• فوز الصدريّين أوّل ثمار بذرة حزب اللّه
• قيمة «غولدستون» قد تبدّدها السلطة
• عملية السلام باتت عملية استعمار

أجرى الحوار نزار عبود
يواصل المفكر الأميركي اليهودي المناهض للسياسات الإسرائيلية، نورمن فنكلستين، مشاكساته وفضح الجرائم الصهيونية وتعرية دولة الاحتلال. جولة أفق أجرتها معه «الأخبار» من منزله في نيويورك
استبعد المفكّر الأميركي نورمان فنكلستين أن توجّه إسرائيل ضربة إلى إيران «لأن واشنطن لن تمنحها الضوء الأخضر لفعل ذلك»، ولأنّ إدارة الرئيس باراك أوباما «لن تستطيع تحمل نتائج الحرب من الناحيتين العسكرية والاقتصادية ويداها مغلولتان في العراق وأفغانستان». وأعرب فنكلستين، في حديث شامل لـ«الأخبار» من منزله الواقع في حيّ «كوني أيلند» في ضواحي نيويورك، عن إعجابه الشديد بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وبفكره، متوقعاً أن يقود العالم العربي بعقلانية وذكاء، «وهو أشد ما تخشاه إسرائيل».
ورأى الكاتب اليهودي المناهض لسياسات دولة الاحتلال أنّ القضاء على قوة إيران ليس هدفاً إسرائيلياً فحسب، بل هدف غربي «وحتى روسي»، وذلك لحسابات جيوسياسية ـــــ استراتيجية، متوقعاً فشلاً في هذا المسعى. ونوّه بالخيار السوري في التحالف مع إيران الصاعدة، في مقابل أفول نجم الولايات المتحدة.
وبدأ الحديث من القدس المحتلة ومن القمة العربية وعملية التسوية، أو «السلام». تعبير سخر فنكلستين منه، لأنه وهم وسراب، بما أنه «بعد 17 أو 18 عاماً من توقيع اتفاقية أوسلو، علينا أن نسأل أنفسنا: هل تحقق حل للنزاع؟».
ووفق فنكلستين، يكمن الحل «بما تجمع عليه الأمة»، مستشهداً بالعبارة الشهيرة للمهاتما غاندي. والأمم تقبل الشرعية الدولية وقراراتها التي ترى أنّ الأراضي المحتلة في حزيران 1967، بما فيها القدس الشرقية، هي الإطار الجغرافي للدولة الفلسطينية، مع ضمان حق العودة والتعويض للفلسطينيين. «لكنّ شيئاً من هذا لم يتحقّق، بينما تواصل إسرائيل ضم الأراضي وتوطين نصف مليون وافد صهيوني، وزرع جدار فصل عنصري فوق عشرة في المئة من مساحة الضفة الغربية»، ليخلص إلى أن «هذه ليست عملية سلام، بل عملية استعمار».
وينتقل فنكلستين إلى خطة السلام العربية القائمة على مبدأ الأرض في مقابل السلام، ليصفها بـ«الجيدة»، إلا أنها تفتقر إلى الإرادة السياسية العربية لتطبيقها. ويذكّر كيف أن الإسرائيليين «مارسوا كل أنواع الترغيب والترهيب للحصول على وعد بلفور وقرار التقسيم والاعتراف بهم كدولة، ولا يزالون يفعلون ذلك في كل مناسبة». وينتهز هنا الفرصة ليسخر من التحذيرات العربية المتكررة، التي تفيد بأن «عملية السلام في خطر»، على شاكلة ما تفعله سلطة الرئيس محمود عباس، ومصطلحات «الفرصة الأخيرة» على طريقة الملك الأردني الراحل حسين.
ويعتقد فنكلستين أن «بذرة حزب الله، أعطت أولى ثمارها في العراق، حيث فاز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالمرتبة الثالثة بين الكتل النيابية، ليصبح الحليف المرجّح لكل من يريد تأليف حكومة». فوز جسّد، بالنسبة إلى محاورنا، «صدمة لكل من كان قد ظنّ أن الرجل اختفى نهائياً عن الساحة»، بما أنه «توارى عن الأنظار ليعمل في الأحياء الفقيرة وينظّم الجماهير، تماماً كما فعل حزب الله ونجح في أوائل عهده».
من هنا، يلفت المفكر اليهودي، الذي يصف نفسه بأنّه «ماركسي سابق واليوم ليبرالي واقعي»، إلى أن الهجوم الإسرائيلي على غزة كان «رسالة موجهة إلى مشروع حزب الله». وعن السبب في اختيار غزة لإيصال الرسالة، فهو يعيده إلى أن تل أبيب أدركت أنها لا تستطيع تحقيق نصر، لأن حزب الله وإيران قويّان، «فاختارت غزة المحاصرة منذ سنوات، التي أرادت استعادة هيبتها الردعية فيها».
