأكثرية المطلقة التي تبدو معقودة للتشافيزيين.


المعارضة: بحثاً عن مقدم

مثل تنوّع التشافيزية (مع فارق أن هذا التنوّع لا يصل إلى انتقاد الزعيم)، المعارضة متنوّعة وعلى خلاف حول مَن يتقدم مَن. مكوّناتها الأساسية أربعة: الأطر التقليدية ـ «العمل الديموقراطي» و«قوبي» ـ يضاف إليهما مكوّنان ما بعد تشافيز ـ «زمن جديد» و«العدالة أولاً». مشكلتها الأساسية؟ يضحك صديقي هكتور «لا تفكر إلا بتشافيز وتجدّد قوته باستمرار». يوضح الصحافي إليازار رانخيل: «نفوذ كل مكوّن محصور في منطقة واحدة». ينتفض المعارض خيسوس «تعيش في عالم لم يعد موجوداً ولا ترى الأكثرية الاجتماعية التي استقلت عن النظام». يحدد الباحث لويس فيسنتي ليون «لم تعد الانقلابية وصارت دستورية، ولا البرنامج ولا العدد، ولا الأداء الوحدوي الذي تعلمته، هي في غياب رجل قادر على تفعيل كل ذلك».