وفي رأيه، فإنّ الرسالة الإسرائيلية وصلت، وفحواها أنّ إسرائيل لن تقف عند أي حدّ في مستوى التدمير، لكنها في المقابل هُزمت على المدى البعيد. فتقرير غولدستون، فضلاً عن تقريري الجامعة العربية ومنظمة العفو الدولية، الذي طالب بفرض حظر بيع السلاح على إسرائيل، «سيكبّل الحروب الإسرائيلية لفترة طويلة».
ويتابع تقويمه لما بعد «الرصاص المصهور»، فيجزم بأنه، على العكس من حرب تموز 2006، «لم ينسَ العالم عدوان غزة بعد ستة أشهر». وعن تقرير غولدستون، يقول إنه «يقضّ مضاجع الإسرائيليين. لديهم مشكلة كبيرة معه، وسيطاردهم في المدن والمؤتمرات الدولية، وسيواصل التأثير في الرأي العام العالمي».
وعن دليله على ذلك، يعتقد أنّ أولى الثمار كانت في تصويت البرلمان الأوروبي (300 صوت في مقابل 200) دعماً للتقرير الدولي الذي أعدّه القاضي الجنوب أفريقي، رغم الضغوط الإسرائيلية، وفشل اللوبي اليهودي في لندن في تغيير قوانين ملاحقة مجرمي الحرب.
ورغم أنّ إسرائيل يمكن أن ترتكب أيّ جريمة مهما كان حجمها، فإنها لم تعد تستطيع فعل ما تريده بعد تقرير غولدستون، الذي يجب أن يُرفع إلى المحكمة الجنائية الدولية. غير أنّ فنكلستين يخشى عرقلة ذلك «من جانب سلطة محمود عباس، الذي يتلقى تعليماته من البيت الأبيض».
واقع ينطلق منه فنكلستين ليعرب عن خشيته إزاء احتمال تبديد الإنجازات القانونية المكرّسة في قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، مشيراً إلى أن العرب «يستطيعون حالياً ملاحقة إسرائيل في محكمة العدل الدولية لرفع الحصار عن غزة. لكنهم لا يفعلون جراء ضغوط أميركية».
ولدى سؤاله عن التطورات الحالية المتعلقة بـ«الأزمة» الأميركية ـــــ الإسرائيلية المتأتية من سياسات الاستيطان، رأى أنّ «الأفق مسدود أمام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو»، وهو الواقع في حال «شبيهة بوضع رئيس الوزراء السابق إسحق شامير الذي تحدّى إدارة الرئيس جورج بوش الأب في أوائل التسعينيات، فأوقفت واشنطن عنه العشرة مليارات دولار التي كان سيستخدمها في بناء المستوطنات».
على صعيد آخر، ورداً على استفسارنا عن الوضع الإقليمي، قال فنكلستين إن «إسرائيل تريد أن تلحق بإيران، ما ألحقته بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في عام 1967. لكنها لا تستطيع، لأنها لم تحصل على الضوء الأميركي الأخضر». وفي السياق، رأى أنّ النظام الإيراني «ليس مثل نظام عبد الناصر، الذي بنى قلعة في الهواء، إذ توجد قوة وقدرات اقتصادية إيرانية أعادت بناء الضاحية الجنوبية، وساعدت سوريا عندما مورست عليها الضغوط». لهذه الأسباب، يرى أنّ دمشق تمكّنت من رفض الإذعان على طريقة أنور السادات، مستفيدةً من تحالفها الإقليمي القوي.
ويحذّر فنكلستين من أنه «ما من أحد يريد ظهور عالم عربي ـــــ إسلامي مستقل، بما في ذلك روسيا التي لها حساباتها مع الغرب». ولاحظ كيف أن أيران «كانت حذرة في كيفية توسيع قوتها ونفوذها في كل اتجاه، من الصين إلى أميركا الجنوبية، إذ بات يصعب محاصرتها اقتصادياً». أضف أنّ أوباما «لا يقدر على تحمل أزمة جديدة بمهاجمة إيران، فهو لا يستطيع المخاطرة بإغلاق مضيق هرمز ورفع أسعار النفط، وهو ما يجعل من هذا الاحتمال صعب التحقّق للغاية».


أصدر نورمن فنكلستين كتابه الجديد «هذه المرة تمادينا كثيراً» عن العدوان الأخير على قطاع غزّة. وعلى هامش الحديث عن كتابه، يشير إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله «قائد ذكي منضبط، وكذلك أعضاء الحزب. والأهم أنه يفهم المجتمع الإسرائيلي عن ظهر قلب، ويعرف قوة عدوه بدقة».